الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة ابليس

سعدون محسن ضمد

2009 / 5 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نظر الملائكة للمعنى المباشر لفعل الأمر اسجدوا، فسجدوا، ونظر إبليس لمبررات مطالبته بالسجود فلم يفهمها ما عطل طاعته وأوقعه بالعصيان. الأمر الذي يُرجح أن سبب محنته تكمن بطريقته في التفكير لا بعصيانه، فالعصيان نتيجة حتمية لتلك الطريقة المركوزة بجبلة هذا الكائن الخرافي.
ليس التمرد خيار المثقف النقدي، وإن كان يبدو كذلك أول وهلة، ذلك أن وعيه يُنتج التمرد لأنه قافز، بطبيعته، على الولاءات. المثقف النقدي لا يرفض الانتماء، لكنه لا يتمكن منه، لأنه لا يقرأ الفكرة أو يطالع الآيديولوجا أو يختبر الدين، ليفهم فقط، كما يفعل سائر الناس، بل ليختبر مبررات الحق بالبقاء، أو الجدوى الكامنة بهذه البنى النظرية. المثقف النقدي مسؤول عن تحديد تاريخ صلاحية البنى الارتكازية الخاصة بثقافة مجتمعه.
منظومة الوعي النقدية تنتج التمرد دائماً لأنها تشخص تناقضات الأفكاروعدم تماميتها. والمثقف النقدي يكشف ذلك لا لمجرد الكشف، بل لحماية نفس الأفكار من أن تصاب بالتخمة عندما تصدق بهواجس القداسة. كل الأفكار ـ والآيديولوجيات والأديان ـ تتضمن القابلية على التصديق بهذه الكذبة. وإذا لم يتم ردعها فإنها ستعمل على قمع الآخر ومصادرة حقه بالتفكير بصورة مباشرة أو غير مباشرة. كل الأفكار والآيديولوجيات والأديان فعلت ذلك عبر التاريخ، وكلها لم تتوقف إلا تحت أقدام ومعاول المفكرين النقديين، المتمردين.
هذه الإمكانية التي يتمتع بها أي كاتب أو مثقف أو مفكر لا منتمي، هي بمثابة الهبة، ليست له وحده بل ولمجتمعه، لكنها ومن جهة أخرى قابلة لأن تكون لعنة.. لعنة لا يتحمل تبعاتها وحده بل وجملة متابعيه ومحبية أيضاً. ذلك أنها تسبب له ولهم الكثير من الآلام والمتاعب، خاصة عندما يجد هؤلاء المتابعون أن معاول صاحبهم وصلت حدود أصنامهم، مايخرجه، بالنسبة لهم، من خانة الأبطال إلى خانة الأعداء.
عند مثل هذه الأزمة تتشكل واحدة من أهم العقد التي تعيق أكثر المثقفين من أن يتحولوا لمشاريع فكرية متماسكة؛ إذ يكون المثقف أمام خيارين، الأول: أن يتحاشى التعرض لما يخدش مشاعر متابعيه، فيباشر أولى خطوات خيانة ذاته. والثاني: أن يستمر بمشروع تمرده، ويقبل بخسارته لمتابعيه وربما عدائهم، لكنه سيحتفظ بإخلاصه لهم وصدقه مع ذاته... وبالمناسبة فقصة إبليس تترجم نحواً من أنحاء هذه الأزمة، وهي تحكي قصة المجتمع الذي يسمي التمرد بأسماء خبيثة ويعتبره شؤماً لا يجلب غير الحرمان والإبعاد. مخيراً المتمرد بين العودة إلى الطاعة أو التعرض إلى لعن الجميع بضمنهم الأصدقاء!! والسؤال هو: ماذا على المثقف أن يفعل؟ هل يسجد طائعاً، أم يستمر متمرداً ويقبل بخيار الإبعاد واللعن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه
Zagal ( 2009 / 5 / 27 - 04:01 )
فى الحقيقه دائما يصعب الاختيار بين الشئ ونقيضه فقط عندما لايكون لديك هدف او مبادئ تتصرف على اساسها ...
والاختيار فى هذا المقال يعتبر سهل لان مقياس الصح من الخطاء لايمكن معرفته من الناس بل من نفس الانسان ... وكلما كان الانسان واثق من نفسه سيعرف التصرف الصحيح من تلقاء نفسه ...

كما يقول الكتاب - ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه - .... وايضا كمايقول المثل -الملتحف بالناس عريان -.

فالانسان امام نفسه له قيمه كبيره وهى مانسميه -الاعتداد بالذات -.

فلكى اواجه العالم ينبغى ان اكون بداخلى قيم عليا ومبادئ وبدونها ساصبح ريشه فى مهب الريح بلاقيمه ولاتاثير .... وفى النهايه.

لايمكنك ان تعجب كل الناس كل الوقت فى كل الاشياء التى تفعلها.


2 - Zagal
سعدون محسن ضمد ( 2009 / 5 / 27 - 11:14 )
صحيح تماما وهذا ما اردت الوصول اليه شخصيا بعد ان وجدت ان الوجوه تتغير من حولي باستمرار دائما ياتي صديق يعجب ويتضامن مع ما اكتب او ما اقول، ثم ما يلبث ان يتحول الى الضد من ذلك ما ان اكتب او تفعل ما لا يسره او يحضى بقبوله.
شكرا على المرور الجميل وفعلا:
لا يمكن ان تعجب كل الناس كل الوقت في كل الأشياء


3 - الكون الذي اعرفه
سلام الشمري ( 2009 / 5 / 27 - 13:36 )
الانسان الفرد هو مركز كونه الخاص الحاوي على كل ماأدركه المرء من الكون الخارجي
هل هناك خارج كوني الخاص اكوان أخرى يأخذ الحق والباطل, الصح والخطأ, الأسود والأبيض, معنى يختلف عما فهمته؟؟
للاسف, نعم فالادلة العقلية والنقلية التي اعترف بها تؤكد لي ذلك
اتمنى لو اقنع الجميع بصواب محتويات كوني وصحة ما اصدقه واؤمن به وان يستبدلوا انصاف الحقائق التي يجمعونها ويهتمون بها بكمال ما فهمت رغم ضبابية الكثير من جوانبه مما لم اجد بعد الوقت الكافي من العمر لاصقله واكمله
وا أسفاه على مالم اكمل جمعه من معارف لان العمرسوف لن يكفي كما يبدوا
كم يلذ لي ان ابحر فيما كشفه آخرين من اكوانهم الخاصة ويطربني حتى الأنتشاء ان ادرك ان هناك صور هنا وهناك اكثر لمعانا حتى من صوري الخاصة التي اعتبرها الاعظم تشكيلاً والاكثر كمالاً بالطبع
يطربني اكثر ان ارى عبر بصر الآخرين مالم اره او اعلم به من قبل
ولحسن حظي لم يعلمني احدهم الاسماء كلها وألا لما احتجت للخروج خارج كوني
وهل هناك جحيم اسوأ من هذا
نعم يوجد اذا ما وجدت نفسي مرغما لعوق نفسي او ارغام خارجي على ان أتبنى حربا للتشويش على كل أكوان الآخرين
الشياطين خارج اكواننا ليست مخلوقات ماورائية أحادية القطب
بل صوراً اخرى منا تريد لغيرها ان يشاطرو


4 - لا تحلق عاليا الان بالذات
شاكر محمؤد ( 2009 / 5 / 27 - 15:01 )
لا البيئة ولا المناخ ولا التربة مهيئة لغرس بذورك فحلق الان داخل روحك الجميل وشكرا لك


5 - يا دوبك افهمت شوي هههه
سارة ( 2009 / 5 / 27 - 15:37 )
ايها الكاتب لم يكن سهلا علي
اقراء واعيد لافهم
شكرا

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran