الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة التغيير : الفرد بين فهم العالم ومعنى الضرورة

كريم الهزاع

2009 / 5 / 29
المجتمع المدني


إذا كانت الفردية بمعناها الصحيح هي مجموع العلاقات بين الفرد والمجتمع فإن قيام الشخصية الفردية يعني اكتساب وعي هذه العلاقات. وهذه المعرفة ملاء الشخصية وصيرورتها لأن العلاقات الضرورية عندما تعرف بضرورتها تتغير سماتها، ووعي هذه الضرورة يجعل الجهد ناجعاً ومحرراً. إن علم القوانين الضرورية التي تحكم المجتمع جعلت من الممكن استخدامها، عن طريق تطور التقنية ، لصالح الإنسان ، كما أن علم العلاقات الضرورية في الحياة الاجتماعية والمحصلات الضرورية للعلاقات الاجتماعية وأثرها على الإنسان جعل ممكناً امتلاك الذات والتحويل الناجع للعلاقات الاجتماعية . وهكذا تصبح المعرفة اقتداراً أي حرية. والتبدل الذي يطرأ على الشخصية والناشئ عن وعي هذه العلاقات هو، في الوقت نفسه ، تبديل مجموع تلك العلاقات. وما من إنسان يبدل من ذات نفسه أو يغير إلا في نطاق تبديله وتغييره المجموعة المعقدة للشروط والعلاقات التي يظل الإنسان منها في مكان العقدة أو واسطة العقد.
وعندما يرد الوعي إلى الكلية الاجتماعية يتكشف أن الأفكار والعواطف التي كان عليها الناس، في موقف حياتي معين، إذا ما تسنى لهم الإحاطة بها وبالمصالح التي تنجم عنها، سواء بالنسبة إلى الفعل المباشر أو بالنسبة إلى البنية المطابقة لهذه المصالح، يتكشف لهم أن هذه العواطف وهذه الأفكار وهذه المصالح الناشئة عنها تمضي كلية في شمولها عواطف وأفكار ومصالح مجموع الشعب . ومن خلال ذلك الحراك يتم وضع القوانين الجديدة منها ما يكون إجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً ، ولكن على القوانين بعامة وقوانين الاقتصاد بخاصة أن تصبح خادمة للمجتمع الذي يدار بوعي . إن التغاضي عن قوة الأشياء حماقة وغباء ولكن إدراك هذه الحقيقة تجعل مقاومة الأشياء سبيلاً إلى إزاحتها أو تخطيها وليس مجرد الانقياد لها. إن قوانين الاقتصاد التي تحرك المجتمع، متخطية عقول الناس، ينبغي لها أن تتجلى أو تعبر عن نفسها « إيديولوجيا » في عقول الناس بأشكال غير اقتصادية ، بمعنى آخر تتحوّل إلى سلوك حضاري . وفي تلك اللحظة بالذات يكون لقوة التغيير مفعولها الجديد المواكب للتحضر ، إذاً يظل الرهان دائماً على شكل العلاقات الاجتماعية ، وإن التغاضي عن شكل العلاقات الاجتماعية يؤدي إلى جعل التاريخ نهباً لسيادة اللا معقول والقوى العمياء وللصدفة وليس للضرورة ، وإذا كانت إرادة كل إنسان حرة حرية مطلقة بمعنى أنه إذا كان بوسعه أن يفعل ما يريد فلن يكون التاريخ إلا سلسلة من المصادفات لا تشدها إلى بعضها لحمة أو وشيجة، وإذا جاز ذلك فمعناه أن المضي في هذا المنطق حتى غايته تقويض لكل إمكان لوجود أي قانون عام للإنسانية. ولئن كان ثمة قانون شامل ملزم يحكم أعمال الناس فلا يمكن أن يكون هناك خيار حر، ولئن أخذنا الإنسان كموضوع للملاحظة، من أية وجهة نظر كانت: لاهوتية أو تاريخية أو أخلاقية أو فلسفية نجد أن القانون العام للضرورة يحكمه جميع الكائنات ولكن إذا تفحصناه على وجه مشخص، في مجال وعينا ، فلا بد أن نستشعر بأنه كائن حر. لهذا كانت حرية خيار الفرد قائمة بطبيعتها على هذه الضرورة التي يستكين لها ثم ينفذ منها في عملية من الرضوخ والانعتاق تمثل معنى الحرية الإنسانية العميق.
وموضوع الضرورة أوالتغيير ليس الإرادة وإنما تمثيل هذه الإرادة أو الشكل الذي تتلبسه ، والتغيير يبحث في شكل التمثيل الذي أخذته الإرادة والرغبة اللتان حققتا فيه حل مشكلة التعارض بين الحرية والضرورة ، إن العلاقة بين الحرية والإرادة تتناقض أو تتزايد تبعاً للزاوية التي يتفحص منها الحادث أو الفعل ولكنهما تطلان متناظرتين عكساً، وفي جميع الأحوال فإن الحرية تزداد أو تنقص تبعاُ لزيادة أو نقصان مفهوم الضرورة المرتبط بوجهة نظر من يدقق في الحادث أو يتفحصه، وأول قاعدة للدراسة هي العلاقة بين الإنسان والعالم الذي يحيط به والتفهم الواضح لما يعايشه وكذلك العلاقة الآنية التي تشده إلى العالم. وهكذا يتزايد أو يتناقض تمثيلنا للحرية أو الضرورة تبعاً للرابطة التي تشدنا إلى العالم الخارجي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار


.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف




.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين


.. يوم حرية الصحافة العالمي: قتل في غزة، قيود في إيران وسجن في




.. طلاب جامعة مكسيكية يتظاهرون تضامنا مع فلسطين