الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجيا المظاهرات

هشام آدم

2009 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


http://www.hishamadamme.blogspot.com
التظاهر شكل من أشكال الديمقراطية، وواحدة من أهم الحقوق الدستورية التي يكفلها القانون لكل فرد ولكل مجموعة. والتظاهر يتم تحديداً للإعلان إما عن مطالب حقوقية، أو لفقد إحدى المكتسبات الأساسية والرئيسية الحياتية أو المواطنية، أو لتأيد/رفض وتسجيل مواقف من قضايا داخلية أو خارجية؛ إذن فالتظاهر إضافةً لكونه وسيلة تواصل جماهيرية مع السلطة والمجتمع الدولي، فهو قناة من القنوات الديمقراطية التي وجدت في الأساس من أجل توصيل فكرة، أو رأي، أو تسجيل موقف. وعلى قدر الوعي السياسي الذي يتمتع به الجماهير بقدر ما يكون الشكل الأيديولوجي النضالي للتظاهرة، بمعنى أن وعي المواطنين بحقوقهم الدستورية، واستشعارهم بخطورة تغوّل السلطة أو الممارسة السياسية على هذه الحقوق سواءً بحجب بعضها أو تأثير بعضها الآخر على تقليص هامش الحريات، وتقليص الحد الأدنى من مستوى رفاهيتهم المطلوبة، هو ما يُحدد ضرورة المظاهرة وشكلها.

ولأن الوعي السياسي شرط أساسي من شروط استشعار الأمن الفردي أو الجمعي على حدّ سواء، فإنه يتوجب علينا في البدء أن نعرف أن نشر الوعي السياسي وتنوير الجماهير وتعريفهم بحقوقهم هو أحد أهم واجبات المؤسسات والنقابات والكيانات واللجان الشعبية.

إن الخطوة الأولى لتأهيل الجماهير نضالياً هو تملكهم:
أولاً: المعرفة الكاملة والصحيحة عن الحقوق الدستورية.
ثانياً: الوسائل والأدوات النضالية عبر التطبيق الكامل والحقيقي للديمقراطية.

إذ أن غياب الديمقراطية يؤدي ضمنياً إلى عدم الاعتراف بحقوق الجماهير في التعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن غياب الديمقراطية هو العامل الأول والأكبر في رسم الشكل السايكولوجي للمظاهرة؛ ففي ظل الديمقراطية المتماشية مع الوعي السياسي عند الجماهير يتوفر لدينا شكل نضالي إيجابي، في حين أن غياب الديمقراطية، وبالتالي فإن بروز سياسة القمع يؤدي بالضرورة إلى تشويه الشكل الحضاري للتظاهر على اعتباره شكلاً من أشكال الديمقراطية، واتخاذه منحاً فوضوياً.

لذا نجد في كثير من الدول العربية -إن لم يكن كلها بلا استثناء- أن التظاهر يأخذ منحى تخريبي همجي أكثر منه وسيلة للتعبير عن الرأي أو المطالبة بالحقوق واسترداد المكتسبات المغتصبة، وبالضرورة فإن الشعب المقموع والمحكوم بسلطة استبدادية لن تتوفر لديه دوافع سلمية إذا ما توفرت لديه الفرصة للتعبير عن رأيه، فهو في الأصل محروم من هذا الحق؛ ولذا فإنه لدا ممارسة (إبداء الرأي) أو (الرفض) يشعر داخلياً بأنه يقترف جريمة، في حين أن ذلك حق من حقوقه المكفولة له.

وعليه فإن تغيير شكل النهج الثوري النضالي يأتي أولاً عبر تمكين الجماهير من الديمقراطية وممارستها؛ وبالتالي فهم الحوجة للتظاهر، واستشعار الحس الوطني المشترك بين المتظاهرين ورجال الأمن، بحيث يؤدي هذا الوعي النضالي إلى التفهّم التام للطرفين لدوافع وحدود الطرف الآخر، فوظيفة رجال الأمن في ظل الحكومات الديمقراطية هي تنظيم التظاهر لا قمعها، والحيلولة دون الإضرار بالمنشآت والممتلكات العامة؛ إذ أن هنالك فرقاً بيّناً وواضحاً بين التظاهر والشغب، ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إن التمثيل الجيد أو السيئ للديمقراطية هو من يحدد -وبشكل مباشر- ما إذا كان تعبير الناس شغباً أم تظاهر.

وكلما زادت الهوة بين المناضل وبين السلطة، كلما زادت ظاهرة (احتراف التظاهر)، وتولّد لدى المناضل رغبة في التظاهر من أجل إبداء الرفض، والرفض المطلق لأن الثقة تصبح في هذه الحال معدومة بينه وبين السلطة التي تمثل بالنسبة إليه أداة للقمع وليس -كما في ظل الديمقراطية– أداة لتحقيق الرفاهية والمواطنة، وتقديم الخدمات، وبالضرورة أيضاً فإنه كلما اختفت الشفافية بين السلطة وبين الجمهور بدأ التظاهر يأخذ شكله المشوّه متحولاً إلى نوع من الشغب، وبالتالي تزداد حوجة السلطة إلى القمع أكثر فأكثر.

إن سايكولوجيا التظاهر يبرز في شكل العلاقة المباشرة بين السلطة وبين الجمهور؛ لاسيما في العنصر المشترك الذي هو في المقام الأول يحدد شكل ونوع العلاقة ألا وهي الديمقراطية؛ إذن فلا عجب إن قلت وبكل ثقة: إن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لتحقيق المعادلة التي تبدو مستحيلة الحل في تحقيق مظاهرات سلمية تكتفي بإبداء رأيها، وتوصيل صوتها دون الحاجة للتخريب لأن السلطة عندها ستكون متمتعة بالقدر الكافي من الشفافية التي تجعلها ترضخ لتحقيق المطالب التي من اجلها خرج المتظاهرون.

ولا أقول بأن الشعب هو من يتدخل بشكل مباشر في رسم حدود سلطة الدولة –رغم أن ذلك به جانب من الصحة– ولكني أريد أن أقول: إن الوعي السياسي المتوفر بالقدر المناسب والجيد هو من يفعل ذلك، لأن توفر هذا الوعي يعني بالضرورة معرفة كل فرد دوره وواجبه وحقوقه، ويعني الشيء نفسه بالنسبة للسلطة، وعندها سوف يعرف رجال الأمن أن واجبهم في المظاهرة هو توفير القدر المعقول من الأمن لحماية وتنظيم المظاهرة، وبالتالي تحقيق أمرين:

أولاً: إتاحة الفرصة للمتظاهرين لممارسة حريتهم الدستورية في إبداء الرأي.
ثانياً: منع أي إصابات أو خسائر سواء في الأرواح أو الممتلكات.

وطالما أن التظاهر يأخذ شكله السلمي سيكون من الطبيعي أن تتوفر لدى الطرف الآخر (السلطة) الفرصة الجيدة للاستماع إلى مطالب المتظاهرين، وبالتالي احتمالية كبرى لتحقيق هذه المطالب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط