الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في المجتمعات الاسلامية..الاستاذ اولاً

مهدي النجار

2009 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتداخل عِدة عناصر اساسية في تشكيل فضاءات التعليم ومفاصله، من أهمها الهياكل التربوية ومؤسساتها وطرق التعليم ومناهجه ومحتويات التعليم وخصائصها إلا أن مايربط تلك العناصر ويحركها هو الأستاذ (او المعلم) الذي ينشط في الفضاء التعليمي ويشتغل بأدواته بأعتباره الفاعل الاول في العملية التعليمية والتربوية. وحين نتفحص خصائص هذا الأستاذ في المجتمعات الاسلامية المعاصرة واهم تجلياتها التي تتمظهر في علاقتة مع طلابه، سنجد ان هذه العلاقة (معلم/ طالب) مازالت تتصف بمواصفات العلاقات القديمة التي نشأت منها والتي تنتمي غالبيتها الى فضاءات القرون الوسطى التي تتأسست فيها العملية التعليمية والتربوية ولا نعثر إلا قليلاً على انماط من العلاقات تنتمي الى روح العصر والمعاصرة لذا نلاحظ فجوة عميقة بينها، اي علاقة (معلم/ طالب) في المجتمعات الاسلامية وبين علاقة (معلم/ طالب) في المجتمعات المتقدمة خاصة الاوربية منها. نلاحظ ان المعلمين الاوائل (او المؤدّبين كما يطلق عليهم قديماً) ينقسمون الى ثلاث طبقات متمايزة:
الطبقة الاولى: معلمو الكتاتيب الذين يهتمون بابناء السواد الاعظم من الشعب (او العوام كما يسميهم الغزالي) وقد اشتهر العديد من المؤدّبين في هذا المستوى مثل: الحجاج بن يوسف الثقفي (قبل توليه السلطة)/ الضحاك بن مزاحم/ الكميت بن زيد...
الطبقة الثانية: كانت تهتم بتربية ابناء الطبقة الخاصة من الاعيان والاثرياء والمقربين للسلطة.
الطبقة الثالثة: تهتم بتربية ابناء الوزراء والسّلاطين وكان هؤلاء المعلمون من العلماء الكبار والادباء الفطاحل نذكر من بينهم: سيبويه/ الكسائي/ الاصمعي ...
ولابد من الاشارة ان التعليم (او التأديب) كان يتم دون أجر فالمعلم لا يتقاضى أجراً محدداً من طلابه، هذه الخاصية الممتازة تُحسب لصالح التعليم الكلاسيكي بغض النظر عن خصوصياته السلبية الاخرى، فما بالك اليوم حيث يتقاضى المعلم اضافة الى أجره من الدولة كموظف رسمي، يتقاضى أجوراً باهضة من الدروس الخصوصية. ان قبول الأجر من الطالب سابقاً يُعدّ في حدّ ذاته عملاً محطّاً لكرامة المعلّم إذ يصبح الرئيس مرؤوساً والمرؤوس رئيساً، ولقد لاحظ ذلك ابو حامد الغزالي عندما قال: " فمن طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه بوجهه لينظفه، فجعل المخدوم خادماً والخادم مخدوماً وذلك هو الانتكاس على أم الرأس" (احياء علوم الدين/ج1 ).ويبدو أن المعلمين آنذاك كانوا يستحصلون على نفقات عيشهم من الهبات و أن هناك أراضِ كانت تخصص للقيام بشؤون دور العلم (اغلبها كانت مساجد) ولم يقع إسناد الأجور إلا في ما بعد عند تطور المجتمع الإسلامي وتعقد الحياة فيه. ومن توجيه للخليفة الاموي عبد الملك بن مروان الى معلم أبنائه يقول فيه: " علّمهم كتاب الله عزّ وجلّ حتى يحفظوه وأوقفهم على ما بيَّنَ لله فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه وخذهم من الاخلاق بأحسنها ومن الآداب بأجمعها وروّهم من الشد أعفه ومن الحديث أصدقه وجنّبهم محادثة النساء ومجالسة الأظناء ومخالطة السّفهاء وخوّفهم بي ولا تخرجهم من علم الى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مظلة للفهم". تتبين لنا من هذا التوجيه جملة حقائق تتصف بها العملية التربوية آنذاك وما ينبغي للمعلم القيام به:
اولاً: إنّ الطريقة التربوية طريقة تلقينية صرفة تعتمد على الحفظ والتلقين بدلاً من المناظرة والمجادلة.
ثانياً: يتضح أن المضمون التربوي يرتكز أساساً على التعليم الديني وعلى جملة من الوصايا الاخلاقية ذات الطابع الوعظي الإرشادي.
ثالثاً: لهذا المضمون التربوي أخطار تحدّق به يجب على المعلم (المربي) أن يعمل على ذمها والتحقير من شأنها ومتمثلة في عنصر المرأة ومن كَثُرتْ عندهم البدع والآراء الخارجة عن نطاق الأمة.
رابعاً: يبدو واضحاً الطابع اللفظي والمجرد لهذا النوع من التعليم حيث طغت عليه العقائد والاخلاقيات وعلوم اللغة واللسان وهذا يعكس بطبيعة الحال، نوعية العلوم الموجودة في ذلك الوقت.
خلاصة الامر، ان المواصفات التي علقت كترسبات من ذهنية القرون الوسطى بالأستاذ المعاصر في المجتمعات الاسلامية تُختصر بوظيفته التلقينية التي ترتكز على الإملاء والحفظ في طريقتها وتنبذ النقد ولا تقبل المساءلة وترفض الحوار والمناقشة في اسلوبها، وهذه الوظيفة الاستاذية حتى تؤدي شغلها بصورة مثالية فانها تستلزم إقامة سلطة مركزية من التعالي تفصل بين الاستاذ وطلبته وتقلص باقصى ما يمكن مساحة الحرية والتخاطب والتحاور بينهما، ان هذه السلطة الاستاذية ارتهنت بالانظمة السياسية الجائرة التي تحكمت بالعالم الاسلامي وعبرت عن مضامين أفكارها، هذه الانظمة التي اعتدت على الانسان وعلى كرامته وامعنت في التنكيل به واخضعته الى جو من الخوف والعذاب والجهل، فبدلاً من ان يقوم الاستاذ بتغذية طلابه بكل ما من شأنه ان يعمل على تحرير الانسان من الفقر والخوف والاوهام راح يصرف انتباههم عن مجالات الحرية وحقوق الانسان وطمس حقهم في المناقشة والحوار، لذا يتطلب من الاستاذ في المجتمعات الاسلامية الراهنة ان يتخلص من رواسب تصورات القرون الوسطى العالقة حول نفسه وحول علاقته بالطالب وذلك بالانتقال من مرحلة التلقين والإملاء الى مرحلة البحث والإبتكار والجدل والتفكير النقدي وكسر الجدار العازل بينه وبين الطلاب لإتاحة مساحة واسعة من حرية التعبير والرأي والتلذذ بالنقاش والحوار والاسئلة وبالتالي فالعقلانية التي تنطلق من العلوم الحديثة لفهم الطبيعة والحياة وتفسير الظواهر الكونية اولاً واحترام حرية الانسان وكرامته ثانياً هي وحدها التي تُمكن الاستاذ ان ينخرط فعلياً في تيار الحداثة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa