الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وباء الفساد

مهدي زاير جاسم

2009 / 5 / 17
القضية الكردية


تزداد مظاهر الفساد انتشارا في المجتمعات الحديثة بشكل عام ، وفي البلدان النامية بشكل خاص بسبب خصوصية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها، وتعاني منها منذ قرن مضى وأكثر، وقد بلغت هذه المظاهر درجة أصبحت فيها تشكل مصدر قلق متزايد لرجال السياسة والإداريين وعامة الناس منذ النصف الثاني من الثمانينات نظراً لارتباطها بهم ارتباطاً وثيقاً، ولكونها تمس مصالحهم القريبة والبعيدة على حد سواء. فضلا عما يترتب على ذلك من نتائج تمس البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية....
(حيث تشير عدة أبحاث في معهد البنك الدولي إلى أن أكثر من تريليون دولار أميركي (1000 بليون دولار أميركي) تدفع رشاوى كل عام. ويقول دانيال كاو فمان ، إن رقم التريليون دولار رقم تقديري للرشاوى الفعلية المدفوعة في أرجاء العالم في البلدان الغنية والنامية معاً. ويرى انه "من المهم التأكيد على أن هذه المشكلة لا تواجه البلدان النامية وحدها فحسب، بل إن محاربة الفساد تحدّ عالمي".، حيث يقضي الفساد على حوالي 7 % من الاقتصاد العالمي سنوياً أي ما يقدر بنحو 2.3 تريليون دولار و هو ما يعادل مجموع الموازنة  الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية .)
ورغم مخاطر المشكلة وبرغم الجهود الكبيرة التي تبذل لوضع حد لها والقضاء عليها فإن المشكلة تتعاظم يوماً بعد آخر، وتأخذ أشكالاً متعددة إلى درجة قد يخيل لنا أن مؤسسات كبيرة تأخذ بحماية الفساد، ورعايته ، وهي مؤسسات تتصف بالقوة والسلطة التي تفوق قوة الدولة]، وقوة القانون، غير أن هذا الانطباع لا يقوم على وثائق تؤكده في حيز الواقع، حيث يصعب تقديم إحصاءات تبين حجم المشكلة بسبب أنها تحدث في ظروف خفية عن أنظار المعنيين بها من مسئولين عن الأمن والضبط الاجتماعيين و إنما مستمدة من الشعور العام السائد بانتشار مظاهر المشكلة في معظم دول العالم النامية ،الذي اكتملت مؤسساته...، مستندة على تجارب الدولة الحديثة ،دولة هجينة - محلية تستجيب للنزاعات والصراعات والخصوصيات ، وخارجية تحمل سلوكاً وخطاباً وإطاراً قانونياً، كل ذلك البناء مفتاحه من الداخل لتصبح الدولة تحكم المجتمع عبر الغرف المغلقة والتشريعات والمراسيم والسياسات التي تزيد من إغلاق كل منفذ خارجي تجاه الشعب. ومصالحه وحياته ومطالبه...
  ويأخذ الباحثون  من مذاهب عديدة في تفسيرهم لمظاهر الفساد، فمنهم من يعيدها إلى الحاجة الاقتصادية، وغياب العدالة في توزيع الناتج، ومنهم من يعيدها إلى البيئة الاجتماعية. والنظم الإدارية وضعف الرقابة، وغياب المحاسبة، ومنهم من يعيدها إلى الاعتبارات السياسية وغياب الديمقراطية و العقلانية الراشدة في التسيير.. غير أن هذه التصورات تعيد الظاهرة إلى قضايا هي بحد ذاتها بحاجة إلى تفسير وتحليل موضوعيين، وقد جاء ظهورها مقروناً بمظاهر الفساد أكثر مما هي سببه والعامل المؤدي إليه، الأمر الذي ينفي إمكانية النظر إليها على أنها تشكل الأسباب الفاعلة.
    إن الفساد تحول من ظاهرة محلية إلى ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي ( حكومات ، برلمانات ، منظمات غير حكومية ، رجال أعمال ، وسائل الإعلام المختلفة ، القطاع الخاص  لمواجهتها وإبداء قدر أكبر من الاهتمام بإعادة النظر في الترتيبات الحالية لمواجهة الفساد ، ووضع استراتيجيات يتم تحديثها باستمرار لضمان مواجهة المشكلات الناجمة عن كل صور الفساد المعاصرة . ولم تقتصر هذه الجهود على الدول المتقدمة ، وإنما شملت أيضاً الدول النامية التي تعاني اقتصادياتها ومجتمعاتها من تفشي هذه الظاهرة بصورة أكبر مما تعانيه الدول المتقدمة ، حتى أضحى موضوع الفساد يحظى بالأولوية في قائمة اهتمامات الحكومات في الدول النامية . وفي ذلك دلالة على انتقال الفكر الاجتماعي من توصيف الواقع وتشخيصه إلى محاولة امتلاكه معرفياً واقتراح الحلول والمداخل التي تفضي للتعامل العلمي والعقلاني مع ظواهره. 
        وتتجه معظم الدراسات التي تناولت في تحليلها  في تحليلها لمظاهر الفساد إلى انحلال البناء ألقيمي، وضعف الضوابط الاجتماعية بالنسبة إلى الفاعلين، وغياب الدلالات والمعاني التي تنطوي عليها أنماط السلوك الاجتماعي مما يؤدي إلى غياب قدرة الفاعلين على التمييز بين السلوك المعياري والسلوك اللامعياري بسبب تناقض الدلالات واختلاف المعاني في المنظومة الحضارية، بسبب غياب- أو تغييب- العقل الراشد  حيث تصبح المعايير المحددة لاتجاهات الفعل وأنماط السلوك مبنية على تغليب المصلحة الفردية، وغياب البعد الاجتماعي والمصلحة العامة.


وغالباً ما يترتب على ذلك ازدياد واضح في مظاهر الفساد الاجتماعي والإداري على حد سواء، حيث تنتشر بسرعة ظواهر التعاطي غير المشروع للمخدرات، والدعارة، والجرائم المنظمة، بالإضافة إلى ظواهر الاختلاس، والرشوة، وغسيل الأموال واستغلال المنصب و التهرب الضريبي وغير ذلك من الظواهر التي تهدد أمن المجتمع، وأمن الأفراد على حد سواء. مما أضعف من رغبة المواطن في المشاركة بتغيير واقعه وظروفه، وخلق بيئة طاردة للاستثمارات المالية ، مترافقة مع هجرة الأدمغة والعقول المبدعة، إذ يقدر عدد العلماء العرب المغتربين بمليون عالم يعملون في الدول الصناعية المتقدمة بسبب السياسات الطاردة للبشر ولرأس المال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون