الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقلية المضطهَد(1)

كمال البلعاوي

2009 / 5 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الخائض في هذا الكم الهائل من الكتابات السياسية العربية الحديثة في العقود الماضية يفاجأ بالعقلية السائدة للأغلبية من الكتّاب و العديد ممن يسمون بالمثقفين العرب , وقد اتيحت لي الفرصة في عدة أحيان للإطلاع على بعض الإصدارات الإعلامية القديمة نسبياً من مجلات و صحف سياسية منذ منتصف القرن المنصرم و حتى الآن لأصدم بحجم التشابه و الإصرار على الابتعاد عن أي قراءة مادية موضوعية للواقع و الإيغال في المثالية و فرض أراء و أحكام مسبقة و أمنيات و أحلام على التحليل السياسي .
و للأسف فما زال التحليل السياسي أسير أغلبية من هؤلاء الكتاب الذين ليس لهم علاقة بالواقع فلا يستطيعون حتى توصيفه ناهيك عن استقراء مستقبله فيتخبطون بين متفائل يرى في أي إشارة مهما صغرت بداية التحرر و نهاية الاستعمار و الإمبريالية و الصهيونية و بين متشائم يرى في الأمر القائم نهاية الدنيا و التاريخ و أي إشارة للتغيير ما هي إلا فلتة من فلتات الزمان أو جزءاً من نظرية مؤامرة لا ندرك كنهها .
و المتفائل هنا هو الشخص أو المثقف الذي يميل إلى تضخيم اصغر الظواهر و يعطيها أبعادا ليست منها و يذهب في تحليله إلى أمدية لا مبرر للوصول إليها, فتصبح أي نكسة للولايات المتحدة هنا أو هناك و مهما صغرت بداية لانهيار الولايات المتحدة و الإمبريالية العالمية و الرأسمالية و أي أزمة اقتصادية هي أيضا بداية انهيار الولايات المتحدة و الرأسمالية مع أن هذه الأزمات موجودة منذ بداية ظهور الرأسمالية, و قد مرت هذه التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية بعدد كبير من الأزمات الضخمة مثل الكساد العظيم و الركود بعد الحرب العالمية الثانية و ازمة النفط و انعكاساتها في 1973 فلم تؤدي إلى انهيارها و اذكر كل الحديث في بداية التسعينات عن ظهور اليابان كبديل للولايات المتحدة اثناء التقدم المطرد لليابان في تلك الفترة و ركود اوائل التسعينات في الولايات المتحدة فلم يكن هذا الحديث اكثر من تمنيات , و نذكر المبالغة احياناً في وصف السلبيات التي يعاني منها الكيان الصهيوني حول أزماته الداخلية المالية و الاجتماعية و حول الهجرة المعاكسة و الكثير من المظاهر الأخرى , و التي إن كانت صحيحة إلا أنها توضع في سياق بعيد عن سياقها الحقيقي كمجرد سلبيات لن تستطيع القضاء على هذا الكيان في القريب العاجل , و مع ذلك فيجب إدراك أن هذه التحليلات و بالرغم من ابتعادها عن أي تحليل واقعي مبني على الحقائق إلا أنها تصدر عن أشخاص يتوقون إلى الحرية و التخلص من نير الاستعمار و الإمبريالية و هذا ما يدفعهم إلى السير خلف سراب , فهم أصحاب نوايا حسنة إلا أن طريق جهنم مرصوف بالنوايا الحسنة و هذا التحليل الذي يتمنى البعض صحته أكثر مما يثق بصوابه فيعتقدون أنهم بهذا يقومون بحماية الجماهير من اليأس و يحفزونهم على المشاركة في العمل الوطني العام يؤدي بالنهاية إلى نتائج عكسية أفقدت الجماهير ثقتها بالكتّاب و المثقفين و حتى بالقضية إلى حد ما .
أما المتشائم فهو الشخص الذي ينظر بسوداوية إلى الواقع كما المستقبل موقناً بأن الظرف القائم لن يتغير و أن الولايات المتحدة ستستمر بحكم هذا العالم و أن الكيان الصهيوني سيبقى صخرة على صدر هذه الأمة و أن تحرر الأمة و نهوضها إنما هو حلم طوباوي لا يقول به إلا بعض المراهقين الحالمين الذين لم يدركوا – مثلما أدرك هو – من كل التجارب السابقة و الهزائم و النكسات أننا سنبقى نراوح مكاننا فتصبح الأحداث العالمية أو المحلية مهما عظمت ليست أكثر من مجرد أحداث عابرة لن تؤثر على الوضع القائم و هؤلاء يكونون غالبا على شكلين إما حالم سابق مفرط التفاؤل انتقل إلى حالة من اليأس كنتيجة لانهيار هذه الأحلام فإما يغرق في حالة من السوداوية و يدخل في ممارسات مازوشية ينتقم فيها لحاضره من ماضيه و ليأسه من أمله و ينزوي مهاجما البقية التي ترى أن هناك أملا في التغيير و يرى نفسه في موقع المتفوق عليهم و الذي تجاوز مرحلة الطفولة التي يعيشونها هم , و إما انتقل إلى صفوف الأعداء منظراً لهم و مدافعاً عنهم و يسوق الحجج ليبرر لهم اضطهادهم لنا مثلما حدث مع الكثير من الشيوعيين عند انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات فالكثير منهم إما انعزل عن العمل العام إما انحاز إلى معسكر أعداءه السابقين .
و إذا حاولنا تفسير هذه الظاهرة التي طالت حضارة بأكملها بكتابها و مثقفيها يسير بنا المنطق إلى سبب رئيسي و أساسي لا يمكن إغفاله هو الاضطهاد الحضاري , فأضحت اغلب الكتابات السياسية و حتى طريقة التعاطي مع المسائل السياسية نتيجة مباشرة و إفرازا لعقود من الاضطهاد المتواصل و الشعور بالدونية الحضارية على كافة الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و هذا الاضطهاد بالذات هو الذي أدى إلى ضعف عام طال مستوى الفكر العربي و بينما كانت الإمبريالية تدمر الأسس الاقتصادية و الاجتماعية لتطورنا فإنها كانت تدمر في نفس الوقت ثقافتنا و مثقفينا مفرزتاً إما فكراً ضعيفاً مفككاً أو فكراً عميلاً تابعاً .
و كما أن اضطهادنا هو الذي ينتج مفكرين و مثقفين أصحاب مستوى منخفض فهو الذي يؤدي بهؤلاء المثقفين إلى التفاؤل المفرط كحلم للتخلص من هذا الاضطهاد أو إلى التشاؤم المفرط كنتاج لليأس و العلاقة هنا جدلية متبادلة فالمستوى المنخفض هو الذي يؤدي إلى التفاؤل و التشاؤم و هذين هما جزء أساسي من ضعف المستوى الفكري , ونرى هنا أيضا أن الجامع بين شكلي الانحراف – التفاؤل و التشاؤم – هو غياب القدرة على التحليل المادي فهم لا يمتلكون أسس هذا التحليل بل يكون تحليلهم خبط عشواء يضرب هنا و هناك تصيب حيناً و تخطأ أحيانا فهم لا يمتلكون الشروط الضرورية للقيام بعملية التحليل السياسي من منهج و أسس للتحليل إلى المعلومات اللازمة و لمن أراد أن يتابع نتائج هزائمنا الحضارية و جزءاً من أسبابها فليتابع الاطروحات و التحليلات السياسية في الكتابات العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد اغتيال نصر الله، ما مستقبل ميليشيا حزب الله؟ | الأخبار


.. اختيار صعب بين نور ستارز وبنين ستارز




.. نعيم قاسم سيتولى قيادة حزب الله حسب وسائل إعلام لبنانية


.. الجيش الإسرائيلي: حسن نصر الله وباقي قادة حزب الله أهداف مشر




.. ما مستقبل المواجهة مع إسرائيل بعد مقتل حسن نصر الله؟