الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى تعريب التشيع

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا عدنا إلى الأصول التاريخية الأولى للتشيع ؛ و التي ربطناها في مقال سابق بخلافات سياسية ترتبط بسؤال الخلافة ؛ فإننا نجدها ذات بعد عربي صرف ؛ فالصراع السياسي الذي جرى وولد التشيع ؛ كان صراعا عربيا صرفا؛ بل و قرشيا بين عائلتين عريقتين في قريش ؛ عائلة الأمويين ( معاوية بن أبي سفيان ) و عائلة الهاشميين ( علي بن أبي طالب ) .
و تؤكد المصادر التاريخية أن العائلتين معا كانتا تقتسمان النفوذ في مكة قبل مجيء الإسلام ؛ و ظل هذا الوضع قائما حتى بعد مجيء الإسلام ؛ فأبو سفيان الأب ظل مدافعا عن مكانة الأمويين حتى آخر لحظة ؛ و حتى عندما فكر في الدخول إلى الإسلام ؛ الذي كان يعتبره دخولا تحت لواء الهاشميين ؛ ظل مدافعا عن مكانة الأمويين ؛ و لعل أبلغ ما يعبر عن ذلك هو أن النبي تكريما لأبي سفيان عند دخول مكة ؛ نادي في قريش : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" و زاد على ذلك بأن استقبل أبا سفيان استقبال المنتصرين ؛ رغم أن المسلمين دخلوا مكة بعد أن تمكنوا منها عبر القوة .
و لعل هذا هو ما يؤكد بالملموس مكانة الأمويين في مكة ؛ هذا الأمر الذي فطن له الرسول و تعامل معه بحنكة ؛ لأنه يعرف أن من يمتلك مقاليد الاقتصاد في مكة لا يمكنه أن يخضع خضوع المنهزمين ؛ بل و حتى إن أبدى ذلك فهو يفكر في استرجاع مكانته .
عندما اجتمع شمل أهل مكة بعد دخول المسلمين إليها ؛ جلس أبو سفيان إلى جنب أبي بكر الصديق ؛ و جعل يتفحص جيش المسلمين ؛ و ما يتميز به من قوة و همس لأبي بكر: " ما أعظم ملككم " ! لكن أبا بكر كان أكثر فطانة بما يخفي أبو سفيان ؛ فأجابه : " إنها النبوة " .
كان أبو سفيان ينظر إلى المسلمين الذين دخلوا مكة ؛ ليس باعتبارهم مسلمين ؛ و لكن باعتبارهم يشكلون جيشا هاشميا ؛ و كذلك كان ينظر إلى انتصار المسلمين كانتصار للهاشميين على الأمويين .
لذلك فإنه ظل يخفي طموحا خفيا لاستعادة أمجاد الأمويين ؛ حتى و هو بين المسلمين بعد أن أعلن إسلامه ؛ و هذا الطموح هو ما سيعمل معاوية خليفته على تحقيقه فيما بعد ؛ حينما سيحول النبوة إلى ملك ؛ و سيحقق طموح زعيم الأمويين .
و على الطرف الآخر ( الهاشمي) فإن طموح علي بن أبي طالب ( ابن عم النبي) و حتى طموح العباس ( عم النبي) لم يكن يختلف عن طموح أبي سفيان ؛ فهو طموح يرتبط بهدف أساسي هو تحقيق الاستمرارية في تقلد الهاشميين للسلطة ؛ باعتبارهم العائلة التي تمتلك رأسمالا رمزيا ؛ ارتبط قبل مجيء الإسلام برعاية الأماكن المقدسة (سقاية الحاج و رعاية المسجد الحرام ) ؛ كما ارتبط بعد مجيء الإسلام باحتضانهم للنبوة ؛ و هو رأسمال لا يقل أهمية عن الرأسمال الاقتصادي ؛ الذي يمتلكه الأمويون ؛ العائلة التي تمتلك مقاليد تجارة مكة .
إننا حينما نثير الحديث حول قريش و ضمنها عائلتان كبيرتان ؛ كانتا تقتسمان النفوذ داخلها ؛ فإننا في الحقيقة نثير الحديث حول التشكل الأولي لمذهبي السنة و الشيعة ؛ و هو تشكل يرتبط بالبيئة السياسية و الاجتماعية و الثقافية العربية ؛ و ذلك من خلال نشوب صراع حول النفوذ في مكة ؛ و حول من يمتلك مشروعية قيادة العرب ؛ بعدما تمكنت قريش كقبيلة من احتكار تمثيل العرب سياسيا و دينيا و لغويا ... و ضمن قريش لا يمكن الحديث عن هذا الصراع خارج العائلتين اللتين تقتسمان نفوذ قريش و العرب ( الهاشميون و الأمويون ) ؛ و هما العائلتان اللتان تمتلكان رأسمالا يمكنهما من قيادة قريش خاصة و العرب عامة باسم الإسلام و الخلافة .
إن هذه الخلفية التاريخية مهمة خلال هذه المرحلة ؛ التي يثار خلالها الحديث عن السنة و الشيعة ؛ كمذهبين يشكلان في الأخير خارطة العالم الإسلامي ؛ و تكمن إثارة هذه الخلفية التاريخية الآن في محاولة ربط العرب بذاكرتهم التاريخية ؛ التي يعرف الآخرون كيف يستثمرونها لخدمة مصلحتهم ؛ و تهديد الوجود العربي ؛ و ذلك لأن الذاكرة أحيانا تنجح في فك طلاسم الكثير من الأـحداث التي نعايشها في حاضرنا .
من هذا المنظور إذن فإن ما يسمى بالمذهب الشيعي ؛ هو جزء لا يتجزأ من الذاكرة التاريخية العربية ؛ يرتبط جوهريا بمجموعة من الأحداث التي عاشها التاريخ العربي ؛ أما ما يثار بخصوص ارتباط هذا المذهب بالقومية الفارسية ؛ فهو أمر لا يحدثنا به التاريخ ؛ لذلك فإننا يمكن تناوله من زاوية سياسية صرفة ؛ باعتبار يشكل إيديولوجية الدولة الفارسية ؛ رغم أنه لا يشكل جزءا من الذاكرة التاريخية للفرس .
يقودنا هذا الحديث في الأخير إلى إثارة موضوع التشيع العربي؛ من منطلق أن مجموعة من الدول العربية ينتشر فيها المذهب الشيعي ( لبنان – سوريا- البحرين – العراق...) ؛ و في هذا الإطار يجب أن نذكر بأن التشيع جزء من الثقافة العربية ؛ و لذلك لا يجب أن يتحول إلى خدمة للأجندة الإيرانية في المنطقة العربية ؛ بل يجب أن يرتبط بأصوله الأولى ضمن الثقافة العربية ؛ و يتحول بذلك من وسيلة للضغط الذي تمارسه إيران على مجموعة من الدول العربية بخصوص مجموعة من القضايا ؛ إلى مذهب ديني يمتلك مرجعية عربية ؛ مثله في ذلك مثل مذهب السنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألمديح ألعالي
جيفارا ( 2009 / 5 / 22 - 21:40 )
أخ أدريس رغم تعقد ألمشكلة وتشعبها ألا أن طرحك قريب كل ألقرب من ألواقع و الحقيقة ألغائبة أو ألمغيبة لاأجنداة سياسية ولكن لاأعتقد ان هذا ألتحليل ألعميق يليق بعقول ألخفافيش فأنك يا أخى أدريس تتحدث عن مرحلة ما قبل ألاسلام عن أيام قصى بن كلاب وعلاقتة مع قبيلة خزاعة فهذا ينم عن قراءة عميقووعى عميق في ألتأريخ فقد شخصت بدقة وأصبت الهد ف ألذي لايقبل بة أصحاب ألعقول ألنتنة أإلمسألة قبل أن تكون ذات طابع ديني كانت لها جذورتأريخية وهذة ألمشاكل بدأت من أيام (عبد ألدار ) وقد أخترقة هذة ألمشكلة ألدين ألجديد أنذاك وحتي ألاسلام لم يستطع أن ينهيها وختامآ المسألة لها جذور تأريخية (أقتصادية --وسيادية)لكنها أخذت طابع تبريري وهو أصلاح ألدين ولكن ألحقيقة تبقي حقيقة ---شكرآ

اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري