الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطَنَة وكمّاشة الأحزاب السياسية

عبد الرزاق السويراوي

2009 / 5 / 22
المجتمع المدني


لعلّ أخطر ما في الحس الوطني وشعور الإنتماء إلى الوطن هو تراجع الخط البياني لروح المواطنة في نفوس أبناءه , بحيث يصل الأمر ببعضهم , أن يتمثلوا المواطنة كثوبٍ يمكن شراءه من أي متجر من متاجر السياسة وبوسعه إرتداءه أو خلعه وفقاً لمقتضى إحتياجاته ومنافعه , في حين أن المواطنة كمفهوم وبأبسط معانيها , هي عنوان كبير وهوية للإنتماء الوطني والوجداني .
في العراق , أصبح التاسع من نيسان , فاصلة زمنية كبرى , ولجتْ تاريخ العراق الحديث , لتؤسسَ لمرحلة جديدة ,رغم عدم إنفصالها التام عما سبقها من مراحل , لكن الذي يميزها هو إفرازها لنوع من الحراك , يرتكز على جملة من المعطيات , تتحكم بها مجموعة من الخيارات الصعبة والتي تفرز بدورها سلسلة من خيارات إخرى لمسارات متباينة الرؤى , بعضها , أيْ المسارات , سالكة وواضحة المعالم, فيما تندرج الأخرى , في خانة المتاهات لمفازات السياسة وألاعيبها المتعددة .
المراحل التي سبقتْ 2003 , إتسمتْ فيها روح المواطنة في وجدان الفرد العراقي , بحركتي المد والجزر , لكنها جميعاً , ووفقاً لأبسط المعايير الديمقراطية بل وحتى الإنسانية , كانت الحكومات فيها , تستخدم منظاراً أعور , لا يرى في عنْصرَيْ معادلة مفهوم المواطنة أكثر منْ فرض الواجبات على مواطنيها , ويتجاهل في الوقت ذاته , الشق الثاني من معادلة المواطنة , وأعني به , الحقوق المترتبة للفرد على الدولة , إذْ من المعلوم أن المواطنة الحقة , يجب أنْ تتوفر على عنصرين أساسيين لبلورة مفهومها وتنشيطه داخل العقل الجمعي , هما الحقوق والواجبات , فكما أن للدولة حقُ فرضِِِ الواجبات على مواطنيها , فأنه في قبال ذلك أيضاً , حقوقاً للمواطنين عليها , وأن أي ترجيح لكفة من هذين العنصرين على الآخر , ودون أي مسوغ تفرضه الضرورة الملحة , ستخْتلُ فيه المعادلة , مما يعني أن المواطنة ستُفرغ من محتواها الوجداني والوطني والإنساني , وهذه الحال تكاد تكون وكما قلت , هي السمة التي سادتْ في المراحل السياسية السابقة . أما وقد إنتهتْ تلك المراحل التي إتسمتْ بإستبْدادها السلطوي , فماذا طرأ على مفهوم المواطنة من تغيير؟ وماذا تعني للفرد العراقي , وهل وجدتْ في أعماقه ووجدانه ومشاعره مكاناً مرموقا ؟ أمْ أنها تراجعتْ أو ظلتْ في تفاعلها داخل الكيان الأجتماعي , بذات المستويات التي كانت عليها قبل 2003 ؟ هذا ما سأحاول الوقوف عنده ولو إجمالاً , لأن هذه التساؤلات التي طرحتها هي بالتأكيد أكبر من أن تستوعبها المساحة المتاحة .
بالتاكيد ان العلاقة بين بلورة مفهوم المواطنة وتنشيط دورها الإيجابي في النهوض بمستوى الرقي والتحضر , له علاقة جدلية بإشاعة الممارسة الديمقراطية على الأصعدة الشعبية / منظمات مجتمع مدني وغيرها , أو الرسمية / مؤسسات الدولة بسلطاتها الثلاث , ولا نجانب الصواب إذا ما قلنا , بأن عجلة التغيير للمرحلة الحالية , سائرة نحو مرحلة التحول الديمقراطي , غير أن موضوع المواطنة لمْ يرقَ مع ذلك ,الى الآن للمستوى الذي يفترض به أن يسير بموازات حالات التغيير الصاعدة ,وبطبيعة الحال السبب في ذلك يعود الى جملة من العوامل , بعضها أخلاقية وبعضها سياسية وأخرى متأثرة بالإعلام المسوم الذي تبثه دول المنطقة التي لا ترضى بأي حال من الأحوال أن ينطلق العراق ويحلق في فضاءات التحضر والرقي , أما البعض الآخر , فهو خليط من ركامات العهد السابق الذي أسس لفجوة كبيرة بينه وبين أفراد الشعب نتيجة الإستبداد السلطوي ,وإفرازات الحاضر المتأتية من ضعف الثقة ببعض الكيانات السياسية الفاعلة فضلا عن الموقف الإسقاطي لبعض الشرائح , تجاه كل ما يدور من حراك سياسي .غير أن النظرة الموضوعية لواقع النخب السياسية العراقية يغنينا عن البحث في بقية العوامل التي ذكرتها قبل قليل , وهو عامل مهم لعب دوراً خطيراً وسلبياً في التأ ثير على عامل المواطنة . لا ننكر وكما اسلفت أن التجربة العراقية بعد 2003 وبرغم من ظروف الإحتلال القاهرة , فأن الكيانات السياسية , أسستْ لبناء التحول الديمقراطي , وهذا بحد ذاته محسوب لصالح العملية السياسية الجارية في العراق وليس عليها , لكن المشكلة التي تسببتْ بها الاطراف السياسية العراقية والتي أثرت تأثيرا سيئاً على دور المواطنة بشكل عام , هو غياب البرنامج السياسي الواضح لكل طرف سياسي من هذه الاطراف بحيث يشعرك بأن هذا الطرف السياسي أو ذاك هو واعٍٍ ومستوعبٍ لمتطلبات المرحلة بكل أبعادها , وثانيا , هو الإحباط النفسي الذي بدأ يستشْعره المواطن العراقي نتيجة لما لمسه من فارق كبير بين الوعود التي ألزمت الاحزاب السياسية بها نفسها , وهي وعود يرى المواطن فيها , أنها لم يتحقق منها على أرض الواقع إلا النزر اليسير منها , إضافة الى ذلك حالة الخلافات السياسية بين الاحزاب نفسها والتي تتجاوز بعض الأحيان , حدود المنافسة الشرعية المألوفة , أكثر من ذلك , أن مستوى الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطن , ما زال بعضها يراوح في مكانه بالرغم من مرور ستة أعوام على الأطاحة بالنظام السابق وبالرغم أيضاً من المبالغ الكبيرة التي ترصدها الحكومة للمشاريع الخدمية , لكن آفة الفساد المالي والإداري تبتلع معظم هذه المبالغ . صحيح أن الحالة الأمنية تأخذ حصتها الوافرة نظراً لما تتسبّبْ به من وضعها للعراقيل التي تحدّ من سير عملية البناء والإعمار , لكن هذا المبرر, غير كاف ولا تسْتسيغه قناعات الشارع العراقي .
إذاً فأن الاطراف السياسية الحالية , لا يمكن لها أن تتنصل من مسؤولية الإخفاق الحاصل في تراجع تفعيل دور المواطنة في المسار العام للمجتمع العراقي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقالات وإعفاءات في تونس بسبب العلم التونسي


.. تونس– اعتقالات وتوقيف بحق محامين وإعلاميين




.. العالم الليلة | قصف إسرائيلي على شمال غزة.. وترمب يتعهد بطرد


.. ترمب يواصل تصريحاته الصادمة بشأن المهاجرين غير الشرعيين




.. تصريحات ترمب السلبية ضد المهاجرين غير الشرعيين تجذب أصواتا ا