الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنفجار الديمغرافي الإسلامي في مواجهة تقدم الغرب: آخر ابتكارات العقل الإسلامي المريض

أحمد عصيد

2009 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ قرن كامل و العقل العربي ـ الإسلامي يبذل كل جهوده لكي يرد المجتمعات الإسلامية إلى "صحيح الدين"، أي إلى ما كان عليه الناس من قبل : استعادة الدولة الدينية و الخلافة و استعادة هيمنة الفقهاء في بلاط الحكم و إعادة كل شيء إلى المسجد بوصفه المرجعية الوحيدة المطلقة و الربانية، و الإحتكام إلى نصوص قطعية و إلى منظومة قيم مغلقة و ثابتة، مع ما يترتب عن ذلك طبعا من مظالم و تكريس للحكم المطلق و من عسكرة و رقابة بوليسية و حالة طوارئ دائمة، و ما يؤدّي إليه بالتالي من امتهان للكرامة الإنسانية على الأرض باسم السماء.
لم يقم هذا العقل الإسلامي أبدا بتقديم اجتهادات جديدة تفيد العصر الذي نحن فيه ، لا في العلم و لا في التقنية و لا في الإقتصاد و لا في السياسة و لا في المجتمع و لا في الثقافة و الفنون، كل الحلول التي يقدمها هي ما قاله السلف من قبل، منذ ألف عام أو أزيد، فالحقيقة محددة سلفا و ليس علينا إلا القبول بالعودة إليها و اعتناقها من جديد فتكون لنا السعادة في الدنيا و الآخرة. لم يسأل العقل العربي ـ الإسلامي نفسه مرّة واحدة عن الأسباب التي جعلت العالم المتقدم يصل إلى فتوحاته الإعجازية في القرنين الأخيرين في الوقت الذي ظل فيه المسلمون يحلمون بالجنة في ظل العمامات الخضر و التسابيح و اللحى الكثيفة ، حتى داهمهم الإستعمار و احتل أرضهم و استعبدهم و أحدث في عالمهم الخامل خضّات قوية، لم تكن رغم ذلك كافية لإيقاظهم من سباتهم العميق، فقد غادر الإستعمار ليعود المسلمون إلى سابق عهدهم،أي إلى أورادهم و عمائمهم و تسابيحهم من جديد، و لكن هذه المرة في لبوس مختلف و في سياق مغاير كليا للسابق، فالحداثة العصرية ضربت بجذورها في مظاهر الحياة المادية للمسلمين و حاصرتهم ببدائعها من كل صوب.
و في الوقت الذي كان ينتظر فيه من العقل العربي ـ الإسلامي أن يستيقظ و ينفض عن نفسه غبار الخمول و التقليد، عاد إلى تكريس السلفية و عبادة التراث و تقديسه و الإنغماس في الإتباع الأعمى باسم "التجديد" و "الإجتهاد"، حيث لم يستطع تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها أدبيات الفقه القديم . و من نماذج هذا "الإجتهاد السلفي" ما كتبه أحد منظري التوحيد و الإصلاح و نشره في موقع حركته حول "القنبلة الديمغرافية" التي اعتبرها من خرافات الغرب، داعيا المسلمين إلى التكاثر و التناكح و تكثير السواد، منبها إلى بدع الغربيين المتمثلة في "تنظيم الأسرة" و "تحديد النسل" المستندة إلى الثورة التحريرية للنساء و إلى نظرية مالتوس القائلة بمحدودية الموارد الغذائية على الأرض و بعدم إمكانية تلبيتها لحاجات الإنفجار الديمغرافي العالمي، مما أدّى بالتالي إلى "العقم السكاني الرهيب" بالغرب و إلى "الخراب الديمغرافي" و "خراب العمران" على حدّ تعبيره.
و الذي يقرأ مقالة هذا المنظر الفهامة سيتخيل البلدان الغربية في أسوإ حال، كما سيتخيل بلاد المسلمين التي يتوالد فيها الناس كالأرانب قمة التقدم و ازدهار العمران.
لقد أدّى التغير الكبير في القيم، و تطور التعليم العصري و العلاقات بين الجنسين نحو مزيد من الأنسنة و الإحترام المتبادل، و ظهور الإهتمام المتزايد بحقوق الطفل و بمناهج تنشئته و العناية به، إلى تخفيض نسبة الإنجاب في المجتمعات المتقدمة، حيث أصبحت العائلة النووية نموذجا و صار إنجاب الأبناء لا يهدف إلى مرامي براغماتية تلبي الحاجات المعاشية للأسرة، أو إلى استفادة الأبوين منهم بأي شكل من الأشكال، بل أصبح للأطفال وضعهم الإعتباري المتميز بوصفهم بشرا ذوي قيمة، و هو ما جعل تخفيض نسبة الإنجاب يحقق تربية أفضل بإمكانيات أفضل، و الكثير من الرفاه بالنسبة للأفراد الذين ينعمون بدخل محترم، عكس المجتمعات الإسلامية حيث أدّت عقيدة التناكح و التناسل و تكثير سواد الأمة ـ بجانب عوامل أخرى ـ إلى مآسي ما زالت هذه المجتمعات عاجزة عن الخروج منها حتى الآن.
و إذا كانت المجتمعات الغربية تتوفر على الحلول الناجعة لانخفاض معدل الإنجاب لديها، حيث ستعمل عند الحاجة بوسائلها المؤسساتية الفعالة إلى رفعها عبر التوعية و التحسيس في حدود المعقول و حاجات المجتمع، فإنني لست أدري ما هي الحلول التي يتوفر عليها العلامة الإسلامي ـ الذي انتقل من أوهام دكتاتورية البروليتاريا إلى أوهام الخلافة و الإمامة ـ لمواجهة الإنفجار الديمغرافي الرهيب الذي يدعو إليه ضد خطاب الدولة حول "تنظيم الأسرة"، مواجهة معضلات الفقر و البطالة و المجاعة و مدن الصفيح و محدودية الموارد عندما يتناكح الناس و يتناسلون بالشكل الذي يثلج صدره و يشبع جموحه السلفي .
قد لا تكون لفكرة هذا الرجل أية أهمية تذكر، بل قد لا تستحق من الناس أكثر من ابتسامة سخرية عابرة، لكنني قمت باستحضارها هنا لكي أقدم نموذجا للأفكار التي يتداولها الإسلاميون فيما بينهم، و يحشرون بها أدمغة الشباب، مما يجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول مدى الإسهام الحقيقي لهؤلاء في مسلسل التحديث و الدمقرطة و التنمية مستقبلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس