الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني بين القانون والفوضى

كاظم الحسن

2009 / 5 / 13
المجتمع المدني


يعتبر انبثاق المجتمع المدني في اية دولة من دول العالم دلالة ومؤشرا على نضوج العمل السياسي وتكامل العلاقة بين الدولة والمجتمع اذ يكون الحوار والتفاهم والتسامح والتلاقي والتواصل اهم مكونات هذه العلاقة الصحية في الحياة الانسانية ما بين الاطراف السياسية المختلفة وتصبح طاقات المجتمع المنزوية والمعطلة مادة للتطور والحيوية فتلقي بظلالها على الواقع السياسي فتنتشله من الجمود والتناحر والتشتت.

ومن مزايا الديمقراطية قدرتها على خلق مرجعية قانونية قادرة على مواجهة الازمات بسهولة ويسر لان الفرد يصبح هو الكل والكل هو الفرد ولهذا السبب يندهش البعض من رؤية الدولة وهي تهتم ببضعة اشخاص حين يتعرضون للخطر وهم لا يعلمون ان الدولة الديمقراطية تمثل الكل وان اولئك الاشخاص يمثلون المجتمع ككل بصورة رمزية عن طريق الاصوات الانتخابية التي قد تطيح بالحكومات اذا لم تهتم ببرامجها الانتخابية وتقف مع الفرد في محنته وأزماته، وهذا التحول في العلاقة الديمقراطية بين الفرد والمجتمع هو الذي جعل هذه الامم تنشغل في خلق او صنع روح المواطنة المنفتحة على الاخر بكل تنوعاته ما جعل من بناء الدولة قويا ومتماسكا ومتراصا وهو ما يسمى بالكيان الصلب العصي على مغامرات الجنرالات.
يلخص هذا التحول (جان جاك روسو) بالقول: من يملك الشجاعة لاعطاء شعب النظام القانوني يجب ان يشعر انه قادر على ان يغير طبيعته البشرية، ان يحول كل فرد بحد ذاته كلا كاملا الى جزء من كل اكبر يستمد منه هذا الفرد بطريقة معينة حياته ووجوده واحلال وجود جزئي معنوي محل الوجود الفيزيائي المستقل عليه ان يسلب قوته الشخصية ليعطيه بدلا منها قوة مؤسسية لا يستطيع استخدامها الا بمساعدة الاخرين.

والمجتمعات التي استطاعت الوصول الى هذه المرحلة الفاعلة والمهمة والضرورية في تطور المجتمعات هي بالضرورة قادرة على الوصول الى القمر والديمقراطية لانها تخطت وتجاوزت الازمات والمشكلات ليس بالحروب ولكن بالازدهار العلمي والاقتصادي.
وبعض هذه الدول لا تمتلك ثروات وموارد محدودة الا انها تمكنت من شق طريقها بقوة نحو المواقع الامامية مثل (اليابان، سنغافورة، تايوان) وغيرها من دول العالم المختلفة ذات النهج الديمقراطي.

ولذلك ليس من الصعب ان تصل معدلات التنمية ومعدل دخل الفرد في الدول الديمقراطية الى اعلى المستويات وتنتظم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها اعتمادا على مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب وهنا يتقدم اهل الخبرة والانجاز والكفاءة في الميدان بصرف النظر عن الهوية والعرق والجنس.

ونرى بعض الوافدين الى تلك الدول يعملون في مختلف الاجهزة والمؤسسات ومراكز البحوث وقد يصلون الى المراتب والمناصب ولا يسألون عن البلدان التي قدموا منها طالما انهم يقدمون افضل ما لديهم من علوم ومعرفة.

ولا شك ان الديمقراطية كانت من اهم العوامل المهمة لنجاح هذه البلدان وقد تكون صناديق الاقتراع التي تعتبر من آليات الديمقراطية ومن الاسس التي تقوم عليها المجتمعات المدنية والمتحضرة ولكنها ليست كل شيء في قاموس الديمقرطية فلابد من وجود قوى المجتمع المدني والانشطة الشعبية والمنظمات والنقابات المهنية التي تعمل من خلال تمرسها وتأهلها في المراقبة والنقد والمساءلة للحكومة واجهزتها ومدى التزامها واحترامها لسيادة القانون والفصل بين السلطات وتثبيت اركان الدستور ومنع التلاعب او العبث به او خرقه تحت اي مسمى كان.
وهذا يتطلب ليس المصدات او الكوابح القانونية والدستورية فقط فهذه نصوص يمكن التلاعب او العبث بها كما حدث في لبنان.

ان من اكبر التحديات التي تواجه الحكومات الديمقراطية او الديمقراطية ذاتها في المنطقة هو العقلية الانقلابية التي تعتقد ان الانتخابات سلم باتجاه واحد وحزب واحد ليس فيه تداول للسلطة او المشاركة بين القوى السياسية وهذا النزوع التسلطي افضى الى حرب اهلية في الجزائر اودت بحياة الآلاف من الجزائريين حين اعتقدت (القوى الاسلامية) بعد فوزها في الانتخابات ان الحكم ملك صرف لها تفعل به ما تشاء وان فوزها نهائي غير قابل للتناوب وكأنها بذلك تحاول ان تهدم السلم الذي اوصلها الى سدة الحكم لكي تبقى شاخصة به الى يوم الدين!.
هذه الاشكالية يمكن ايجاد حلول ومنافذ شرعية وقانونية لها عبر تأهيل المعارضة للحوار والتفاهم وقبول الاخر على انه مكمل للعملية السياسية وليس غريبا او طارئا عليها.
وذلك يشعره بوجوده السياسي وحقوقه المصانة ويخلق حالة من التآلف والانسجام والود في فضاء البرلمان وقد تشهد جلسات نقاش حامية الوطيس وصاخبة ولكن ليس فيها تخوين او اقصاء او اتهام لاي عضو برلماني بأنه تابع لدولة ما.
ونرى بعد ذلك الاطراف المتحاورة في جلسة عشاء لا يفسد ودها ما تقدم من جدل ونقاش في البرلمان.

حينذاك تصبح السلطة في كل فروعها واتجاهاتها مسؤولية اخلاقية وانسانية ثقيلة لا يمكن حملها الا بالنزاهة والامانة والشعور العالي بالاخلاص.
وهنا تتقلص مساحة الاستئثار بالسلطة وروح الغلبة او الاعتقاد بأن المناصب غنيمة او ان المال العام او ممتلكات الدولة او ثرواتها ملك مشاع لا رقيب له.
ولذلك لم تشهد دول العالم الاستقرار والازدهار الاقتصادي والوفرة والرفاهية الا بعد ظهور دولة المؤسسات ونظام القانون القائم على التعددية السياسية او تداول السلطة، لان المعارضة والتي كان ينظر لها دينيا على انها رجس من عمل الشيطان اصبحت جزءا من العملية السياسية وعلى محك من آليات السلطة وشؤون الحكم.
وكان (الفلتر) الذي تتأهل من خلاله القوى السياسية المعارضة هو البرلمان الذي اخذ يجمع الكل تحت قبته الرحبة من خلال القواسم المشتركة بعيدا عن التخوين والاقصاء والعزل او الطعن بوطنية الاخر.

والمرحلة الانتقالية التي تمر بها عموم دول المنطقة ما هي الا ارهاصات وتداعيات التحولات الديمقراطية نحو الحرية والتعددية واحترام الرأي الاخر.
وعليه فان هذه الاوضاع التي نعيشها استحقاق تاريخي لابد من التعامل معها على اساس الضرورة التي تفرضها المرحلة.

وقد يتساءل البعض كيف يمكن ان تكون الفوضى مثمرة؟ الاستبداد لا يخلق تراكما مؤسساتيا ولهذا السبب فان الفوضى في عهود الحكم الفردي غير مثمرة او منتجة ويطلق عليها (الفتنة) لانها استبدال بين مستبد وآخر فالصراع قائم على الاستيلاء على السلطة والانتقام ولم تكن مغذيات التطور التاريخي متوفرة (الحرية، الديمقراطية، العدالة) ولذا كانت الصراعات خارج التاريخ، ويرى منتسكيو: ان عالم الاستبداد متجانس ومسطح لا تميز فيه او تنوع انه عالم المساواة المطلقة المساوية للعدم فجميع الناس هنا يتمتعون بالمساواة لا لانهم كل شيء كما هو الحال في الديمقراطية بل لانهم لا شيء امام الحاكم المستبد ومشيئته.
ان انعدام التمايز يشمل حتى المؤسسات الوسيطة والهيئات الانتقالية التي تشكل قوائم المجتمع المدني.

هذه المصادرة لارادة الفرد والمجتمع سوف تكبل الجميع وتجعله غير قادر على ابراز مواهبه وقدراته ما يجعل قوى المجتمع معطلة ومشلولة يخيم عليها الخوف والشك والتردد وانعدام الثقة بالنفس ويولد حالة من الركود والجمود ولذلك ان الانتقال من مجتمع هكذا الى مجتمع مفتوح يعتمل في داخله الحراك في كل الاتجاهات والمحاور يتطلب جهودا ومساعي كبيرة نبث ونطلق فيه الحياة ودوافعها في ثنايا المجتمع ونقوده الى حيث الشعور بالمسؤولية والاحساس بالكرامة والحرية والقيمة الانسانية بعيدا عن الاستلاب والمصادرة والغاء الحقوق الفردية.
من اهمية عمل المؤسسات على صعيد الدولة أو منظمات المجتمع المدني لا ينبغي ان يتطير البعض من النقد، سواء عن شفافية العمل او المال العام، فلابد ان يكون موضع تساؤل بشأن آليات صرفه او ادارته فالعمل المؤسساتي يفترض وجود نظام داخلي يحدد مدة الرئاسة وان لا تكون مفتوحة في انشطة المجتمع المدني وان تتوفر رقابة حول المال العام.
من الطبيعي ان يكون العمل في منظمات المجتمع المدني طوعيا وان لا ينظر على انه فرصة للحصول على عمل او مزايا مادية لان ذلك يعرض تماسكه ووحدته للخطر.
ان التضخم الحاصل في اعداد منظمات المجتمع المدني غير مجد وحبذا لو تم تقليصها مع زيادة فعاليتها ودورها في ارساء معالم مجتمع ديمقراطي تعددي يحذو باتجاه التعايش والتسامح بين مكونات الشعب العراقي فالفرصة سانحة لكي تكثف هذه التجمعات من نشاطها وتملأ الفراغ الحاصل بعد انهيار البنية المركزية للاستبداد وفرصة تاريخية كهذه لن تتكرر مع تلازم المصلحة بين المجتمع العراقي والدولي على اقامة الديمقراطية في البلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا جديد
خمائل جاسم ( 2009 / 5 / 12 - 20:51 )
لا جديد اضافه الكاتب للقارىء فهو يلف ويدور في مواضيع واحدة وثابته وهذا يعني الافلاس التام مع التقدير.


2 - كيف!
كريم الربيعي ( 2009 / 5 / 12 - 22:19 )
كيف لنا ان نقلص هذا الكم ؟ انت انتقدت الحالة وقدمت بمقدمة جميله عن العديد من البلدان التي تكون فيها حركة او منظمات مجتمع مدني - اهلية- ممكن تسميتها ولكن كيف والحال كما لدينا في العراق اكثر من خمسة الاف منظمة وجمعية ولكن الانتاجية قليلة في الرصد وتوثيق الانتهاكات، في رصد الفساد والكشف عنه، وهذا الامر ليس على الجمعيات فقط انه من المعيب ان يكشف صحفي بريطاني عن عمليات بيع الاطفال او عمليات الاغتصاب للنساء في السجون ولم تبادر جريدة عراقية او نائب عراقي او مسؤول عراقي على الكشف عنها اذن اين هي كل هذه الدورات والمؤتمرات والعمل ! اين هي النية الصادقة حقا في الدفاع عن المواطن وحقوقه اذا لم اقل الانسان! اعتقد اننا مدعوون الى دراسة السبب اولا وبعدها هل يمكننا ان نقارن حركة تطور مجتمعاتنا بتطور اليابان او ما حصل في اوربا هل هناك مشتركات وان وجدت كم من الوقت نحتاج كي نحسن لغة المخاطبة والتي هي جزء من الحياة المدنية وقصدي هنا تحديدا المفرادات المستخدمة في الوصف للاشياء في حياتنا اليومية العراقية. المشكلة ليس بالاعداد كما اعتقد ولكن المشكلة بما تقدمه هذه الاعداد، اتمنى ياعزيزي ان نساهم جميعا بتقديم بعض المقترحات التي ربما تكون بادرة امل على طريق تلمس الحل او امل على طريق التفعيل للعمل والتركي

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية