الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأموية والفتنة

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 5 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن صعود الأموية هي بداية الفتنة الكبرى، وذلك لأنها طوعت كل الرذيلة المتراكمة في مرحلة عثمان بن عفان ووظفتها لاحقا في مجرى الصراع ضد فكرة الشرعية الفعلية ومبادئ الدولة والحق وقيم العدل. مما جعل منها بداية الخراب الشامل للدولة والأمة والثقافة. وهو خراب طبع تاريخ الإسلام حتى اليوم. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الفتنة كانت في البدء، وان الفتنة هي الأموية. وبالتالي لا فضيلة فيما قامت به من الناحية التاريخية. على العكس. أنها أسست لآلية الانغلاق. أما الانجازات الكبرى اللاحقة فقد كانت في اغلبها نتاج التمرد الهائل للمثقفين الأحرار في مواجهة الانحراف الدائم للسلطة.
إن كل ما صنعته الأموية كان يخلخل وحدة الذات الإنسانية ويسحق مكوناتها الأخلاقية والعقلانية. ومن ثم كل ما صنعته هو مجرد طبقات في صرح العبودية وإذلال العقل والضمير. وهي حالة لم تكن معزولة عن الإرث المرواني السفياني الذي كان للامس القريب ألد أعداء الفكرة الإسلامية الصاعدة. ومن ثم لم يكن بالإمكان تذليل رواسبها في النفس القبلية العريقة في البيت السفياني المرواني. وهي نفسية برزت بقوة عنيفة زمن عثمان بن عفان، بوصفه داعيتها وغلافها "السلطوي". كما نراها لاحقا في كمية ونوعية المكر السياسي الخالص والدهاء المجرد من ابسط مقومات القيم الأخلاقية. ولعل حادثة "التحكيم" وسلوك عمر بن العاص فيها وبعدها يكشف عن مستوى الرذيلة والانحطاط الأخلاقي في النخبة "الإسلامية" الصاعدة. بحيث نرى حتى أبو موسى الأشعري، يقول بعد مهزلة ومأساة التحكيم: "حذرني ابن عباس غدره الفاسق، ولكنني اطمأننت إليه، وظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة" .
لقد كانت الثقافة الإسلامية ورجالها الكبار الأوائل نقية وتقية للدرجة التي كانت تقترب من السذاجة في المواقف، أو ما أطلق عليه القرآن كلمة الفطرة. بمعنى اقترابهم من الطبيعة والحق بقدر واحد بحيث حرر العقل من هواجس المكر. وهي فكرة وثقافة إسلامية خالصة. لكنها مكون لم يكن بإمكانه التحول على نسوغ شامل وعام عند الجميع بسبب الإرث العريق لتقاليد الجاهلية. وهي تقاليد جسدها بصورة نموذجية بعض "الصحابة". وهي حالة لا غرابة فيها. وذلك بسبب طابعهم التاريخي والبشري وبقايا الغريزة التي يصب القضاء عليها. والإمكانية الوحيدة هو تحديدها بالقانون.
لكن تقاليد القانون لم تتحول إلى منظومة في الدولة والمجتمع آنذاك. أما الانحراف العفاني فقد أرهق تاريخ ومستقبل الخلافة بكل الإرهاصات المريرة، بسبب تيسيره صعود القبلية وانبعاث السفيانية المروانية ونفسية الغنيمة والمكر. من هنا إمكانية تأثيرها في الجميع دون استثناء، وذلك لما فيها من قدرة على العدوى. من هنا ظهورها المبكر بعد أو توجس خائف لها بعد تسلم علي بن أبي طالب الخلافة. بحيث تحولت ولايته إلى سلسلة عصيان وتمرد وحروب كشفت عن كمية ونوعي الرذيلة المتراكمة زمن عثمان بن عفان. وهي رذيلة كانت بدايتها عصيان أهل الجمل وخاتمتها اغتيال علي بن أبي طالب وشعارها المعلن "الثأر لدم عثمان"، أي كل ما كان يستجيب لنفسية وذهنية الأموية بتياريها السفياني والمرواني. وبهذا المعنى كان التجسيد الأول والأكبر لهذه النفسية والذهنية وواضع الأسس الأولية للانحراف التاريخي من خلال استعاضة الخلافة بالملك، والحق والحقوق بالإكراه وشراء الذمم، والجماعة والأمة بالعائلة والقبيلة، مع ما ترتب عليه من انحراف شامل هائل في مسار الدولة والأمة. وفي هذا يكمن سر التضحيات الهائلة التي قدمها "رجال العلم" المسلمين الأوائل من اجل الوقوف أمام تيار الانحراف الجارف.
وليس مصادفة أن يقول الحسن البصري عن معاوية" "أربع خصال كن في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة. انتزاءه على هذه الأمة بالسيف حتى اخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة، واستخلافه من بعده ابنه سّكيرا خمّيرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وقتاله حجرا وأصحاب حجر" . أما حلقات الحكم الأموي فقد كانت سلسلة من خلافة أو استخلاف الرذيلة السياسية. والاستثناء الوحيد "ليزيد الناقص" (أو بصورة أدق الكامل) وعمر بن عبد العزيز. وليس مصادفة أن تجمع الأغلبية المطلقة من مفكري الإسلام وفقهاءه ومؤرخيه وأدباءه وشعراءه الكبار إضافة إلى الأغلبية المطلقة لعامة المسلمين على تقييم "انحراف" الخلافة إلى ملك مع ما ترتب عليه من خروج فعلي على حقيقة الإسلام الأول وأفكاره السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
وقد يكون الانحراف الأعمق والفاعل لحد الآن هو "منظومة" المذاهب المغلقة والمؤسسة بما يسمى بفكرة السّنة. بمعنى تحويل فكرة السّنة إلى شيء لصيق وملازم للسلطة والعبودية لها. وهي ملاصقة جرى طحنها مع عجينة البنية الخاطئة لترتيب تاريخ الأمة بصيغة قيمية مفتعلة عندما جرى وضع "خلافة الراشدين" بمقاييس اللاهوت المزيف وأخلاقية الدهاء والمكر السياسي. وقد وجد ذلك انعكاسه في فكرة "أفضل الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان" التي أضيف لها لاحقا الإمام علي. وهي فكرة كانت تهدف إلى إخراج الإمام علي في البداية من سلسلة "التاريخ المقدس" بوصفه كنز الأمة المسروق من جانب الأموية، ولكي يجري الإبقاء على شخصية الإمام علي في آخر سلسلة "الإمكان" المتحامل على السلطة الأموية.
والقضية هنا ليست فقط في دناءة وخطيئة النفسية الأموية وذهنيتها، بل وفي خطأ الفكرة القاتل بحد ذاتها. فالتاريخ يعرف أفاضل وعظماء فقط. والأفضل جزئي ونسبي لا يحكم تراب الزمن. بمعنى انه لا يمكن لحقيقة الأفضل أن تستمد مقوماتها من الزمن. لان ذلك يجعل اغلب الحيوانات أكثر "قداسة" مقارنة بالإنسان أيا كان لقبه وموقعه في التاريخ. بعبارة أخرى، إن القضية هنا ليست فقط في أن فكرة "الأفضل" المقرونة بتسلسل الزمن تتعارض مع فكرة التقدم والمستقبل، بل وبما فيها من سلب "ابدي" لحقوق الأفراد والأمم بالاجتهاد القادر على تقديم بدائل أوسع وأعمق وأنبل من الماضي، مع البقاء ضمن سياق التراكم الفعلي للتجارب الخاصة وتعميق وعي الذات القومي والتاريخي.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
رشدي علي ( 2009 / 4 / 30 - 20:35 )
اهتم كثيرا بروئيتك التراثية وكنت قد قرأت كتابك(الامام علي) ولكن احد اللصوص سرقه مني! فيا ترى هل يوجد موقع يحتوي على كتبك او بعضا منها؟؟


2 - مملكة رومان ابراهيموفيتش
jasim ( 2009 / 5 / 1 - 06:24 )
مهداة الى علي الياسري

كان الشهيد حسين مروة خريج الحوزة العلمية وكذلك الكاتب علي الدشتي
وذهبت المرحومة روزا لوكسمبورك في النهاية الى دراسة عالم الطيور لكن محمد عمارة و منير شفيق غادروا الى عالم الخرافة فيما بقي صادق جلال العظم مستمرا بتهديم هياكل التخلف لكن حميد بن موسى اختار في ايامة الاخيرة ان يجلس بجوار بنت السهيل لكنة نائم القيلوة على الاقل....وبين ذاك وهذا تخرج لنا عباءة لاهوتية جديدة ماركة جامعة موسكو بطلها اللاهوتي الجديد ميثم بن ال جناب بتحليل تاريخ الدولة الاموية برؤيا كهنوتية ساذجة...لعمري الضائع في صحراء الربع الخالي ان شاعرنا الكبير معرروف الرصافي وهو يكتب في مدينة الفلوجة عام 1933 ( وتصور حال مدينة الفلوجة عام 1933) لهو اكثر علمية ورصانة من خزعبلات ال جناب ..لكنة معذور ال جناب لانة يعيش الان في مملكة رومان ابراهيموفيتش


3 - سرقة محمودة
ميثم الجنابي ( 2009 / 5 / 1 - 06:41 )
عزيزي رشدي علي
لم انشر لحد الان على الواقع الالكترونية سوى كتاب (الامام علي - القوة والمثال). ورب ضارة نافعة كما يقال. فالسرقة التي اشرت اليها محمودة! ويمكنني تعويضها حالما ترسل لي عنوان بريدك لالكتروني، على عنواني الموجود على موقع (الحوار المتمدن)
تحياتي
الجنابي


4 - جاسم Jasim
ميثم الجنابي ( 2009 / 5 / 1 - 10:56 )
إنني لا أجيب على تعليقات من هذا القبيل إلا في حالات نادرة جدا. فالردود في الأغلب صدود، بمعنى أنها تصد المرء أو تحجبه عن رؤية حقيقة الأشياء وتجعله يدور في فلك الجدل. وبالتالي فان مهمة هذا الرد منهجية خالصة ولا علاقة لها بالسيد جاسم. وذلك لان هذا النمط من التعليقات والردود، كما هو جلي في الكثير الذي يشابهه، هو نموذج اقرب إلى الحالة الثابتة والراسخة في الوعي السياسي (العراقي) العادي. وهو نموذج بحاجة إلى دراسة نقدية منهجية وسوسيولوجية. لهذا سوف أقف عند هذه الحدود دون الخوض في جدل لكي لا يكن الرد على التعليق دراسة موسعة! مع أن الجدل يخدم أحيانا الحقيقة (ولكن حسب الطريقة اليونانية القديمة، وليس العراقية -المعاصرة- التي لا معاصرة فيها من حيث الوسيلة والغاية!). والسبب يكمن في أنها محكومة يقيم سياسية أو حزبية أو أيديولوجية صرف. من هنا تزمتها وسرعتها وتعجلّها واستعدادها الغريب للاتهام والتهوين. وهي صفات معقولة أحيانا، أي يمكن فهمها، ولكن فقط في حال استنادها إلى معرفة عميقة بما يجري الحديث عنه، وكذلك في حال كونها جزء من تقاليد علمية لها أسسها فيما يسمى بالكتابة النقدية الساخرة، على أن تخلو من التهكم والاستهزاء.
أما بمعايير الحقيقة المجردة (من الأهواء كما كان الأسلاف يقولون، أو الأيديولوجية

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل