الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصولية الإسلامية من وجهة نظر الشيعة ... محمد باقر الصدر نموذجاً.

شامل عبد العزيز

2009 / 5 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبالة النظريات التاريخية الغربية وفي مقدَمها الحتمية التاريخية التي تنبأت بها جدلية كارل ماركس يصبو الصدر إلى استنباط حتمية تاريخية من القرآن تحت عنوان ( السنن التاريخية في القرآن) والسنة هي القانون . فالتاريخ محكوم بقوانين ليست طبيعية كما في المادتين الجدلية والتاريخية . بل إنها حتمية بالسماء على الأرض فللأرض حتميتها الواقعية التي هي من صنع البشر لكنها مقررة من الله ومبثوثة في آيات الكتاب .
إن استخراج سنن التاريخ التي لا تتحول ولا تتبدل في القرآن أنموذج تطبيقي لمنهجية التفسير الموضوعي التي دعا إليها الصدر فالقرآن ليس كتاباً مدرسياً يحتوي على الجزئيات والتفاصيل في حدود كونه كتاب هداية ( كتاب إخراج الناس من الظلمات إلى النور) . أي من العبودية إلى الحرية إنها سنن التغيير الاجتماعي بدءاً من مهمة النبي محمد . ( التفسير الموضوعي ... ص52) .
فالآية ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا . سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) ( الإسراء 76 – 77 ) . تنطوي على سُنة من سنن التاريخ تتعلق بالتغيير الاجتماعي الذي يقوده الأنبياء . وهي تخاطب الرسول وتوضح له أن هناك سُنة تجري عليه وتجري على الأنبياء الذين مارسوا هذه التجربة من قبله وأن النصر سوف يأتيه ولكن للنصر شروطه الموضوعية : الصبر والثبات واستكمال الشروط . هذا هو طريق الحصول على هذا النصر . ( المصدر نفسه ص 63 -64) .
والصدر الذي يلاحظ ثبات القانون التاريخي وقابليته للتكرار على نحو قوانين الفيزياء والطبيعة . يمضي في طريق استكشاف السنن التاريخية في القرآن فيتحدث عن سُنة جديدة هي العلاقة بين القاعدة والبناء العلوي ( فالمحتوى الداخلي النفسي الروحي للإنسان هو القاعدة والوضع الاجتماعي هو البناء العلوي) .
والعلاقة استمدها الصدر من الآية ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد 11) .
ووفقاً للآية يتحرك التغير من الداخل إلى الخارج فالفكرة أو الروح أو النفس تصنع الوضع الاجتماعي للفرد وللجماعة . وثمة شاهد آخر على سنة ربط القاعدة بالبناء العلوي . الآية . ( ذلك بان الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ( الأنفال 53) . ولا مراء في أن الصدر وهو يجاري النظريات التاريخية الحديثة والمعاصرة لا سيما منها المادية التاريخية لم يخرج البتة عن منهج ضمني مفاده أن الألوية للروح للوعي وأن القوة الإلهية هي محرك التاريخ .
وبهذا التأكيد قلب الصدر العلاقة الحقيقية بين الواقع الاجتماعي والوعي الاجتماعي واضعاً نظريته حول السنن التاريخية في القرآن في مصاف الفهم المثالي للتاريخ .
ولم يكتف القرآن على ما يذهب الصدر بالاشتمال على السنن التاريخية بل يحث الإنسان على ( الاستقراء والنظر والتدبر في الحوادث التاريخية من أجل تكوين نظرة استقرائية من أجل الخروج بنواميس وسنن كونية للساحة التاريخية . ( التفسير الموضوعي ... ص70) .
والواضح أن الصدر وضع نصب عينيه اكتشاف سنن التاريخ التي يتضمنها القرآن معتمداً على منهج الاستقراء . أي الاستدلال من مفردات الآيات على حكم كلي يصوغه كقانون كما هو شأن العلماء في البحث عن قوانين الكون
وفي اعتقاد الصدر أن القرآن هو أول سفر يطرح مسألة كشف السنن التاريخية . فالإسلام أول من نبه إلى هذا الحقل من المعرفة البشرية . والمسلمون أول من بحث دراسة التاريخ وكشف قوانينه ومنهم ابن خلدون وبعد أربعة قرون اتجه الفكر الأوربي إلى أبحاث حول فهم التاريخ ..
( وقد تكون المادية التاريخية أشهر هذه المدارس وأوسعها تغلغلاً وأكثرها تأثيراً في التاريخ نفسه . ويبقى للقرآن مجده في أنه طرح هذه الفكرة لأول مرة على الساحة على ساحة المعرفة البشرية) ( المصدر السابق ص 73) .
من مجمل ما تقدم يخلص الصدر إلى إبراز 3 حقائق أو مسلَمات أو بديهيات تتسم بها السنن التاريخية في القرآن :
الأولى هي الاطراد أي التتابع نحو القوانين العلمية في الظاهرات الطبيعية بمعنى أن السنة التاريخية لا تقوم على الصدفة ( وإنما هي علاقة ذات طابع موضوعي لا تتخلف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة . وكان التأكيد على طابع الاطراد في السنة تأكيدا على الطابع العلمي للقانون التاريخي ( المصدر السابق ص75) .
وإذا كانت قوانين التاريخ في القرآن تعمل بموضوعية أي بمعزل عن رغبة الإنسان الذاتية فإنها محكومة بإرادة الله . وهذه هي الحقيقة الثانية التي أكدت عليها آيات القرآن . أي ربانية السُنة التاريخية ( فهي مرتبطة بالله . سنة الله . كلمات الله . بمعنى أن كل قانون من قوانين التاريخ فهو كلمة من الله وهو قرار رباني ) ( نفس المصدر 83)
إن الموضوعية في القوانين القرآنية الحاكمة لسير التاريخ ليست خارج الضابطة الإلهية . ولا يمكن أن تتصف بالواقعية أو المادية على ما يذهب ماركس . إنها موضوعية الله . محكومة بإرادته . فالميتافيزيقي يحكم الفيزيقي والغيبي والماورائي يتحكم بالحسي ألما أمامي .
إن المزاوجة ما بين التفسير العلمي للتاريخ من وجهة نظر القرآن وما بين القدرة الإلهية المطلقة غايتها أن ( يبقى الإنسان دائماً مشدوداً إلى الله لكي تبقى الصلة الوثيقة بين العلم والإيمان فهو في نفس الوقت الذي ينظر فيه إلى هذه السنن نظرة علمية ينظر إليها نظرة إيمانية( ص81) .
لم يكن بمقدور الصدر أن يتجاهل قوة العلم وأحكامه وفي نفس الوقت لا يريد أن يلحق الأذى الإيمان بالله ورسوله وكتابه فأخضع الحقيقة العلمية للحقيقة الإيمانية ممهداً السبيل للكشف عن الحقيقة الثالثة للسنن القرآنية في التاريخ . هذه الحقيقة التي تعيد الاعتبار للإنسان فليس ثمة قدر أو إرادة هوجاء فالنصوص القرآنية تؤكد على ( حقيقة اختيار الإنسان وإرادة الإنسان) .( ص83) .
بين الضرورة والحرية يعقد الصدر وفاقاً دائماً . فهما حقيقتان ثابتتان في القرآن والآيات تتحدث عن تغيير الناس لما في أنفسهم. وساحة التاريخ هي الإنسان ومشكلة الجبر والاختيار والعقاب والثواب مترابطتان على نحو لا يمكن تجاهل إرادة الإنسان وإلاَ لدار التاريخ على نفسه وأضحى قدراً لا موجب معه بعد لحساب ومؤاخذة وحلال وحرام . وهذا خلف في الإسلام والسنن التاريخية لا تجري من فوق رأس الإنسان بل تجري من تحت يده .على أن مشكلة التوفيق بين السُنة التاريخية الكونية وإرادة الإنسان الحرة لا تخلو من صعوبات يتنبه لها الصدر ويفرد لها معالجة لا تخلو هي الأخرى من التباسات ربما فرضتها طبيعة المشكلة وطبيعة المحاولات الفكرية الشاقة التي تتبين من جملة كتابات الفلاسفة وعلماء التاريخ والمتكلمين .
إن الحل الذي يقترحه الصدر ينهض على دعامتين: 1 . التمييز بين السُنة التاريخية والكونية .2. اعتبار السُنة التاريخية قضية شرطية . فمن جهة الأولى يلحظ الصدر في تمييزه نشاطاً واعياً للإنسان ( فموضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يشكل أرضية ويتخذ من المجتمع أو الأمة أرضية له) . ومن ناحية الدعامة الثانية يتحدث عن صيغ متعددة تتمظهر فيها ( السُنة التاريخية في قضية شرطية تربط بين حادثتين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية وتؤكد العلاقات الموضوعية بين الشرط والجزاء وأنه متى تحقق الشرط تحقق الجزاء .
بهذا يرتفع التعارض الوهمي والذي يعود بجذوره إلى الفكر الأوربي بين سنن التاريخ وفكرة اختيار الإنسان وإرادته باعتبار أن سنن التاريخ تنظم مسار الإنسان .. فماذا يبقى لإرادته ؟
هذا التشخيص الصدري تمهيد للحل .. الحل الكامن في أن اختيار الإنسان يمثل شرط القضية الشرطية .. فما هو الشرط ؟ الشرط ( هو فعل الإنسان , هو إرادة الإنسان ) ...
ولتوضيح الفكرة يعود إلى الآية ( إن الله لا يغير ......) .
فالتغيير الذي تتحدث عنه الآية هو فعل . وفعل يخص الناس فهو إبداعهم وإرادتهم . إذا ( فالسنة التاريخية حينما تصاغ بلغة القضية الشرطية وحينما يحتل إبداع الإنسان واختياره موضوع الشرط في هذه القضية الشرطية . في مثل هذه الحالة تصبح هذه السُنة متلائمة تماماً مع اختيار الإنسان ( ص83) .
والملائمة تعني إفساح المجال أمام الفرد لقدرة أكبر على التصرف مثلما يحصل في معرفة القوانين العلمية وشروطها . فمعرفة قانون غليان الماء مثلاً تجعل الإنسان أكثر قدرة على التحكم في الغليان . فالضرورة تتحول إلى حرية مع تنامي المعرفة والعلم بالأسباب والمسببات .
ويتضح من ذلك أن السنن التاريخية ليست على حساب إرادة الإنسان وليست نقيضاً لاختيار الإنسان بل هي مؤكدة لاختيار الإنسان توضح للإنسان نتائج الاختيار لكي يستطيع أن يقتبس ما يريده من هذه النتائج . لكي يستطيع أن يتعرف على الطريق الذي يسلك به إلى هذه النتيجة أو تلك النتيجة فيسير على ضوء كتاب منير ( ص111) .
ومهما يكن من أمر فالغرض المعلن من اكتشاف سنن القرآن في التاريخ والمجتمع تهيئة مناخات الوعي للإنسان المسلم في أي زمان ومكان لقيادة الحياة بدءاً من العودة إلى كتاب الله .
إشكاليات منهج التفسير :
يجب الإشارة لدوافع الصدر إلى النصوص لاستخراج نظريات فلسفية واجتماعية واقتصادية تضاهي في مكانتها أو تزيد النظريات الوضعية التي ازدهرتا في غرَة القرن العشرين .
فالدوافع لا تنفصل عن محاولات الإسلاميين المعاصرين من فقهاء ومفكرين الهادفة إلى تأكيد حضور الإسلام في هذا العصر ليس على مستوى الإيمان أو العقائد والفرائض بل على مستوى التكوين النظري وحقائق العلوم الطبيعية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية .
فالصدر كأحد أبرز عقول الإسلام أراد أن يستنبط ما يمكن تسميته ( حتمية تاريخية) إسلامية . فتحدث عن وعي اجتماعي وواقع اجتماعي وبناء فوقي وقاعدة تحتية ودور الإنسان في تغيير المجتمع وسنن تاريخية وقوانين وحتميات تاريخية ( متراخية) أي لا تظهر نتائجها على الفور على نحو ما هو حاصل بالنسبة إلى القوانين العلمية الأكثر صرامة .
من حق الإسلام أن يقدم نفسه أنه الأصلح لكل الزمان ومن حق مفكريه أن يخرجوا إلى الساحة يكتشفون حقائق معروفة أو مجهولة ليعلنوها على الملأ . ولكن المشكلة الحقيقية عند الصدر تكمن كما هي عند ألبنا وقطب وسواهما . في أن القرآن علم الله وكلمته بينما النظريات الوضعية هي علم الإنسان ونتيجة تراكمية لمعارفه وعلومه وخبراته التي يقوده إليها عقله وحدسه فكيف تصح المقارنة ؟ والمحاكاة بين ما هو إلهي وما هو بشري ؟ هذا أولاً . وثانياً كما يمكن ابتداء من فكرة مسبقة تصور واقع حافل بالتناقضات والتغيرات . وهل الفكرة هي التي تطور هذا الواقع أم أن للواقع قوانينه الداخلية وهي التي تحركه ؟
ما قدمناه عن الأصولية الإسلامية العربية المعاصرة بشقيها ( السُني والشيعي). سببه يعود إلى محاولات قسم من السادة الكُتاب لإظهار الإسلام بصورة مغايرة عند أهله أن صح التعبير ولا ندري حقيقة ما هو السبب ؟ هل هو تُقية ؟ أم نفاق سياسي ؟ أم لاستمالة أطراف معينة لغاية في نفس يعقوب ؟
الأصولية الإسلامية موقفها واضح وصريح من النظريات المعاصرة ( لا تبدل ) جميع النظريات مخالفة للإسلام ومن وضع البشر وهي كفر وإلحاد . لذلك نرى أن جهود السادة المعنيين تصب في غير محلها أو بالأحرى دون فائدة . على العكس نراها مخالفة للمبادئ التي يؤمنون بها . فالإصرار على المبادئ ولو أغرق الدم الشارع كما يقولون أفضل من الانجرار وراء محاولات لا تقدم ولا تؤخر . فليس من المعقول أن تظهر مقولات من قبل السادة الذين يؤمنون بمبادئ عصرية لكي يقولوا لنا بأنها لا تخالف الإسلام وتقف معه على خط واحد . في هذه الحالة نتبع قول منْ ؟ هل نعود للمبادئ الكلاسيكية أم لأقوال السادة الكُتاب؟ إنه شيء مُحير حقاً ؟












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فكر لا يصلح حتي لسكان البادية اليوم
العقل زينة ( 2009 / 5 / 7 - 21:17 )
الذي تكسب به.. إلعب به.. خطاب وفكر قائم علي هيمنة الآيات و الشيوخ علي مقدرات ومستقبل العباد
و البلاد ولتذهب الرفاهية وحقوق الإنسان والمساواة وأيضا العلم إلي الجحيم


2 - صباح الورد
ياسمين يحيى ( 2009 / 5 / 7 - 23:47 )
نتبع عقلك المتنور يااستاذ شامل .. تحياتي وتقديري لك .. ملوحظة: علقت بالأمس ثلاث مرات ولم يظهر أي تعليق لي . والمشكلة مني . اتمنى أن يظهر هذا. شكرا .


3 - صباح الورد
ياسمين يحيى ( 2009 / 5 / 8 - 00:36 )
نتبع عقلك المتنور يااستاذ شامل .. تحياتي وتقدير لك .. تعليقاتي لاتظهر اتمنى أن يظهر تعليقي هذا.


4 - راسمالي بثوب اسلامي
jasim ( 2009 / 5 / 8 - 07:29 )
شكرا لك استاذ شامل ...اتذكر جيدا ان احد الاصدقاء كتب بحثا في احدى صحف ابو ظبي عن الصدر فقامت الدنيا ولم تقعد من انصار الصدر حتى وصل الامر بتهديدة بالقتل ..والرجل لم يفعل شيئا سوى ان البحث كان اكاديميا..
بعد انتهائي من قراءة المقلة الممتازة توجهت الى رفوف مكتبتي ومباشرة الى كتاب مهم وفي نفس الوقت منسى وهو ...سيد قطب 1987الخطاب والايدلوجيا للكاتب الدكتور محمد حافظ دياب والصادر عام عن دار الثقافة الجديدة-مصر ...حيث ذكر في الصفحة 16 مايلي......حيث فهم باقر الصدر يختلف في قضية العدالة الاجتماعية عن فهم المودودي اذ ان الاول طرحه كينزي والثاني اقطاعي كذلك فان تبني باقر الصدر للمقولات الارسطية يجعل تصوره ماهياتي ثابت...انتهى.ويقصد الدكتور بالطرح الكينزي نسبة الى الاقصادي البريطاني جون كينزي الاقتصادي الراسمالي المعروف
.شكرا لك مرة اخرى استاذ شامل


5 - مجرد تجديف
علي ( 2009 / 5 / 8 - 11:28 )
بعد التحية والشكر للسيد شامل
أردت أن أول : طلما أكتشف محمد باقر الصدر سنن التغيير من القرآن الذي هو حق ألاهي لا باطل فيه فليرنا هو وأنصاره النتائج كما أرونا الكفار نتائج أكتشافاتهم المتأخرة
تركتكم بخير


6 - متألق دائما
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 5 / 8 - 18:48 )
استاذي العزيز
متألق دائما اسف لانشغالي الطويل عن متابعتكم لكن العودة قريبة
مع خالص التحيات

اخر الافلام

.. 158-An-Nisa


.. 160-An-Nisa




.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا