الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماعة الدعوة والتبليغ على الطريقة المسيحية

فهد راشد المطيري

2009 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كنت تسكن في بيت في أوروبا وسمعت جرس الباب مساء يوم الأحد، فإن هناك احتمالا كبيرا أن يكون الزائر عبارة عن مجموعة دينية ترغب في انضمامك إلى طريق المسيح، وهي مجموعة لا تختلف كثيرا عن جماعة الدعوة والتبليغ في منطقة الخليج، مع بعض الفوارق المتعلقة بالشكل الخارجي والخلفية الثقافية! عندما تزورني إحدى هذه المجاميع المسيحية، فإن فرصة السماح لهم بالدخول إلى بيتي تعتمد على أعمارهم، فإن كان من بينهم شخص واحد فقط دون سن الثلاثين، أذنت لهم بالدخول، وإن كانوا جيمعا قد تجاوزوا سن الثلاثين، أسارع إلى الاعتذار عن عدم قدرتي على استقبالهم! قد يبدو معيار الضيافة هذا مجحفا وغير علمي، ولكني أميل إلى الاعتقاد بأن الحوار حول موضوع الدين مع من هم دون سن الثلاثين أجدى بكثير من الحوار مع من تجاوزوا هذه السن، ذلك أن طبيعة النصف الثاني من حياة الإنسان تعتمد على طبيعة النصف الأول، كما أن المثل الإنكليزي يقول: «لا تستطيع أن تعلّم الكلب العجوز حيَلاً جديدة»!

يعتمد الحوار المثمر على شرطين: الأول، هو وجود أرضية مشتركة للحوار، والثاني، هو وجود تكافؤ بين قابلية الإقناع و قابلية الاقتناع. لا أحبذ، شخصيا، إضاعة الوقت في حوار عقيم لا يفضي إلى شيء مفيد، خصوصا عندما يكون حرص الطرف الآخر على الإقناع أكثر من حرصه على الاقتناع! لا يتحقق هذان الشرطان عادة حينما يتعلق الحوار بموضوع الدين، لكن بالرغم من ذلك، أعترف بأنني قضيت وقتا ممتعا مساء يوم أحد من شهر سبتمبر الماضي بصحبة شاب وفتاة جاءا إلى بيتي طمعاً في هدايتي إلى طريق المسيح!

يبدو لي أن مراكز التبشير في الغرب تصرف أموالاً طائلة في سبيل إعداد كوادرها، ويبدو لي أيضاً أن هذا الإعداد لا يقتصر فقط على عملية الإلمام التقليدي بتعاليم المسيح. إن أكثر ما أثار دهشتي في خضم ذلك الحوار هو أن ضيفيّ على اطلاع جيد بفروع المعرفة غير التقليدية، وهو ما يفتقر إليه الغالبية من دعاة الدين من المسلمين، مع الأسف الشديد. أقول «مع الأسف الشديد» ليس من باب الرغبة في نجاح مشروعهم الدعوي، بل من أجل أن يكون الحوار معهم مثمراً على الأقل!

قلت للشاب إن كتاب الإنجيل لن يصمد أمام أبسط قوانين المنطق، وأعني بذلك قانون التناقض الذي ينص على التالي: إما أن تكون «أ» صحيحة، وإما أن تكون خاطئة، ومن المستحيل منطقيا أن تكون «أ» صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه». لم يبد الشاب أي اعتراض على قولي، بل إنه ذهب إلى حد القول إن علم المنطق يتطلب أن تكون لكل جملة خبرية قيمتان فقط، إما صحيحة وإما خاطئة، وهذا الشرط بحد ذاته كفيل بإقصاء قسم كبير من الإنجيل خارج دائرة المنطق! عندها تدخلت الفتاة لتقول: «قد لا يصمد الإنجيل أمام قوانين المنطق، ولكن هل صمد منطق «فريجه» أمام مفارقة «برتراند رسل»؟ وهل صمد برنامج «هيلبرت» الرياضي أمام إثبات «غودل»؟! تجادلنا طويلا حول هذه النقطة، ثم انتقل بنا الحديث إلى «الوضعية المنطقية» و«حلقة فيينا»، ولم يخطر في بالي قط أن يبدأ الحوار بمناقشة كتاب الإنجيل لينتهي بمناقشة آخر كتاب لـ«تشومسكي»!

لقد كانت أمسية حافلة بالتمارين العقلية، وزاخرة بالحجج المنطقية والحجج المضادة. كان حوارا ممتعا ومفيدا وطريفا أيضا، وفوق ذلك كله، كان حوارا متسامحا! لم أسلك طريق المسيح، ولم يسلكا طريق المنطق، لكن الحوار المثمر لا يشترط أن تكون النتيجة إما فوز أو خسارة، يكفي فقط أن تكون هناك لغة مشتركة، وإخلاص في طلب الحقيقة! قد يحتاج معظم دعاة المسلمين إلى بضع سنين للإلمام بفروع المعرفة غير التقليدية، لكن كم من القرون سيحتاجون كي يتعلموا مبدأ التسامح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قمة المنطق
عيساوي ( 2009 / 5 / 9 - 23:42 )
ان تعيش في اوربا...ان تتمتع بيومين اجازة...قد تكون يوم الاحد لوحدك فيأتيك زائر جميل مهندم مثقف حواره ممتع ومفيد ومنشط للذاكرة...تستفاد من كلامه ويستفاد من كلامك...تخالط اناس مثقفين مؤدبين خلوقين حسني المظهر. هذا نمط حياتي منطقي ومريح جدا.

يقابله في الجهة المعاكسة...تكون في جو حار مترب تسير في الشارع فيواجهوك بالعصي لترهيبك للذهاب الى الصلاة، تتحاور مع ناس لايفقهون شيئا لابما لهم ولا بما لغيرهم، وجوه شاحبة نظرات حاقدة...شتامين منافقين سيافين.

هذا هو المنطق
مني لك التحية المخلصة

ملاحظة عابرة...اسأل هؤلاء إن كانوا من شهود يهوه، لو كانوا كذلك فنصيحتي لاتستقبلهم...الامر متروك لك


2 - الاحتمالان
SAWSAN ( 2009 / 5 / 10 - 06:02 )
الكاتب يوحى فى ما تقيأه ان ما يؤمن به هو المنطق السليم و ما يؤمن به الاخرين وهو طريق السيد المسيح هو الطريق الغير منطقى .
سؤالى الى الكاتب المحترم هل وضع احدهم السيف على رقبتك قائلا اقبل المسيح او تقتل او تدفع الجزية لانك فى ذمه اهل البلد الاوربى؟؟؟؟؟؟؟


3 - رائع
جميل ( 2009 / 5 / 10 - 06:17 )
شكرا على مقالك الشيق
ياريت كل الناس ينسوا خلافتهم العقائدية
ويتجهوا للحوار العقلانى
والتسامح
ولكن مقالك شوقنى أعرف معنى -كتاب الإنجيل لن يصمد أمام أبسط قوانين المنطق، -
لم تفسر لنا ما يوجد فى الانجيل ضد قوانين المنطق
تحياتى للجميع


4 - رد منطقي
عيساوي ( 2009 / 5 / 10 - 12:01 )
نحب ان نقرأ ردك استاذ فهد...وردت لك عدة تسائلات منطقية، ليتنا نقرأ منك رد منطقي عليها

نشكرك


5 - ردود
فهد راشد المطيري ( 2009 / 5 / 10 - 16:49 )
رد رقم1: شكرا لك عزيزي عيساوي، أنا أختلف معك في وجود علاقة سبيبية بين الموقع الجغرافي وجودة الثقافة، فالجهل لا يعترف بالحدود الجغرافية وإن كانت يتفاوت في نسبته بين دولة وأخرى، أما التسامح فمرتبط فعلا بالظروف التاريخية لكل بقعة جغرافية
رد رقم 2: أهلا سوسن، أنا لم أتقيأ شيئا بل عبرت عن رأيي في مسألة معينة
ويؤسفني أن رأيي ربما جرح مشاعرك الدينية، أما الإيحاء بأن الدين المسيحي مناقض للمنطق فهو أمر صحيح بالنسبة لي، وهو أمر لا يقتصر على الدين المسيحي فقط، بل يشمل كل الأديان على حد سواء، وأما قولك أن لا أحد أجبرني على اعتناق الدين المسيحي، فهذا بالضبط ما أردت قوله من خلال المقال، فالفكرة الرئيسة كانت تدور حول تسامح الدين المسيحي، وهي فضيلة لا يرجع الفضل فيها للمسيحية على وجه التحديد، بل إلى ظروف تاريخية أجبرت الدين المسيحي الأروبي أن يعرف حجمه الحقيقي كمؤسسة كباقي مؤسسات المجتمع المدني، ولو ترك الأمر لرجال الدين من المسيح وحدهم لما كانت أروربا تحلم بهذا المستوى الكبير من التسامح الذي دفع ضريبته الكثير من المفكرين وأقطاب العلم الحديث

رد رقم 3: مرحبا بك يا جميل، إذا قبلنا برأي الوضعية المنطقية في ضرورة إقتصار الفلسفة على النشاط التحليلي وإقصاء كل المقولات الميتافيزيقية خارج نطاق


6 - رد على تعليق كاتب المقال
جميل ( 2009 / 5 / 10 - 18:55 )
شكرا على اهتمامك بالرد على المشاركين
ولكن الرد غير مفهوم .
بس اللى أنا فهمته وحسب ردك إن أى شئ اى كان .... ممكن يكون صح وممكن يكون خطا وهذه افتراضات وليست حقيقة
اقتباس من الرد
تسامح الدين المسيحي، وهي فضيلة لا يرجع الفضل فيها للمسيحية على وجه التحديد، بل إلى ظروف تاريخية أجبرت الدين المسيحي
كلامك غير صحيح
والرد بسيط هات من الانجيل ما يخالف الانسانية ؟؟؟ لن تجد..
المنطق فى الغالب يكون مفيدا ولكن ممكن أن يحيرك ولا تجد اجابة قاطعة .
-اجاب يسوع و قال احمدك ايها الاب رب السماء و الارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء و الفهماء و اعلنتها للاطفال* متى 11-25
تحياتى لك وللجميع

اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟