الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تخاف ركوب الطائرة؟

فهد راشد المطيري

2009 / 5 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حدثني صديق عن أول تجربة له في ركوب الطائرة، حيث قال: كنت متجهاً من الكويت إلى أميركا للدراسة على متن إحدى الخطوط الجوية الأجنبية، وعندما وصلت الطائرة إلى أقصى ارتفاع لها عن سطح الأرض، بدأت المضيفات بتقديم الطعام والشراب، وفي الوقت الذي كنت ألاحظ فيه بعض المسافرين، وهم يتجرعون أصنافا مختلفة من المشروبات الروحية، كانت الطائرة تهتز بعنف بفعل المطبات الهوائية! هالني المنظر وراعني هذا الموقف الذي بدا لي متناقضاً، ثم عادت بي الذاكرة إلى سؤال سمعته في حصص التربية الإسلامية: «هل نهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟!» ختم صديقي حديثه ضاحكا ليقول: "لم أكن أعلم في تلك السن المبكرة عن عدم وجود علاقة سببية بين احتساء الشراب وسقوط الطائرة"!

قصتي مع ركوب الطائرة لا تختلف كثيراً عن تجربة صديقي، فكلانا ينتمي إلى البيئة ذاتها، لقد كنت أبلغ من السذاجة حداً إلى درجة أنني كنت أعتقد أن وجود بضعة أطفال على متن الطائرة كفيل بحماية الطائرة من السقوط، فأي قوة خارقة للطبيعة لابد أن تتعاطف مع فكرة وجود أطفال بين المسافرين! لا تخلو هذه الفكرة من أنانية، وربما وضاعة أيضاً، إذ كنت كمَن يحتمي بالأطفال من السقوط، ولكن عذري في ذلك هو أن المناهج الدراسية البائسة التي تعلمتها في الصغر لم تتح لي الفرصة لاستيعاب المعنى العميق لتجارب «جاليليو» حول سقوط الأجسام على الأرض، خصوصاً تلك التجارب التي أجراها من فوق برج بيزا!

أذكر أنني كنت أُكثر من الدعاء مع كل مطب هوائي، وأتعامل مع كل صوت ميكانيكي على أنه بداية لكارثة وشيكة، وكل دعوة إلى ربط الأحزمة هي دعوة إلى التشهد! ليس عندي أدنى شك في أن هذه الحالة المرضية تشكل ظاهرة عامة، ولعل السبب في تفاقم هذه الظاهرة يكمن في سياسة الخطوط الجوية الكويتية في إدراج «دعاء الركوب» ضمن خدماتها! أذكر أيضا أنه في كل مرة تهبط الطائرة فيها بسلام على الأرض، كنت أسارع في ترديد كلمات الشكر والحمد والعرفان، ولم يخطر في بالي قط أن ألتفت إلى قوانين الفيزياء أو حتى تقديم الشكر إلى كابتن الطائرة! كنت سعيداً بأني نجوت ومازلت على قيد الحياة، لكن هذا الشعور لم يكن بلا ثمن، فسعادتي كان يشوبها دائما إحساس بالمهانة والذل والتوسل، وهذا كثير، كثير جداً، مهما طنطن بعضهم بحلاوة الإيمان بوجود إله منقذ!

إذا قبلت أن تفترض وجود قوة خارقة للطبيعة وقادرة على حفظ الطائرة من السقوط، فعليك أن تتحمل معاناة التفكير بوجود قوة خارقة للطبيعة وقادرة على إسقاط الطائرة! لم أتعلّم هذا الدرس إلا متأخراً، مع الأسف الشديد، لكني على الأقل استطعت تجاوز هذه الحالة المرضية والاستمتاع بعظمة العقل البشري الذي أنتج الطائرة وغيرها من وسائل النقل الحديثة. جميل أن ندرك أن الطبيعة لا تهتم بمشاعرنا ورغباتنا ومخاوفنا، فهذه الفكرة مهمة لسلامة قوانا العقلية والنفسية، مهما بدت متجردة من أي نفحة رومانسية!

أكتب هذا المقال على متن الطائرة، على ارتفاع 33 ألف قدم من سطح الأرض، وبينما يحتسي جاري كأساً من النبيذ، وبينما تتصارع الطائرة مع المطبات الهوائية، أختم هذه السطور بابتسامة مطمئنة، فالطبيعة لا تهتم حتى لمن يبتسم في وجهها، ولعل مصدر اطمئناني هي أنها لا تهتم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكن متاخر
fuad ( 2009 / 5 / 13 - 21:02 )
نعم مقالك جميل وهذه هي الحقيقه يجب ان نتخلص من التعاليم الباليه حتى نتخلص من الخوف الكامن فينا الان انا شخصيا تخلصت من هذه الافكار ولكن متاخر بقى قليل من العمر ولكن لم اترك اطفالي لهكذا تعاليم وحياتهم جميله بدون خوف لا اتركهم يحدث ما حدث لي .....الخ

اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام