الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (البدلة) للمخرجة السورية نائلة الأطرش: عندما يتحول التسامح إلى وسيلةٍ للتعذيب..

مايا جاموس

2009 / 5 / 7
الادب والفن


تنطلق مسرحية (البدلة) من حكاية مطروقة كثيراً في الأدب والفن، تصلح لكل زمن ومكان، ومستمرة باستمرار البشرية. إنها حكاية زوجين شابين متحابّين، تقوم الزوجة بخيانة زوجها، ويقرّر الزوج معاقبتها بطريقة غريبة قليلاً، حيث يطلب منها اعتبار العشيق حاضراً بينهما من خلال بدلته التي نسيها في بيتهما، ويطلب معاملة العشيق- البدلة كما لو أنه ضيف وتجب العناية والاهتمام به. الزوجة التي تعتقد بدايةً أن هذه العقوبة سهلةٌ مقارنةً بحجم فعلتها، محاولةً استغلال الوقت لأجل بداية جديدة وتعامُلٍ آخر مع زوجها، لا تلبث مع استمرار تلك العقوبة أن تُنهك وتهلك.
وبالانتقال إلى مقولة العرض: هل هي دعوة إلى التسامح اللامحدود! أعتقد أن العرض كان معنياً بطرح الإشكالية، وفتح الباب لكل أشكال التفاعل والعلاقات الإنسانية المرتبطة بالحدث، وليس اهتمامه بتقديم إجابة أو حلول، الغاية هي السؤال لا الإجابة، رغم أن العرض ضمناً منفتحٌ على خيار التسامح، وعلى خيار العقوبة السهلة المنطقية المحتملة.
لكنّ الجديد في تقديم هذه الحكاية البسيطة هو الأسلوب الذي قُدمت من خلاله، أي تحويل المسرح إلى مختبر مسرحي ومكان للتجريب، تُعلن فيه المَسرحة منذ أول لحظة في العرض حيث تأتي إحدى الشخصيات وتأخذ دور الراوي، ويأتي الممثلون من خلف ستار يشبه ستار خيال الظل، أو الشاشة، وتبدأ الحكاية، ويبدأ الممثلون بتمثيلها، ويتحول الجميع إلى رواة، يتناوبون في الرويّ، مفرّقةً المسرحية بين مستوى الرويّ والحوار من حيث اللغة، حيث تكون فصحى للرويّ ومحكيةً للحوار بين الشخصيات. الطريقة في تقديم هذه الحكاية (أي تمثيل الحدث وروايته في الوقت نفسه) تجعل المتفرج مراقباً للحدث لكنه مقحَم في تفاصيله وخيارات الممثلين واحتمالات الحدث، ومقارنة حالته بما يعرض أمامه. كما تتحول الخشبة (خشبة مسرح الحمراء وتمتد فوق جزء من المقاعد) إلى فضاء مفتوح لذلك التجريب، فكل شيء مكشوف ومعروض أمام الجمهور، بما في ذلك تحريك وتغيير الديكورات من قبل الممثلين أنفسهم، كما تغيير الملابس، كما تتحول الخشبة جزئياً إلى كواليس، مع وجود الستارة البيضاء في خلفية الخشبة، الستارة /الشاشة البيضاء التي تعلن بدء الحكاية ونهايتها، ذلك كله يخدم توجُّه العرض ليكون تغريبياً، مع وجود أسلبة في الديكورات كالحامل الحديدي الذي يمثل مطبخاً، و تزامن ديكورين على الخشبة: يمثلان منزل فيلمون وماتيلدا، وجانباً من البلدة حيث يلتقي الأصدقاء، دون أن يلغي وجود ديكورات وأغراض وملابس تتجاوز مهمتها الدلالة إلى الإيهام، كالصحون والسرير الحقيقي ذي الأغطية الملونة والشراشف، والإبريق..
العرض منفتح على التجريب على مستوى الشكل والعلاقة مع الجمهور وجزئياً على مستوى المضمون، إذ لدينا أشخاص يتبادلون المواقع باستمرار، الزوج من ضحية إلى جلاد، الزوجة من جلاد إلى ضحية، والكل يأخذ موقع الراوي، أما البدلة فتتحول من مجرد قطعة قماش إلى سوط – آلية للتعذيب، التسامح يتحول إلى وسيلة للتعذيب، والأمر نفسه ينطبق على الحب الذي يتحول هو الآخر إلى حالة تعذيب. وفي كل لحظة كان هنالك مفترق طرق والمُشاهد مدعوّ ضمناً إلى التساؤل والاستنتاج والتفاعل والتفكير.
المسرحية التي تأخذ من الحكاية عنصراً أساسياً في العرض، تعتمد السرد أساساً في المسرحية، السرد الذي يأتي بصيغة الراوي أو الرواة هو عنصر آخر يجعل من العرض ملحمياً بريختياً، فالسرد كما هو معروف في المسرح البريختي مقصودٌ يسمح "بالتوقف عند الحدث، والتعليق عليه"، وقطعه بشكل مستمر من قبل الراوي، أو الشخصيات، وهذا يحقق التغريب من خلال تقديم العرض المسرحي على شكل حوار وسرد. ويمكننا ملاحظة أن كل راوٍ في المسرحية كان يقوم بالسرد وكأنه راوٍ يقف خارج الحدث ويراقبه، وهذا يحقق الموضوعية التي يتطلبها المتفرج ليحكم هو الآخر بموضوعية ومنطق أعلى. بل كان للسرد في المسرحية دور أبعد من كونه وسيلة تغريب، ففي المشهد الذي تفكر فيه الزوجة ماتيلدا بالخروج من المنزل يأخذ السرد منحىً آخر حين يتدخل الرواة الأربعة بمن فيهم هي، ويناقشون احتمالات خيارها، احتمالات النتائج، ليتغير هنا منحى الحدث كما كان متوقعاً أو كما كانت ماتيلدا تفكر، حيث تقرر ماتيلدا الالتحاق بنادٍ نسائي بعد الحصول على موافقة زوجها أي إخباره برغبتها، بدل خروجها دون علمه. إضافةً إلى دور آخر للسرد وهو تقليدي: يتعلق بإخبارنا بأحداث تمت دون أن نراها على الخشبة، أو لتقديم توصيفات ومعلومات كأن نعرف أن الحدث يتم في بلدة إفريقية والأشخاص هم من الزنوج، ونقبل كمتفرجين ذلك، دون أن تكون بشرة الممثلين سوداء.
يُكتب على بروشور المسرحية بتوقيع المخرجة نائلة الأطرش، وكذلك يُعلن في العرض: أن القيمة الحقيقية في المسرحية كانت في لقاءات فريق العمل خلال البروفات حيث النقاشات والاختلافات والتساؤلات، والسؤال الذي يمكننا طرحه: إذا كانت جمالية العمل وغناه في مراحل إنتاجه، في صياغته.. فإلى أي درجة يخسر هذا العمل من غناه عندما يأخذ صيغته النهائية ويُعرض على أساسها، وإلى أي حد يمكن لتفاصيل متعة الصياغة أن تهمَّ المتلقي، أو تنعكس على المتلقي وتفاعله!
أعتقد أن تقديم حكاية بسيطة ومألوفة إنما بشكل جديد، فهذا بحد ذاته يعتبر تحدٍّ في المسرح، لكن لا يمنعنا ذلك من طرح تساؤل: كم يمكن القيام بذلك العمل المسرحي والتجريب لنصٍّ أكثر غنىً؟ مما يتيح للمتلقي أيضاً هامشاً أوسع من التفاعل.
المسرحية إعداد وإخراج نائلة الأطرش، تأليف كان ثيمبا، تمثيل جمال سلوم، هاني الأطرش، شادي مقرش، ريم زينو، سينوغرافيا بيسان الشريف.
جريدة النور العدد 386








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟