الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصوصية الروحية المغربية : ما بين السنة و الشيعة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دافع الباحث المغربي الأستاذ إدريس هاني ؛ في مقال طويل و مفصل ؛ نشرته مجلة وجهة نظر المغربية في عددها الأخير ؛ دافع عن فكرة تشيع المغرب ؛ معتمدا على مجموعة من الشواهد التاريخية ؛ و التي تؤكد –في نظره- هذا الطر ح .
و قد ركز في دراسته هذه على الدولة الإدريسية ؛ معتبرا أنها شكلت البوادر الأولى لتسرب الفكر الشيعي إلى المغرب. على كل حال لا يمكن إلا أن نحترم وجهة نظر باحث كبير من عيار الأستاذ إدريس هاني ؛ لكن ليسمح لنا الأستاذ الكريم بأن نتساءل معه
بصراحة:
هل يمكن أن نقرأ التجربة الروحية في المغرب ؛ من خلال الدولة الإدريسية ؛ مع العلم أن هناك مجموعة من الأنظمة السياسية ؛ التي توالت فيما بعد و عملت على طمس الإرث الروحي الإدريسي في المغرب ؟
و حتى إذا سمونا بالتجربة الروحية فوق الأنظمة السياسية ؛ فهل يمكن تفسير تشيع المغرب من خلال انتشار مجموعة من السلوكيات الثقافية ( بالمعنى الأنطروبولوجي ) سواء ما ارتبط بحضور أسماء مرتبطة بآل البيت (فاطمة الزهراء) أو الاحتفال بعاشوراء ... مع العلم أن هذه السلوكيات منتشرة في مجموع بقاع العالم الإسلامي ؟
إن النغمة الغالبة على مقال الأستاذ في الحقيقة هي ليست البتة خارج النقاش الدائر على الساحة السياسية المغربية خصوصا و العربية بشكل عام ؛ و هو نقاش يتجاوز سؤال المذهبية ؛ لينضم ضمن الصراع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين محورين ؛ يستغل كل محور المذهبية الدينية لخدمة الأجندة السياسية .
و لذلك نجد الأستاذ ينطلق في مقالته من أحداث خاصة في تاريخ المغرب و يعمل على تعميمها ؛ لتفسير ما يجري من أحداث في الوقت الراهن من خلالها ؛ و هذا ما ينم عن طموح – هو على كل حال مشروع - في نقل النقاش الدائر في المشرق العربي حول المسألة الشيعية إلى المغرب ؛ البلد الإسلامي الذي يشكل الاستثناء فيما يخص التقاطبات المذهبية بين السنة والشيعة ؛ حيث ظل المغاربة لقرون يمارسون خصوصيتهم الروحية في منأى عن المذهب السني كما حضر في المشرق ؛ و كذلك في منأى عن المذهب الشيعي ؛ و هذا ما يجعل أي متابع يلمس التأثير الذي مارسه المذهبان على تصور المغاربة للدين الإسلامي .
يطرح الأستاذ إدريس هاني و غيره من الباحثين المغاربة الآن سؤال التشيع في المغرب ؛ و غالبا ما يتم التركيز على التاريخ ؛ من خلال اقتطاع مجموعة من الأحداث المتناثرة هنا و هناك ؛ ليؤكدوا شيعية المغرب و تشيع المغاربة .
لكن القراءة الموضوعية لتاريخ المغرب الروحي ؛ تؤكد بالملموس أن المغاربة شكلوا خصوصيتهم الروحية في ظل التأثير و التأثر مع المشرق –طبعا- لكن من دون السقوط في أية مرحلة من مراحل التاريخ المغربي في شرنقة المذهبية ؛ سواء السنية أو الشيعية ؛ لأننا حينما نجادل الأستاذ في شيعية المغرب ؛ فإننا لا نسعى إلى إثبات سنيته ؛ بل على العكس من ذلك يحضر التاريخ الروحي للمغرب خارج هذين الإطارين معا ؛ و أنا أتفق مع الأستاذ تماما حينما يؤكد في جزء من مقاله حقيقة تاريخية ثابتة في تاريخ المغرب و ذلك بقوله :
" المغرب سني في النظر ؛ شيعي في العمل ؛ سني في الترسيمة المذهبية ؛ شيعي في التعبير عنها (..) سني في الصورة ؛ شيعي في الجوهر ؛ سني في المذهب ؛ شيعي في الثقافة ؛ سني في الجغرافيا ؛ شيعي في التاريخ " ص: 17
و بتعبير آخر؛ و استنادا إلى كلام الأستاذ إدريس هاني نفسه ؛ فالمغرب يمتلك خصوصيته الروحية بعيدا عن التقسيم المذهبي ؛ كما حضر في المشرق ؛ لذلك لا يستقيم الحديث عن مغرب شيعي أو عن مغرب سني كذلك .
و يمكن تفسير هذه الخصوصية ؛ على ضوء مجموعة من المعطيات التاريخية ؛ نجد على رأسها بعد المغرب الجغرافي عن المشرق ؛ و يمكن تفسيرها كذلك بالاستقلال السياسي الذي تمتع به المغرب في علاقته بالمشرق ؛ حيث لم يكن تابعا للسلطة المركزية في المشرق ؛ منذ تأسيس الدولة الإدريسية ( التي كانت تجمعها علاقة توتر مع السلطة المركزية في المشرق ) ؛ و مرورا بمجموع الدول التي توالت على حكم المغرب ؛ و التي تبنى سلاطينها مبكرا لقب أمير المسلمين و أمير المؤمنين ؛ في ندية مع خلفاء السلطة المركزية ؛ سواء الأموية أو العباسية .
و قد استمرت هذه الاستقلالية؛ حتى خلال تاريخ المغرب الحديث؛ حيث لم يدخل تحت لواء الحكم العثماني؛ بل ظل محافظا على خصوصيته السياسية؛ والتي كرست في المقابل لخصوصيته الروحية.
من هذا المنطلق-إذن- و اعتمادا على شواهد التاريخ ؛ يمكن الحديث في المغرب المعاصر و بكل موضوعية عن الخصوصية الروحية المغربية ؛ في منأى عن التسنن أو التشيع كما حضرا في المشرق ؛ و يظل الحديث عن انضواء المغرب ضمن المذهب الشيعي أو السني حديثا سياسيا ؛ بعيدا عن الحقيقة التاريخية و في المقابل أقرب إلى الصراع الاستراتيجي القائم في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري