الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأموية والسنّة – خلفاء عتاة وجبرية مقدسة!

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 5 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد كانت الصيغة الأولية لمفهوم السنّة تتطابق مع منافسة الصحابة والتابعين في السير بخطى تقليدهم للشخصية المحمدية في السلوك العملي. وهي المقدمة الضرورية للاجتهاد التاريخي الذي لازم وقوف الشخصيات الكبرى أمام التحديات الجديدة التي رافقت مهمة إعادة اللحمة للوحدة المنفرطة بعد موت النبي محمد، ومن ثم مركزية السلطة وترتيب شئون الدولة الصاعدة.
إذ افترضت هذه المكونات بالضرورة صياغة القدر المناسب من القواعد العملية التي تعطي للسلوك السياسي والحقوقي تجاه الأفراد والجماعات والأمة "شرعية أخلاقية". من هنا إتباع "سنّة النبي" بوصفه الشعار الذي لا بد منه من اجل الحصول على إجماع عام. لهذا السبب اتسم أيضا باستعمال القوة والعنف والإكراه والترهيب. وهو أمر جلي في "اختيار" الخلفاء "الراشدين". وبالتالي فقد كانت "السنّة" بهذا المعنى جزء من اجتهاد النخبة (الصحابة). وفي هذا يكمن سر اختلافاتها السياسية والدموية أيضا، الذي جعل الجميع تتحدث عن التزامها بسّنة النبي رغم تعارضها وتضادها في البواعث والمواقف. مما جعل من "السنّة" إحدى المرجعيات الأخلاقية العملية التي لا تتعارض مع الاجتهاد لأنه لا إلزام فيها لغير تمثل الجوانب العملية.
ساهمت هذه الظاهرة في مجر ثلاثة عقود من الزمن بعد موت النبي محمد بإرساء مقدمات النموذج الإسلامي الأولي، الذي مازال أثره عميقا في وعي الذات القومي والتاريخي الثقافي. ولا يخلو هذا النموذج من أوهام وأساطير بسبب هيئته المثالية، لكن قيمته تنحصر أساسا في ارتقائه إلى مصاف المرجعية الثقافية التي تحتوي بقدر واحد على صورة تاريخية واقعية ومثالية متسامية.
أما الأموية فقد جعلت من الصيغة التاريخية والمتسامية لمفهوم "السّنة" عقيدة مرتبطة برؤيتها السلطوية. من هنا تحول مفهوم السنّة إلى مجموعة قواعد تؤسس لنظام الخضوع والعبودية. من هنا سيادة الجبرية السياسية (اللاهوتية) واستعمال كل أساليب التخريب المادية والمعنوية وإلزام الجميع على الاعتراف بها باعتبار "سنّة". وبدأت هذه العملية برفع شعار "الثأر لدم عثمان" مرورا بخديعة رفع القرآن على الرماح والتحكيم وانتهاء بجعل سب وشتم الإمام علي بن أبي طالب من فوق المنابر "سنّة". وجعلت هذه المقدمة من الممكن إدخال كل ما تريده السلطة إلى صندوق "السنّة" لأنه لم يعد أكثر من حاوية لغريزتها العائلية والقبلية السلطوية.
إن التحول الذي أدخلته الأموية على مفهوم "السنّة" يقوم في تحويلها إياها إلى فكرة أو عقيدة سياسية خالصة. ومن ثم جعل الدين والدنيا توءمان في دهائها السياسي. ولم يكن بإمكان القرآن أن يؤدي هذا "التوليف" على أفضل وجه. أما "السنّة" فإنها قابلة له بسبب إمكانية وضع مختلف أنواع وأصناف الأحاديث "النبوية" المزيفة والمحرّفة.
وزمن الأموية هو زمن احتراف التأليف الهائل للأحاديث "النبوية" الكاذبة. وبالتالي ليست فكرة "السّنة" في الواقع سوى فكرة أموية لا علاقة جوهرية لها بحقيقة الإسلام الأول من حيث كونه اجتهادا تاريخيا وفكريا لإرساء أسس التوحيد الروحي والاجتماعي. من هنا يمكننا رؤية اغلب "عقائد السنّة" في خطاب السلطة الأموية، أي كل ما كان يهدف إلى تثبيت وتركيز سيطرتها وسلطتها وسطوتها الخاصة بوصفها "عقائد الإيمان" الإسلامي. من هنا اختلاط مكونات الانتقام والعبودية والخروج على الحق المجرد والدعوة للاستبداد وفكرة الأفضلية وغيرها فيها. ومن الممكن رؤية ذلك في حال تأمل "عهد الولاية" الذي كتبه سليمان بن عبد الملك للخليفة عمر بن عبد العزيز. وقد يكون هو الاختيار الوحيد الأفضل والأنبل في تاريخ السلطة الأموية. بمعنى إننا نعثر على كل مكونات الفكرة السنّية الاستبدادية في احد أدق صيغ الخطاب الأموي. وسوف أجزأ الخطاب من اجل رؤية نسبية العقائد "السنيّة" وأثرها بالنسبة لإرساء قواعد العقائد الملزمة واعتبار الخروج عليها خروجا على الدين والإيمان مع ما يترتب عليه من عقاب "دنيوي"، إضافة إلى جوهرية فكرة الخضوع والتوريث في الحكم، واعتبار وحدة الدين والدنيا "السليمة" من "حق" السلطة لحالها، أي من موقفها الخاص وتأويلها الشخصي، وان السلطة هي التي تقرر معنى الحق والعدالة والإيمان والمستقبل، وان أي خروج على ما ترتئيه وتريده عقابه الموت. إذ نقرأ في هذا العهد ما يلي:
(بسم الله الرحمن الرحيم! هذا ما عهد به عبد الله سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين)
 عهد انه يشهد لله بالربوبية والوحدانية، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه إلى محسني عباده بشيرا، والى مذنبيهم نذيرا،
 وأن الجنة حق، وان النار حق، مخلوقتان. خلق الجنة لمن طاعه، والنار عذابا لمن عصاه. واوجب العفو لمن عفا عنه. وأن إبليس في النار،
 وأن سليمان مقر على نفسه بما يعلم الله من ذنوبه، موجب على نفسه استحقاق ما خلق من النقمة، راج لما وعد من الرحمة والمغفرة.
 وأن المقادير كلها خيرها وشرها من الله، وانه هو الهادي وهو الفاتن. لم يستطع احد لمن خلق الله رحمته غواية، ولا لمن خلق لعذابه هداية.
 وأن الفتنة في القبور بالسؤال عن دينه ونبيه الذي أرسل إلى أمته حق يقين. لا منجى لمن خرج من الدنيا إلى الآخرة من هذه المسالة.
 وسليمان يسأل الله بواسع فضله وعظيم منّه الثبات على الحق عند تلك المسألة، والنجاة من أهوال تلك الفتنة.
 وأن الميزان حق يقين، يضع الموازين القسط ليوم القيامة. فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك هم الخاسرون.
 وأن حوض محمد يوم الحشر والموقف حق، عدد آنيته كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ أبدا. وسليمان يسأل الله برحمته أن لا يرده عنه عطشان.
 وأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة بعد نبينا. والله يعلم بعدهما حيث الخير، وفيمن الخير من هذه الأمة.
 وأن هذه الشهادة المذكورة في عهده هذا يعلمها من سره وإعلانه وعقد ضميره، وأن بها عبد ربه في سالف أيامه وماضي عمره، وعليها أتاه يقين ربه وتوفاه اجله وعليها يبعث بعد الموت إن شاء الله. وأن سليمان كانت له بين هذه الشهادة بلايا وسيئات لم يكن عنها محيص، ولا دونها مقصر بالقدر السابق والعلم النافذ في محكم الوحي، فإن يعف ويصفح فذلك ما عرف منه قديما ونسب إليه حديثا وتلك الصفة التي وصف بها نفسه في كتابه الصادق وكلامه الناطق. وأن يعاقب وينتقم فيما قدمت يداه، وما الله بظلام للعبيد. واني أحرج على من قرأ عهدي وسمع ما فيه من حكمه أن ينتهي إليه في أمره ونهيه وبمحمد. وأن يدع الإحن، ويأخذ بالمكارم، ويرفع يديه إلى السماء بالابتهال الصحيح، والدعاء الصريح، ويسأله العفو عني، والمغفرة لي، والنجاة من فزعي، والمسالة في قبري، لعل الودود أن يجعل منكم مجاب الدعوة بما علي من صفحه يعود إن شاء الله.
 وأن ولي عهدي فيكم وصاحب أمري بعد موتي في كل من استخلفني الله عليه، لرجل الصالح عمر بن عبد العزيز ابن عمي لما بلوت من باطن أمره وظاهره... ثم ليزيد بن عبد الملك من بعده، فاني ما رأيت منه إلا خيرا، ولا اطلعت له على مكروه...
 ومن أبى عهدي هذا وخالف أمري فالسيف. ورجوت أن لا يخالفه احد. ومن خالفه فهو ضال مضل يستعتب، فإن اعتب وإلا فالسيف. والله المستعان".(ابن قتيبة: الإمامة والسياسة، ج2، ص121-122).
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مو غريبه !
حمدي ( 2009 / 5 / 2 - 02:02 )
مو غريبه علي شخص مثلك يمتدح مقتدى الصدر ان يكتب
مقال طائفي !


2 - اضافة
jasim ( 2009 / 5 / 2 - 05:38 )
الصديق حمدي
د.ميثم باحث اكاديمي وليس لة علاقة بالمدح والذم.
الدكتور ميثم المحترم
تاريخ الدولة الاموية كتب عنة الكثير فما هي الاضافة اذا مدحتها قالا عنك سني واذا ذممتها قالوا عنك شيعي ولكن الاقرب الى الواقع ان الدولة الاموية لبست عباءة الاسلام كما لبس القيصر عباءة المسيحية وكما لبس ستالين عباءة الماركسية..الدولة .الاموية هي البداوة في لباس حضاري. .


3 - تعليق أولي عام
ميثم الجنابي ( 2009 / 5 / 2 - 08:31 )

عزيزي السيد حمدي! إن منطق التعليق يفترض أولا وقبل كل شيء تشخيص ماهية الشيء أو الظاهرة أو الفكرة ثم كيفيتها والأسباب القائمة وراءها. وهي القاعدة الأولية الضرورية لأي مدخل علمي. بينما لا يتناول تعليقك أي شيء. انه مجرد -اتهام- مبني على تصور مسبق وعدم دراية كافية بالمحتوى. انك تعتقد، بأنني مدحت (مقتدى الصدر)، وبما أن الصدر (طائفي شيعي)، فان مضمون هذا المقال طائفي أيضا! وهي قاعدة لها أسسها المنطقية (الشكلية) لكنها مركبة من مقدمة خاطئة (كما يقول المناطقة). إنني لم امدح الصدر ولا أي شخص آخر. وما قاله السيد جاسم صحيح ودقيق. كما أن موقفه من ماهية الدولة الأموية اقرب إلى الحقيقة، رغم أن الأموية من حيث كونها دولة ومؤسسة وتقاليد وفكر وتاريخ تتصف بتعقيد ملازم لمرحلة الانتقال العاصفة في الخلافة وتبدل أو انحراف مسارها الطبيعي. وهي قضية لا علاقة لها بمواقف تيار أو آخر بما في ذلك في ظروف المعاصرة.
فقد اجمع المسلمون على أن الأموية هي انحراف عن -حقيقة الخلافة-. وجرى ابتداع الحديث القائل بان الخلافة ثلاثون سنة وما بعدها ملك. وهي قضية إشكالية ما زال أثرها قائما لحد الآن في الوعي السياسي والثقافي والأخلاقي العربي والإسلامي عموما. والسبب في اعتقادي يكمن في انه لم يجر حسم هذه القضية ضمن مسار ما ادعو


4 - هذه المشكله
سعدالخير ( 2009 / 5 / 2 - 19:29 )
السنه وخاصة سنة العراق لديهم حساسية مفرطه كلما ذكرت كلمة السنه ا نتفضوا كما الملدوغ واعتقدوا انها مؤامرة شيعية ضدهم ويتورطون في امور غير مقبوله لعقلائهم .واذا نادى بعض عوام الشيعة ياثارات الحسين توجسوا وكأنهم هم من قتل الحسين وضعوا انفسهم في المعسكر الاموي المقيت لاعتقاد ان الامويين هم السنه او اصل السنه كما الاخ حمدي الذي اتهم الدكتور الجنابي بالطائفيه لمجرد انه نقد الدوله الامويه .هذه افكار باليه تصب في مصلحة التطرف الشيعي والسني على حد سواء فالعقل العقل ياساده وانا للعقل وانا اليه راجعون

اخر الافلام

.. عزة.. ماذا بعد؟ | المعارضة الإسرائيلية تمنح نتنياهو -الأمان-


.. فيضانات في الهند توقع أضراراً طالت ملايين الأشخاص




.. مواجهة مرتقبة بين إسبانيا وفرنسا في نصف نهائي يورو 2024


.. الاستقرار المالي يثير هلع الفرنسيين




.. تفاعلكم | مذيعة أميركية تخسر وظيفتها بسبب مقابلة مع بايدن!