الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصول اليهود واليهودية وكيف تنامت اعدادهم في فلسطين

احمد محمود القاسم

2009 / 5 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هاجر سيدنا يعقوب-عليه السلام-وعائلته من كنعان، حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد، حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة، إلى مصر، حيث يوسف، يملك مفاتيح خزائن مصر، وانقسم بنو يعقوب إلى اثنتي عشرة قبيلة، منهم قبيلة لاوي، التي كان منها موسى وهارون و مريم وعيسى-عليهم السلام-وكان المصريون يعاملون اليهود معاملة قاسية، فقد استقروا في وادي الطليمات، ومديرية الشرقية، ولكنهم تعرضوا للانتقام الشديد من المصريين، بسبب تعاونهم مع الهكسوس، غزاة مصر، حتى خرج بهم نبيهم موسى إلى صحراء سيناء، فتعرضوا للتيه فيها أربعين عاما، بسبب عصيانهم ومخالفتهم لتعاليم نبيهم، ثم استولوا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على بلاد كنعان، بعد صراع طويل مع أصحابها الأصليين، وبلغوا قمة تفوقهم في عهد الملكين، داود وسليمان، ولكن بعد وفاتهما، انقسمت المملكة اليهودية إلى مملكتين هما:
1-مملكة يهوذا 2-مملكة إسرائيل
هاتان الملكتان، نشبت بينهما المعارك، حتى تم احتلاهما من قبل القائد الكلداني (نبوخذ نصر) وهجّر معظم أهلها إلى بابل، وهو ما عرف بالسبي البابلي، ولكنهم عادوا بعد خمسين عام، حين أطلق (كورش) ملك الفرس سراحهم، عندما أحتل مملكة بابل، و بعد أن سيطر على مدينة بيت المقدس، التي دمرها الرومان تمامًا، إثر ثورة قام بها اليهود عام 70م، بقيادة المسمى (باركوبخا)، وحقيقة، أن اليهود، الذين عادوا إلى مدينة بيت المقدس، لم يعودوا كلهم، بل غالبيتهم بقيت في بابل، حيث كانوا ينعمون بالثراء والرخاء الفاحش، ففضلوا رخاؤهم على عودتهم، وكانت عودتم بقيادة المدعو (عزرا)، والذي عمل على كتابة كتاب التوراة وهو في بابل خلال سبيهم، وسمي التوراة الذي كتبه (بالتوراة البابلي)، وفيه الكثير عن أوضاع اليهود، وهم في السبي، وهذه التسمية، تمييزا لها عن التوراة التي كتبت في أورشليم، والذي سمي بالتوراة الأورشليمي، تمييزا عن غيرها من كتب التوراة، وتبحث في أوضاع اليهود ومعاناتهم في ظل الحكم الكلداني، حيث فضلوا البقاء والمعاناة على السبي.
كان من آثار نفي اليهود المتكرر، أنهم انتشروا في أماكن عديدة من العالم القديم، فظهرت منهم جماعات في الجزيرة العربية قبل الإسلام، واندمج كثير من الطوائف اليهودية في المجتمعات الإسلامية بمرور الزمن، حتى كان لهم تواجدهم الواضح في العالم الإسلامي المعاصر.
جماعات اليهود في الجزيرة العربية:
انتقلت جماعات من اليهود إلى شبه الجزيرة العربية، فيما يبدو أنه كان فرارًا من الاضطهاد، وكان انتقالهم يشبه موجات مذعورة، تبحث لنفسها عن شاطئ ومستقر، ولم تتم على دفعة واحدة، كما أنها لم تستقر في مكان واحد، فهي أشبه بماء المطر المتباعد، وليست كالنهر الجارف، وكان استيطانهم في شبه الجزيرة العربية، في مناطق تيماء و خيبر ووادي القرى ويثرب (المدينة) واليمن.
يحتفظ التاريخ بأسماء بعض عشائر هؤلاء اليهود، كبني عكرمة، وبني زعورا، وبني زيد، وبني تغلب، وبني قريظة، وبني النضير وبني قنيقاع، وكانت مدينة يثرب، تضم أكبر تجمعاتهم قاطبة، ومع ذلك-واستنادًا إلى الإحصاءات المتوافرة-فإن عدد اليهود في يثرب، لم يكن كبيرًا.
كان لليهود تجمعا آخر في مدينة (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من مدينة يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقة، مع يهودٍ بني النضير، وكانوا يعملون في الزراعة ويعتاشون منها، و اشتغلوا أيضاً بتربية الحيوانات، كان يهود خيبر، يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها.
أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم، وحياة يهود يثرب.
كان يهود الجزيرة أشد الطوائف التي عادت المسلمين، ودبرت لهم المؤامرات، حتى نفاهم الخليفة عمر بن الخطاب من الجزيرة، أثناء خلافته.
اندماج اليهود الثقافي والاجتماعي في المجتمع العربي:
كانت الحضارة الإسلامية تضيء كل حيز، طالما كانت النوافذ مفتوحة، وقد حرص اليهود من البداية، على فتح نوافذهم أمام الحضارة الإسلامية، واندمجوا في المجتمع الإسلامي إلى حد كبير، فتبنوا اللغة العربية، سواء في حديثهم اليومي، أو في أدبياتهم الدينية والدنيوية، كما لم يختلف التركيب الطبقي لليهود، عن تركيب المجتمع ككل، وقد تأثر التراث الديني اليهودي، بالتراث الديني الإسلامي، إلى درجة أنه لا يمكن فهم التراث الديني اليهودي في هذه المرحلة، إلا بالعودة إلى التراث الإسلامي الفلسفي والديني.
ظهر عدد من المفكرين اليهود، المتشبعين بالفكر الإسلامي، مثل موسى بن ميمون، ولكن وضع اليهود تدهور بتدهور العالم الإسلامي ككل، نتيجة لانقسامهم إلى دويلات وإمارات صغيرة، وتدهور الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي، وبعد أن توقف النمو التجاري، وقد ازداد التراجع الإسلامي بعد الهجوم المسيحي المتمثل في الحروب الصليبية، ثم الهجوم على صقلية والأندلس، واستمر التدهور حتى الفتح العثماني.
الوجود اليهودي في مدينة بيت المقدس حتى القرن التاسع عشر:
عند قدوم الصليبيين إلى العالم الإسلامي، واحتلالهم لمدينة بيت المقدس عام 492 هـ، كانت المدينة تضم أقلية يهودية، لا يتجاوز عددها المائة فرد، كان نصيبهم القتل في مكان واحد، بيد القوات الغازية، بصورة شديدة البشاعة.
مع الفتح الإسلامي الجديد لمدينة بيت المقدس عام 583 هـ، سمح صلاح الدين لأقلية يهودية جديدة بالسكن فيها، وقد كان الطبيب اليهودي موسى بن ميمون قريبا من صلاح الدين في هذه الفترة، ولم تكن لليهود حينئذ أي أحلام بالعودة إلى أورشليم بالقوة.
في أوائل القرن العاشر الميلادي، مع قيام الدولة العثمانية، نزحت إلى مدينة بيت المقدس ثلاثمائة أسرة يهودية، لكن الأوضاع لم تتغير كثيرا، وظل اليهود أقلية ضئيلة بالنسبة إلى المسيحيين، فضلا عن المسلمين، فلم يتجاوز عددهم عام 1793م بضع مئات من الأفراد، وبعد ذلك بحوالي نصف قرن، بلغوا ستة آلاف وخمسمائة نسمة فقط.
بعد عودة مدينة بيت المقدس إلى السيطرة العثمانية عام 1840م بيد إبراهيم باشا، تحسنت أوضاع الطائفة اليهودية في مدينة بيت المقدس، إذ أصبح لليهود الشرقيين (السفارديم) حاخام خاص بهم، اتخذ من مدينة بيت المقدس مقرًا له، وأدار شؤون طائفته الدينية والدنيوية.
شهدت مدينة بيت المقدس انقلابا في أوضاعها السكانية، فبدأ يتوجه نحو المدينة زحف يهودي منظم، خاصة مع الحماية التي كفلتها القنصليات الأجنبية في المدينة للأقليات الدينية، فتحت رعاية بريطانيا والنمسا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة، تضاعف الوجود اليهودي في مدينة بيت المقدس، حتى صار عددهم تسعة آلاف نسمة عام 1864م، وبعد ربع قرن، أصبحت الجالية اليهودية في مدينة بيت المقدس عشرين ألف نسمة، من أصل 45 ألف نسمة، تضمهم مدينة بيت المقدس، ولم يغلق القرن التاسع عشر الميلادي أبوابه حتى بلغ تعداد اليهود في بيت المقدس، حوالي ثلاثين ألفًا، بنسبة تزيد على 60% من سكان المدينة.
الوجود اليهودي في مدينة بيت المقدس قبيل الاحتلال البريطاني:
حين بدأ القرن العشرون، لم يكن قد بقي على البريطانيين ليحتلوا مدينة بيت المقدس سوى ستة عشر عاما وأشهرا، وهي الفترة التي ملأها الصهاينة بالجهد المنظم، لترسيخ تواجدهم في في مدينة بيت المقدس وعموم فلسطين، وواصلوا سياستهم، التي ركزوا عليها في نهايات القرن التاسع عشر، بتكثيف تواجدهم في الأرض المباركة.
جاءت دلالة المجهود الصهيوني جلية، في ارتفاع عدد سكان مدينة مدينة بيت المقدس من اليهود عام 1904م إلى أربعين ألفًا، وكانت القنصليات الأجنبية في مدينة بيت المقدس توفر لهم يد الحماية.
جاء عام 1908م ليحمل الكثير من المفاجآت؛ إذ تنبهت الدولة في (ألأستانة) إلى خطر الزحف اليهودي على مدينة بيت المقدس وفلسطين، فوُضعت القيود على الهجرة اليهودية إلى هناك، لكن ذلك لم يمنع من تزايد عدد اليهود في مدينة بيت المقدس؛ فقد أزاح الانقلاب ضد السلطان عبد الحميد الثاني في ذلك العام، إحدى العقبات الكبرى ضد تكثيف التواجد اليهودي في الأراضي المقدسة.
قبل أن بدأت الحرب العالمية الأولى بنيرانها عام 1914م، كان عدد سكان مدينة بيت المقدس تسعين ألف نسمة، تميل الكِفَّة فيها إلى اليهود كأغلبية، لكن أهوال الحرب وعنفوانها، شاركت في هجرة الكثيرين منهم ومن غيرهم، ومع خفوت صوت الحرب، ودخول البريطانيين إلى مدينة بيت المقدس عام 1917م، بدأ المستعمر رعايته القوية للتواجد اليهودي في مدينة بيت المقدس.
الوجود اليهودي في مدينة بيت المقدس أثناء الاحتلال البريطاني:
مكث البريطانيون في مدينة بيت المقدس إحدى وعشرين عاما، بدأت عام 1917م بخداع الثورة العربية، وإخلاف الوعود البريطانية للمدعو الشريف حسين، وأسرته بمعاونته على حكم البلاد العربية المستقلة في العراق والشام والحجاز، مقابل أن يثور العرب إلى جانب التحالف البريطاني الفرنسي ضد الأتراك المتحالفين مع ألمانيا ضدهم.
كانت فترة الاحتلال البريطاني لمدينة بيت المقدس وفلسطين، هي فترة الإعداد الواقعي للدولة العبرية الصهيونية، التي تتخذ من أورشليم (مدينة بيت المقدس) عاصمة لها، ففي عام 1917م أعطى البريطانيون للصهاينة اليهود وعدهم الرسمي والمعروف (بوعد بلفور) بإقامة وطن قومي لهم فوق التراب الفلسطيني، ورعوا الهجرة اليهودية المنظمة والكثيفة، إلى مدينة بيت المقدس وفلسطين، حتى أصبح اليهود يمثلون 60% من سكان مدينة بيت المقدس.
قبل أن يرحل البريطانيون عن مدينة بيت المقدس، كانت المستعمرات الصهيونية غربي سور المدينة قد نمت، حتى أصبحت تشكل مدينة لوحدها، وارتفع عدد سكان مدينة بيت المقدس الجديدة والقديمة إلى مائة وسبعين ألف نسمة، منهم تسعة وتسعون ألف يهودي، يتركز أكثرهم في مدينة بيت المقدس الغربية أو مدينة بيت المقدس الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي
سيمون خوري ( 2009 / 5 / 15 - 22:11 )
نأمل من الكاتب الكريم توخي الدقة اكثر فيما يتعلق بالكتابة التاريخية والعودة لمصادر غير تواراتية اخرى لباحثين عالميين والى أصول ديانات الشرق القديم .وفي هذه العجالة نود أن نشير أن موسى لم تطأ قدماه ارض مصر ، بل أرض قرية مصراييم الواقع على ساحل الجزيرة العربية. وتعرف على القائد الفرعوني هناك وعلى أطروحات أخناتون فيما يتعلق بقضية التوحيد الذي أحدث الانقلاب الاول من عبادة أمون الى أتون الواحد .المصادر الدينية لاتشكل وحدها برهانا على التاريخ فهذا التاريخ بحاجة الى إعادة قراءة نقدية جديدة وشكرا لسعة صدرك على ملاحظتي .


2 - قد يكون ما تفضلت به صحيحا
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم ( 2009 / 5 / 16 - 08:17 )
أخي الفاضل
تحية طيبة وبعد: قد يكون ما تفضلت به صحيحا، ولكنها ليست نقطة خلاف ما يهمني ما يخدم قضيتي الوطنية والقومية، القضية الفلسطينية، اليهود الصهاينة هم من يكتب تاريخ الشعوب وفقا لأهوائهم واحلامهم الكهونوتية اشكرك على كل حال، واشكر مرورك الكريم على الموضوع وعلى ملاحظاتك القيمة..

اخر الافلام

.. فيديو صادم.. سيدة تحاول خطف طفل بجوار والدته في مصر


.. استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في حي الشجاعية شرقي غزة




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن تطورات الأوضاع في قطا


.. ظهرت باكية ومتشحة بالكوفية.. ممثلة كندية تدين دور بلادها في




.. انتشال أشلاء من تحت أنقاض منزل قصفه الاحتلال في حي الدرج شرق