الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحيون العرب شركاء لنا في الوطن وليسوا على ذمة أحد

نضال الصالح

2009 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل عامين توفي صديق لي مسيحي وصدف أن كنت في الوطن. هاتفت صديقا مشتركا لنا لنتفق على الإلتقاء وحضور جنازة صديقنا الذي رحل عنا إلى الأبد. فوجئت برفض صديقي للإشتراك في الجنازة، وعندما سألته عن السبب قال لي أنه محرم علينا نحن المسلمين حضور جنازاة المسيحيين. لم أصدق ما سمعت، فقلت له متعجبا، هذا صديقنا، ترعرعنا سويا، أكلنا وشربنا معا، سجنا معا، ودخلنا بيته ودخل بيتنا، فما هذا الذي تقوله يا رجل؟ أجابني بأن أكلهم محلل لنا ولكن ديننا يمنعنا بان نشارك في اعيادهم وأن نمشي في جنازاتهم.

هاتفت بعض من يدعون أنهم من رجال الدين لأتأكد من صحة هذا القول، فأكدوا لي ذلك وثنوا على موقف الصديق وحسن إسلامه. أغلقت سماعة الهاتف وجلست حائرا أتسائل ما هذا الذي يحدث في وطني؟ من أين جاء هذا الفكر المريض الذي يمنع صديق العمر من أن يحضر جنازة صديقه؟

لقد ترعرعت في منطقة من مدينة نابلس الفلسطينية تدعى رفيديا. رفيديا، كانت قرية صغيرة بالقرب من مدينة نابلس، كثر فيها المواطنون المسيحيون ولقد أصبحت الآن جزءا من المدينة واختفت معالم القرية الأصلية وحلت محلها عمارات وفلل حديثة ومحلات تجارية ومطاعم ومقاهي.

كنا نلعب مع أخوتنا المسيحيين، يدخلون بيوتنا كما ندخل بيوتهم ونذهب معا مشيا على الأقدام إلى نفس المدرسة التي كانت تقع على بعد عدة أميال من رفيديا. كان درس الدين الإسلامي إلزامي على الطلاب المسلمين وغير إلزامي للمسيحيين. وبالرغم عن ذلك إعتاد كثير من الطلبة المسيحيين على حضور حصة الدين لأن أهلهم قالوا لهم أن القرآن هو كتاب كل العرب كما أن النبي محمد هو نبي عربي ولذا ورغم التزامهم بمسيحيتهم فلقد كانوا يفخرون بالتاريخ الإسلامي العربي ويعتبرونه جزءا من تاريخهم كما القرآن جزءا من ثقافتهم. كنا نحتفل بأعيادهم كما كانوا يحتفلون بأعيادنا ونشترك في عيد الفصح الذي كنا نعتبره عيد الربيع وكنا نلون البيض معا وتجري بيننا المباريات بالبيض المسلوق حيث ندق البيض ببعضه فمن كسرت بيضته يخسرها للآخر. كان آباءنا يلتقون في حديقة بيتنا أو في حديقة أي بيت من بيوت الجيران للعب طاولة الزهر أو ورق الشدة وكانت أصواتهم وقهقهاتهم تعلوا حتى تطغو على صوت وصراخ الأطفال في الشارع. وكانت الأمهات تشترك في صنع المأكولات الطيبة وخاصة في صنع الكعك بأنواعه. كنا نسمع صوت آذان الصبح يتناغم مع صوت أجراس الكنيسة ولم أسمع من والدي رحمه الله الذي عرف بتدينه بأنه يمنع علينا المشاركة في أعيادهم والمشي في جنازات أمواتهم فما الذي حصل وما الذي تغير؟

كبرت وشخت، تركت الوطن طلبا للعلم وعدت إليه ثم أجبرت على العيش في الغربة ولكن لم تنقطع علاقتي الوثيقة بأصدقائي المسيحيين وهم من أخلص الأصدقاء، يشاركوننا أفراحنا وأتراحنا ويمدون لنا يد العون حين نحتاج إليها. الدكتور فرحان، طبيب الأطفال الذي يحفظ القرآن و الذي سجنته السلطات الأردنية ومن بعدها الإسرائيلية. صديقي وأخي أبو عمر الذي سمى إبنه على إسم عمر بن الخطاب تيمنا بهذه الشخصية العربية الفذة. صديق العمر الدكتور وديع وقرينته المصونة وأبناءه ،الأصدقاء الأوفياء لأبناء أختي الملتزمين بدينهم الإسلامي والذين لا يقطعون فرضا ولم يمنعهم تمسكهم بدينهم من إقامة علاقات وطيدة وصداقة عميقة مستمرة مع إخوة لهم مسيحيين، صداقة لم تضعف أمام مر السنين. وغيرهم وغيرهم أكثر من يحصوا.

المسيحيون جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، بل هم في كثير من الأقطار العربية أصل أهل البلاد وجذورهم عميقة في أرضها وكثير من العائلات في فلسطين والأردن وغيرها تجمع الديانتين وكثير من العائلات المسلمة لا تزال جذورها في عائلات مسيحية، فالهلسة المسيحيون في الأردن والهليس المسلمون في فلسطين من جذور واحدة ومثل ذلك أكثر من أن يحصى.

المسحيون ينتمون إلى هذه الأرض وهم جزء لا يتجزأ من تركيبتها السكانية. ليسوا في ذمة المسلمين أو في كنفهم وحمايتهم، بل كل من الشريحتين في ذمة الآخر وفي حمايته، ومن يقول غير ذلك لا يريد لهذا الوطن خيرا. هناك يد خفية تحاول حرمان المسيحيين من المواطنة وإثارة النعرات ضدهم وتسعى إلى تهجيرهم إلى البلدان الغربية وهو أمر في غاية الخطورة.

أنا لا أستطيع أن أتصور بيت لحم، بيت مولد المسيح الفلسطيني أو القدس حيث دفن فيها، بدون المسيحيين وكنائسهم وأجراس كنائسهم. بل لا استطيع أن أتصور كثير من البلدان في وطننا العربي الكبير بدونهم وبدون تناغم أجراس كنائسهم مع أصوات الآذان من جوامعنا. فإذا كنا ندعي التسامح فعلا، فالعيش المشترك المجبول بالأخوة والمحبة الصادقة بين المسلمين والمسيحيين هو الدليل الوحيد لإثبات ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنت إنسان تنتمى للإنسانية
طاهر ( 2009 / 5 / 5 - 20:34 )
بالفعل أنت إنسان ينظر إلى أخيه الإنسان ولست مثل العنصريين الذين ينظرون إلى أديان البشر ويتعاملون معهم على أساسها وما يقوله لهم رجال الدين الجهلة الذين هدفهم الوحيد ان يخلقوا اعداء بين افراد المجتمع ويزرعوا الفتنة ليظل تابعيهم عبيد لهم يسرعون إليهم طالبين النصيحة أو الفتاوى الساذجة التى تفضح نفاقهم وبغضهم للآخر ، التفكير بعقلك معناه أن تكون سيد نفسك وليس ان تفكر بعقول هؤلاء الفقهاء الذين يجعلون من البشر عبيداً لهم حتى يفارقوا الحياة .. الحب هو أساس الوجود ووقود الحياة البشرية وبدونه يسود الظلام الذى ينشره رجال الدين .


2 - أنت نضال.. وأنت صالح!
أحـمـد بـسـمـار ( 2009 / 5 / 5 - 21:25 )
أنت نضال. وأنت صالح. ليس من عادتي الهتاف لأي كاتب عربي أو غيره في هذه الأيام التي يسود فيها تبادل التطبيل والتزمير والهتافات الرخيصة. ولكن صدقني بأنني أنحني بكل احترام أمام كتابتك الرائعة الصادقة, لأنك تردد ذكريات شبابي في مدينتي السورية الصغيرة, حيث لم توجد في ذلك الزمان أية تفرقة على الإطلاق بين أي مواطن مسيحي أو مسلم, في العادات والصداقات والتراث الوطني والتربية والأخلاق. بينما اليوم يا ساتر يا ستار.. تفرقة.. تمزق.. نظرات ريب غبية وممنوعات ومحرمات, وعادات حجاب ميزت الصداقات وفرقتها. ومشايخ جهلة يوزعون الفتاوي والتفسيرات التي لا طعم لها سوى تمزيق الوطن الواحد إلى فئات وشرذمات وفرق. باسم الدين والإيمان زرعوا الكراهية والتفرقة.. وماتت المواطنة التي كانت القاعدة الأولى للتآخي والحضارة البناءة. بعد أن كان دين الجميع حـب الوطنّّ!!!...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الله الواسعة.


3 - الوطن العربي للجميع، و ليس للمسلمين فقط
وائل الياس ( 2009 / 5 / 5 - 22:43 )
مقال رائع ، كم اتمنى يا سيدي لو أن أمثالك كثر في مجتمعاتنا العربية،أنا مسيحي الدين عربي الانتماء علماني التوجه، تربيت في وسط إسلامي و لم يكن لدينا اية مشاكل، في أول زيارة لي إلى سورية بعد غربة سنتين، أحسست أن الناس بدأت تتغير و أن فيروس الوهابية بدأ ينتشر في بلدي الحبيب، لماذا و من له المصلحة في ذلك، المسيحيون كانوا و ما زالوا و سيظلون مكوناً أساسياً من مكونات النسيج الوطني السوري، و ليسو أهل ذمة و لن يدفعوا الجزية و لن يعاملوا معاملة المواطنين من الدرجة الثانية . و كلامي هذا ينطبق على جميع الأقليات في كل مكان.

تحياتي لشخصكم الكريم


4 - شكراً
جميل ( 2009 / 5 / 5 - 22:56 )
اشكرك على هذا الاحساس الراقى
ولكن دعنى اجيبك على سؤالك التالى وهو :
من أين جاء هذا الفكر المريض الذي يمنع صديق العمر من أن يحضر جنازة صديقه؟
للأسف أشك ان حضرتك مسلم
لإنك لو مسلم كنت قد عرفت الحديث -الغير شريف -والمشهور عند عامة المسلمين وهو:-
-لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإن سار أحدهم بالطريق اضطروه لأضيقه-
ثانيا: قلت فى سياق حديثك عمر بن الخطاب الشخصية الفذة
وأنا اذكرك بأن تقرأ العهدة العمرية لتعرف أنها سبب رئيسى فيما يحدث الآن من قتهجير للمسيحيين.
تقبل تحياتى .


5 - مقال واقعي رائع
صـبـا عـجـلـونـي ( 2009 / 5 / 6 - 11:15 )
لدى قراءة هذا المقال, أحسست بعض الخجل, لآنه يمثل واق بلادنا العربية اليوم, وكيف نعامل الأقليات التي كانت قاعدة حضاراتنا وثقافاتنا ومقاوماتنا الفكرية والسياسية, وكيف ندفع غالبها للهجرة, مما سيفرغ بلادنا من كوادر فكرية لا يمكن تعويضها. وذلك بسبب بعض الاتجاهات المتعصبة الغوغائية والتي تقوي دوافعها دول وأحزاب غنية لا تهمها مصالح البلد الحقيقية كما يهمها دفع التعصب الطائفي الإسلامي, الذي هو بالمنطق والفكر بعيد كل البعد عن جميع المبادئ الأصيلة التي تدعو إلى التآخي والتجمع, لا للتفرقة والتفجير والكراهية.

اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟