الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل كذكرى مؤقتة

ماجد الشيخ

2009 / 5 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وهي تبلغ شيخوختها باكرا
إذا كانت إسرائيل قد احتفلت في أيار (مايو) العام الماضي بالّذّكرى السّتّين لإعلانها كيانا/دولة لمستوطنيها من اليهود، وبدورها الوظيفي الملازم والمحايث لوجودها في خدمة الغرب الاستعماري ودوله الإمبرياليّة، فهل يمكنها الاحتفال بالّذكرى المائة والعشرين؛ كما وعد الرئيس الأميركي السّابق جورج بوش الإسرائيليين من على منصّة الكنيست؟ أو حتى الذّكرى المائة؟

إبراهام بورغ الّذي وصل يوما إلى رئاسة الكنيست، بل بلغ به الحال أن يتردّد اسمه كمرشّح لرئاسة الحكومة، لا يشارك بوش ولا المزايدين عليه؛ من أنّ إسرائيل سوف تستمر لتحتفل بذكراها المائة، وهو إذ ينفي عنها ديمقراطيّتها، ليتبرّأ من هويّته الصّهيونيّة، بعد مراجعة طويلة، معلنا ذلك على الملأ عبر كتابه المعنون "للانتصار على هتلر" الّذي أثار ضجّة واسعة في إسرائيل حين صدوره. وقد تجدّدت الضّجّة مرّة أخرى مؤخّرا بمناسبة صدور ترجمته الإنجليزيّة في الولايات المتّحدة، وهو الكتاب الّذي قارن فيه بورغ بين إسرائيل وإسبارطة وألمانيا عشيّة فوز هتلر بالسّلطة بـ "انتخابات ديمقراطيّة" وظهور النّازيّة.

يقول بورغ في كتابه إنّ تعريف إسرائيل باعتبارها دولة يهودية يستبطن بدء نهايتها، فكيف حين يقال أو يزعم أنّها دولة ديمقراطيّة، فالتّوصيفان لا يوحيان بالكمال، بقدر ما يحملان من مسبّبات انفجار وتناقض تاريخي على المدى البعيد. من هنا دعوته لإلغاء قانون العودة (لليهود) وإلغاء تعريف إسرائيل كدولة يهوديّة، والتّخلّي عن أسلحة الدّمار الشّامل (القنابل النّوويّة).

بورغ ليس نسيج وحده في هذا الصّدد، فنمرود آلوني رئيس معهد التّفكير التّربوي ورئيس مؤتمر تل أبيب للتّعليم المتقدّم، ذهب في مجاراة التّفكير؛ بكون وجود إسرائيل كذكرى مؤقّتة، إلى حد القول بأنّ " هذه الدّولة ستنهار مثلما انهارت دول فاسدة في الماضي، أيّ إنسان عاقل مستعد لأن يجازف بأمواله في دولة يمكن أن تنهار في أيّة لحظة، جرّاء انهيار شامل ناجم عن عفن وفساد عميق، وعن عجز الوزارات والدّوائر الحكوميّة عن القيام بعملها؟"

إسرائيل ورغم مرور ستّين عاما على إعلانها، ما تني تحكم من قبل أقلّيّة اشكنازيّة (غربيّة) مخمليّة، ناقضت وتناقض مسألة وجود أمّة، رغم وجود هيكل دولتي يستند إلى عوامل خارجيّة، أكثر من استنادها إلى مقوّمات داخليّة، قامت هذه الأخيرة بالسّعي إلى تمترس كلّ طائفة خلف ثقافتها وهويّتها المستبطنة، فلا السفارديم (الشّرقيّون) قدّموا ذواتهم جاهزة للاستيعاب الأشكنازي، ولا الحكم الأقلّوي الأشكنازي استطاع النجاح في إنجاز تبلور تاريخي لدولة /أمّة تقليديّة تجمع بين الطوائف والجاليات والمواطنين اليهود المنتسبين إلى دول/أمم متعدّدة ومختلفة عبر القارّات، كما هو حال الولايات المتّحدة واستراليا ودول أوروبا مثلا.

تهويد فلسطين.. هذا هو الهدف الأوّل للصّهيونيّة منذ نشأتها، هذا الهدف لم يتحقّق حتى الآن، رغم وجود بنية سلطة لا تمتلك مقوّمات الدّولة التّقليديّة أو الطّبيعيّة، فلا الهويّة (الإسرائيليّة) المزعومة باتت أقنوما مشتركا، ولا المؤسّسات السّياسيّة والقانونيّة يمكنها أن تفضي إلى قيام ديمقراطيّة داخليّة حقيقيّة، هذا رغم وجود استنساخ لديمقراطيّة غربيّة ولقوانين مستنسخة من بنيات الدّولة الغربيّة - الدّيمقراطيّة بطبعها وطبيعتها الخاصّة الملازمة لوجودها ونشأتها وفق مفاهيم وقيم معياريّة، تبلورت تاريخيّا عبر ثورات فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة تعاقبت على القارّة العجوز منذ الثّورة الفرنسيّة وانتشار أفكار التنوير والنهضة. من هنا تبدو الدّيمقراطيّة الموهومة أو المزعومة في إسرائيل وفق أكثر المعايير حداثة، مجرّد تغريد خارج السّرب، من أجل الوصول إلى هدف التّهويد الّذي لم يشهد حتى اللحظة إنجازاته الحاسمة من أجل الوصول إلى تحقّقات منجزة، بل على العكس من ذلك نحن نشهد اليوم "تآكل منظومة القيم الصّهيونيّة التي قامت عليها الدّولة" حسب البروفيسور أمنون روبنشتاين.

لهذا.. سيبقى هناك في المتن، وليس في الهامش، مجموعة من تناقضات أساسيّة تنشأ بين الحين والآخر، حتّى لو تمّ التّوصّل إلى معالجة وحل جزء من هذه التّناقضات، طالما أن المكوّنات التّأسيسيّة والأساسيّة الأوّلية لم تنجح عمليات صهرها، كما لم يجر إيجاد المخارج العمليّة لها كعلاجات ناجعة لأبرز قضايا الوجود الاستيطاني (التّأسيسيّة)، فكيف سيكون الحال في مواجهة تراكمات مثل هذه القضايا التي فشلت في إبراز اليهود، حتّى وهم يجتمعون في بوتقة ما يدعون أنّها دولتهم، وبالأخص فشلهم في بلورة "قوميّة خاصة" ما بين سكّان هذه الدّولة؟.

فوق هذا وذاك، فإنّ إبراز طابع الصّراع الوطني على الأرض، وإضفاء صبغة الهويّة الوطنيّة (الفلسطينيّة) على هذه الأرض، سوف يبقى يفاقم من مشكلات التّمييز الإثني والتّناقضات الوطنيّة العميقة بين قيم أصحاب الأرض الأصليين، وبين قيم المستوطنين الّذين جُلبوا من بلدانهم الأصليّة كي يكونوا وقودا، ورافعة المشروع الاستيطاني الصّهيوني، بأهدافه الوظيفيّة لخدمة دول الاستعمار الغربي، حيث لم تكن لتختلف في هذا السّياق؛ أهداف المشروع البونابرتي (نابليون بونابرت) عن أهداف المشروع البريطاني كما وردت في الصّياغات العديدة لوعد بلفور، أو المشروع الأميركي الهيمني في سعيه لإبقاء دور وظيفي محدّد لإسرائيل؛ يمكن أن تلعبه الآن، كما في المستقبل، ووقت الحاجة وغبّ الطّلب.

إنّ الانفصال المفهومي/المعرفي عن فضاء حركة التّحرّر، وهو ما "أنجزته" للأسف سلطة أوسلو بكل أطيافها، لتضع النظام السياسي الفلسطيني عند حدود أخرى من محدداته كنظام مجتمعي وطبقي يفتقر إلى وحدة الأرض (المحررة) والشعب الموحد في نطاق جغرافي وديموغرافي ممتد وموحد، هذا الواقع الموضوعي الذي ينبغي أن يحايث، بل ويحكم مسار ومسيرة الحركة الوطنيّة الفلسطينية؛ طالما هي لم تحرز إنجازها لمهام تحرّرها الوطني، على أن ذلك الانفصال بات يلعب اليوم دورا مزدوجا للأسف في تقديس السّلطة، ولو كانت وهميّة، وبالمقابل ترذيل كلّ مفاهيم الصّراع مع الاحتلال الاستيطاني الصّهيوني، حتّى لدى رافعي لواء المقاومة في الجهر ولواء المساومات في السّر.

من هنا ضرورة الحفاظ على القضيّة الفلسطينية كقضيّة وطنيّة، قضية تحرّر وطني من الاحتلال، قضيّة استعمار استيطاني لوطن الشّعب الفلسطيني، والتّأكيد على أنّ إسرائيل ليست دولة عاديّة، حتّى ولو تزيّت؛ أو أُلبست لباسا أو أردية أوروبيّة، وسط بحر المشرق العربي المتلاطم بصراعاته المحلّيّة الخاصّة، إسرائيل فيه هي الرّمز الأوّل للاستعمار الكولونيالي، بل هي آخر قضايا أو معاقل هذا الاستعمار في عالمنا المعاصر.

وحسب ناحوم برنياع كبير معلّقي صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة؛ فإنّ "إسرائيل هي الدّولة الوحيدة في العالم التي لا يزال مجرّد وجودها مثيرا للجدل، في حين لا يشكّ أحد في العالم في حق الفلسطينيين في دولة". ونظرة مدققة في الخريطة الحزبية والسّياسيّة التي أفرزتها وبلورتها الانتخابات الأخيرة، ترينا أنّ الشّيخوخة الإسرائيليّة أضحت تتجسّد في هذا الانحلال الحزبي وتشظّي بنيتها السّياسيّة الاجتماعيّة، بحيث باتت تشكل عبئا كبيرا على الإستراتيجيّة الأميركيّة، وبدأ النّاس يفقدون الثّقة بها، وبمستقبلها، وبقدرتها على البقاء؛ حسب ناحوم برنياع.

وفي ضوء التركيبة الحكومية الجديدة، فمن الواضح أن الساحة السّياسيّة لم تعد تستجيب لاحتياجات الدّولة والمجتمع. التّحدّيات ازدادت في الموضوع الإيراني أيضا، كذا في الاقتصاد، بينما ضعفت الساحة بشكل خطير: "هذا كبير عليها" قال الليكود عن ليفني. بذات القدر من الإقناع كان يمكن قول هذه الجملة عن نتانياهو، باراك أو ليبرمان، كلما كانوا أكبر على اليافطات.. هكذا هم صغار على مشاكل الدّولة".

وبمثل هذه السّخرية، ولكن الأكثر جدية ربما؛ ذهب جدعون ليفي إلى "أنّ من يريد يسارا ذا أهّمّيّة عليه أن ينفي الصّهيونيّة ويخرجها من القمقم"، بل وذهب ليفي أبعد للقول بأنّ "من يريد يسارا إسرائيليّا عليه أن يقول كفى للصّهيونيّة التي هيمن عليها اليمين"!

هذه اللهجة السّاخرة الممزوجة بجدية مفرطة، مؤشّر إلى وضع سريالي تنقاد إليه إسرائيل، بفعل أخطاء وخطايا نخب تفتقد لكاريزما ديغوليّة خاصة، في وضع إسرائيلي أكثر خصوصيّة، وإذا كان النّاس يشعرون بحق أنّ هذه دولة ليست في وقتها أو مكانها الطبيعيين، فما يولد في الخطيئة سيبقى يتردّى في مستنقعاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ