الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العربي ...

شامل عبد العزيز

2009 / 5 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


علق الأستاذ مختار الملساوي على مقالتنا ( ثقافة في التراث ) والمنشورة يوم 9 / 5 بما يلي : أحب هنا أن أتطرق إلى جانب من الموضوع أراه في غاية الأهمية، رغم بعض الابتعاد عن صميم موضوعك، فمعذرة.
أحب أن أتطرق إلى علاقة المثقفة بإنتاجه وبالسلطة .
في العهود العربية وغير العربية القديمة، بمختلف عصورها، كان المثقف، شاعرا أو أديبا أو فقيه، ينتج ثقافة ويتوجه بها إلى الحكام والأمراء والأعيان فيدفعوا له من المال حسب درجة رضاهم عما أنتج.
المثقف إذن، بهذا المعنى كان منتج سلعة يراعي فيها مدى تلبيتها لحاجات المستهلك ورغباته وحتى نزواته، خاصة في ظروف كان القراء نادرين، وكانت إمكانيات النسخ ضعيفة ومكلفة لا يتمكن من اقتناء الكتاب معها إلا المترفون.
المثقف في العصور القديمة لم يكن حرا في التفكير والتعبير، إلا إذا فضل الفقر والإقصاء. وقديما قيل عمن ابتلي بالفقر (أصابته حرفة الأدب) .
مع ذلك ظهر هنا وهناك رعاة الثقافة الذين كانوا يشجعون المبدعين ويجزلون لهم العطايا ويمنحونهم قدرا كبيرا من الحرية.
مع مجيء العصور الحديثة وتعميم التعليم واختراع الطباعة وتدني مستوى تكاليف الطبع ازداد عدد القراء وظهر إلى الوجود نوع جديد من القراء القادرين على استهلاك هذه البضاعة النبيلة والقادرين على دفع أتعاب المنتج (الكاتب).
من هنا بدأت مسيرة الكاتب المنتج للثقافة نحو طريق الاستقلال عن السلطة، بل أصبح في إمكانه التناقض معها ومعارضتها كما لم يعد مجبرا على إنتاج ما ترضى عنه والتملق لها. خاصة مع إشاعة الديمقراطية في الحياة العامة.
في مجتمعاتنا المتخلفة ما زال المثقف يعاني من السلطة الحاكمة ويعاني من القراء الذين تغلب عليهم الميول التقليدية الدينية وهو ما يحد من حرية المثقف واستقلاليته واضطرار البعض إلى تملق الجماهير (الجمهور عاوز كده كما يقول أحل المسرح من المصريين) وعلى تحاشي الدخول إلى مناطق محرمة تعتبر من قبيل الطابوهات مثل الكتابة في الدين أو السياسة.
على كل حال الموضوع شيق ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبه في هذا المكان، وقد أتطرق إليه كموضوع مستقل.
شكرا شامل على الفرصة .
من محاسن الصدف أو من قبيل توارد الأفكار والخواطر كما يقولون أنا حالياً أقرا كتاب بعنوان ( السلطة الثقافية والسلطة السياسية) للأستاذ علي أومليل أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس في الرباط الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية / بيروت / الطبعة الثانية عام 1998 .. تطرق فيه حول موضوع المثقف العربي من خلال مقالة للدكتور طه حسين بعنوان ( الأدب بين الاتصال والانفصال ). لنرى من خلالها ما هي الهموم التي كان يعاني منها المثقف العربي وفي أي اتجاه كان يسير وهل انصبت جهوده في محلها .. لنرى ذلك من خلال السؤال الذي طرحه طه حسين على الشكل التالي :
( أيباح للأديب أن يحيا حياة العزلة . وأن يخلص لفنه المحض . وأن ينظر إلى الحياة الواقعية كما ينظر إلى الطبيعة الصامتة يتخذها مادة لفنه ليس غير . أم يفرض على الأديب أن يحيا مع الناس ؟ ( المجموعة الكاملة المجلد السادس ص 573 ) .
هذه المسألة التي طرحها ( الأدباء في باريس ) . مع نهاية الحرب العالمية الثانية ( ليست جديدة ) فأنت تستطيع أن تنظر إلى أي عصر من عصور الأدب الفرنسي مثلاً .. منذ القرن السادس عشر إلى الآن فسترى أن الأدباء قد انقسموا دائماً هذا النوع من الانقسام . بل هي مشكلة قديمة خالدة بحسب ما يجدها الدكتور طه حسين .
يقول الدكتور أومليل أن طه حسين كان متأثرا بمفهوم الدور كايمي ( نسبة إلى دور كايم عندما كان طه حسين يحضر دروسه في جامعة باريس) .
بغض النظر عن تبني أي رأي في هذه المسألة والسؤال المطروح من قبل الدكتور طه حسين . الذي يجده الدكتور أومليل متناقضاً فهو من جهة ( مرآة) للحياة الاجتماعية وهو من جهة ثانية إبداع فردي .. ففي رد طه حسين على دعاة الالتزام .. يجعل دعواهم غير ذات موضوع ما دام الأدب ( قد خلق للحياة وعاش للحياة دائماً ولاءم البيئات التي كان فيها على اختلاف الظروف والعصور ..( الأدب والحياة المجلد 11 ص 562) .
هذا الحكم إلى جانب عموميته وإطلاقه يغفل تاريخية الإشكالية . فلكي توجد الإشكالية كان لا بد من وجود الكاتب بمعناه الحديث . علماً بأن طه حسين نفسه يشير إلى حداثة الإشكالية حين يقول مثلاً إن ( هناك مشكلة خطيرة هي التي أنشأت مسالة الاتصال بين الأدب والحياة العامة أو الانفصال عنها :
وهي ان حياة القدماء لم تكن تعتمد على الديمقراطية التي تعترف بحق الشعوب في الحرية والعدل والمساواة . إنما كانت تحتفظ بهذا الحق لطبقة ممتازة من الناس .. ( نفس المصدر 584) .
إن الكاتب العربي داعية الالتزام كان مدفوعاً بدوافع الضمير وبالرغبة في أن يقود حركة التحرر والوحدة القومية .. فهو حريص على أن يتبنى ما يسميه رئيف خوري ( قضايا عصرنا) : الاستقلال الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .. وأن أديب العصر مسئول عن أن يتصل أدبه اتصالاً حميماً بهذه المواضيع ( رئيف خوري . الأدب المسئول ص99 وهو عبارة عن مناظرة مع طه حسين في قضية الالتزام ) . لكن من غير أن يفرط في ذاته .. هذه الذات التي تتضخم بالايدولوجيا ( بالمعنى الذي تصبح فيه هذه الأخيرة تعويضا من ضالة التأثير الفعلي في واقع الأشياء ..
لقد اشترط كل من جان بول سارتر والالتزاميين العرب شرط الحرية في الالتزام وهنا أيضا يقوم فارق أخر بين الكاتب الفرنسي والذين حذوا حذوه من دعاة الالتزام من الكتاب العرب . وهو أن مشكلة سارتر كانت هي الحزب الشيوعي الفرنسي فقد كان الحزب يمتلك ناصية الطبقة العاملة وقد خرج برصيد ممتاز من تجربة الاحتلال الألماني لفرنسا أبان الحرب العالمية الثانية . نظرا إلى دوره الكبير في المقاومة الأمر الذي جعل الكثيرين من الكتاب والجامعيين ينخرطون في صفوفه بعد الحرب ويقولون هم أيضا بضرورة التزام الكاتب بقضايا الشعب . إلا أن مأخذ سارتر هو أن هذا الالتزام يمر عبر انضباط الحزب وتبعا لخط الحزب الذي يرسم عادة من الخارج بحكم تبعية الأحزاب الشيوعية إلى المركز السوفيتي .
يرى سارتر في هذا تنازلاً عن الشرط الأساسي لوجود الكاتب بل للوجود الإنساني بحسب النظرية الوجودية وهو ( الحرية) . أما المشكل بالنسبة إلى الكاتب العربي فليس هو غياب الحرية الوجودية بل هو انعدام الديمقراطية وعلى رأسها وهو ما يعنيه أولاً ككاتب انعدام أو تقييد حرية النشر والتعبير التي ينبغي أن يضمنها نظام ضامن للحريات العامة ..
إن الذي يثير الانتباه هو أن قضية الكتاب الالتزاميين في الخمسينات والستينات لم تكن هي الديمقراطية . بل قضايا أخرى أعطوها الأسبقية مثل الوحدة العربية والاشتراكية مع التعويل على وسيلة أسرع تأتي بسلطة ثورية تحقق أهداف العرب الكبرى ..
وهكذا عولوا ضمنياً على الانقلابية وهو تعويل كان يبشر به بعضهم ولم يكن بعضهم الاخر يعترض عليه بل يقبله ضمناً أو يباركه مسايرة ..
وقد قامت بالفعل ثورات انقلابية باسم تحقيق الأهداف القومية الكبرى ( وكانت الحصيلة ما نعرف) .
لقد اعتبر كاتبنا الالتزامي ولفترة طويلة أن الديمقراطية مجرد لعبة شكلية لبرجوازية مسيطرة وهكذا سخَر دعوته إلى الالتزام من دون أن يدرك للتبشير بسلطة ثورية آتية لتحقيق الوحدة والاشتراكية أي إفساح الطريق لأنظمة متسلطة تحلَ محل أخرى وارثة تسلطاً عريقاً .
إن نضال المثقف العربي ينبغي أن يكون أولاً وقبل كل شيء نضالاً من أجل الديمقراطية .. ليس فقط للقيمة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية لهذه الأخيرة بل لأنها الكفيلة بتحقيق الشرط الأساسي لوجود المثقف واستقلاله . أي إمكان حرية الرأي والتعبير .. فعليه أن يعمل أولاً من أجل هذه الحرية , أي أن نضاله هو نضال من أجل الديمقراطية أولاً . فلا ينبغي أن يقبل إرجاءها باسم أهداف أخرى .. وإلا كانت النتيجة تعبيد الطريق لأنظمة تدعي تحقيق أهداف الأمة .. ولا تحقق شيئاً ولا تفعل سوى مصادرة حريات الناس وحقوقهم الأساسية .
من الممكن أن نفهم أن الكاتب العربي نظراً إلى الحصار المحيط به قد يقبل أية وسيلة يأمل في أنها ستؤدي إلى تغيير ثوري لواقعه فهو من جهة لا يجد أمامه قاعدة من القراء الذين يشكلون رأياً يسنده .. ومن جهة ثانية .. هو موجود عادة داخل أنظمة لا تفسح المجال للتطور الديمقراطي فليس هناك ( أمل ديمقراطي) يجعل المهتمين بالقضايا العامة ينخرطون بثقة وتفاؤل في العمل الديمقراطي لتحقيق التغيير المنشود .. لسبب بسيط هو عدم إمكانية وسائل العمل الديمقراطي في ظل أنظمة لا تسمح بذلك ..
هذا بالإضافة إلى أن الدولة تستحوذ على كل المجال العام .. فتنتفي بذلك كل حياة سياسية حقيقية . دولة تأكل مجتمعها المدني وتلغي كل إمكانية للمشاركة أو هي لا تسمح إلا بهامش محاصَر .
إن المعارضة في بلداننا حيوان غريب والسلطة في بلداننا لا ترى أنه من الطبيعي أن يكون هناك رأي مخالف . وأن تكون هناك معارضة . بل المواطنون فيها مجرد رعايا عليهم أن يكونوا مثل ( القرميد) ألمتشابهه .( وإلا اهتزت وحدة صفوفنا وخارت قوانا أمام العدو . وخسرنا معركة التنمية وذهبت أهدافنا الكبرى في مهب الريح ) .
يقول الدكتور أومليل :
ولعل الدرس الذي استخلصناه من تجارب هذه العقود الأخيرة هو أننا جربنا طرقاً ووسائل من أجل التغيير المأمول إلا أننا لم نجرب حقيقة النضال من أجل الديمقراطية . وبالديمقراطية والتي أساسها الحريات العامة وحقوق الإنسان .. وكل تفريط في هذه القضية المقدمة على غيرها من القضايا إنما يؤدي ( وقد أدى ذلك بالفعل ) إلى فتح الباب على مصراعيه أمام أشكال جديدة من الاستبداد والإبقاء على أشكال قديمة ..
والكاتب العربي ( المهتم بالقضايا العامة) لابد ان يكون في طليعة المدافعين عن الديمقراطية .. لسبب بسيط .. وهو أن هويته ككاتب لا تتحقق إلا في مجتمع ذي مؤسسات وتقاليد ضامنة للشرط الأساسي الذي يجعله يحقق هويته ككاتب وهو حرية التعبير عن الرأي .. والقدرة على تبليغه من دون رقابة خارجية أو ذاتية ..
وحين يتحدث الكُتاب عندنا في ( دورهم الرائد) في عملية التغيير .. فإن عليهم أن يثبتوا هذا الدور .. وأن يستحقوه .. حتى تكون لهم هذه السلطة الفكرية التي يتأسون على عدم الاعتراف لهم بها ..
ولكي يستحقوها لا بد من نضال طويل وعسير .. وهو قبل كل شيء نضال من أجل الديمقراطية .. وبالديمقراطية ..
هذه المقالة هي عبارة عن موضوع في كتاب الدكتور وأستاذ الفلسفة علي أومليل كما أشرنا في البداية ( بتصرف) أتمنى أن أكون قد أوصلتُ الفكرة .. كذلك أتمنى على الأستاذ مختار الملساوي أن يكون له موضوع مستقل وفي نفس المضمون خدمة للأهداف التي يرفعها موقع الحوار المتمدن ألا وهي الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممر رملي قد يدهشك وجوده.. شاهد كيف عبَر إماراتي من جزيرة إلى


.. حزب الله يعلن استهداف موقع السماقة الإسرائيلي في تلال كفر شو




.. لماذا تضخ الشركات مليارات على الذكاء الاصطناعي؟! | #الصباح


.. حكومة نتنياهو تستعد لتطبيق فكرة حكم العشائر خاصة في شمال غزة




.. هل يمكن للأجداد تربية الأحفاد؟ | #الصباح