الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التعليم الديني- لكي لا تحاسبنا عقول أولادنا

محمد حسين الأطرش

2009 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الرجوع عن الخطأ فضيلة وفضيلة إلغاء التعليم الديني من المناهج التربوية، على حد سواء في المدرسة العامة أو الخاصة، يعيد الأمور إلى الطبيعة التي كان ينبغي أن تكون عليها. لم تكن المدرسة يوما المكان الصالح لتعليم الدين إذا ما أريد لها أن تكون دولة علمانية يسود فيها العدل والرقي والبعد عن الطائفية. والدولة بذلك لا تستقيل من إحدى وظائفها لكنها تعيد ما أخذته يوما من البيت أو المؤسسة الدينية نتيجة إصرار الطوائف على تدريس التعليم الديني.
لا ينسجم التعليم الديني مع الوظيفة الاجتماعية للمدرسة فيكف يمكن للرافعة التعليمية أن تكون مكانا للتبشير الديني. ناهيك عن أن كل مدرسة تُبشِر بتعاليم الطائفة التي تنتمي إليها وبذلك تساهم الدولة في خلق أناس منغلقين على طوائفهم بعيدين كل البعد عن فكرة قبول الآخر أو الحوار معه. خصوصا وأن التعليم الديني لا يركز على المساحات القيمية والاخلاقية المشتركة بين الناس ليساهم في توحيد المجتمع.
طرح الموضوع اليوم في كيبيك، إحدى المقاطعات الكندية، مرده إلى القانون الذي دخل حيز التطبيق في كيبيك مع بداية العام الدراسي والذي ألغى تدريس مادة الديانة لمذهب معين في المدارس واستعيض عنه بكتاب موحد يشرح الاديان السبعة الكبرى للتلاميذ مع تدريبهم على قبول الآخر ومعتقده وتمكينهم من التفكير عقليا في ما يقدم إليهم ومناقشته.
لا أخفي أن المنهجية الجديدة ينقصها بعض الإيضاحات فيما يتعلق بكيفية تقديم بعض المفاهيم الماورائية وكذلك طريقة التقييم لكن ذلك يشكل دافعا للعمل على التفكير مليا في كيفية تجاوز تلك السلبيات والعودة إلى التعليم الديني داخل المدارس العامة والخاصة وفق ما قامت به العديد من الجمعيات خصوصا داخل الجالية.
الغريب أن هذه الأصوات المنادية بالعودة عن المنهجية الجديدة تبرر ذلك لأنها ترفض وضع الأديان والحركات وحتى "البدع" على قدر متساو واحد. مما يعني أن كل طائفة أو مذهب يعتبر نفسه أعلى مرتبة من الآخر حتى أنه يسمح لنفسه اعتبار دين الغير "بدعة".
أضف إلى ذلك أن هذه التحركات إنما تعلن رفضها خوفا من أن ينبذ الأولاد تعاليم دين العائلة أو الخوف من أن تستهويهم ديانة آخرى فيهربون إليها ناهيك عن اعتبارهم إتاحة الفرصة للأولاد للنقاش وإظهار وجهات نظرهم يضعف الايمان خصوصا أن حلقات النقاش تتميز بسيطرة أحدهم بسبب قوة تأثيره مما قد يدفع الأولاد لتغيير دينهم.
أكثر من ذلك أن هذه الأصوات المحتجة تعتبر أن الخطر الداهم في المنهجية الجديدة أنها تعتمد مبدأ التسامح مما يؤدي إلى التنازل عن قيم ثابتة كانت تشكل حقيقة ويدفع إلى اعتماد القيم المشتركة بدل القيم الدينية.
ببساطة إن كل ذلك يعني أنهم يخافون من أن يعطى أبناؤهم القدرة على التحليل والاستنتاج بما يتيح لهم رفض بعض الأفكار التي يجدونها لا تتناسب وعصرهم والذي يمكن أن يشكل دعوة حقيقية لتجديد الفكر الديني. وإذا كان الكاتب المعروف أحمد البغدادي يعتبر أن تجديد الفكر الديني دعوة لإستخدام العقل فإننا نرفض هذا التجديد ونمنع أولادنا من التفكير في هذا الإتجاه.
وكيف يمكن أيضا أن نطلب منهم إلغاء ما تم بحجة أننا نرفض أن يتعلم أولادنا التسامح كما يعني أننا نرفض اعتماد القيم المشتركة. فهل يعني ذلك أنهم ضد التسامح وأن القيم المشتركة لا ينبغي إحترامها؟.
المشكلة من هنا والاجابة من هناك
نجحت كيبيك في تطبيق المنهجية الجديدة التي تساهم في خلق نواة مواطن في الوقت الذي فشل فيه " المركز التربوي للبحوث والانماء" في لبنان من وضع كتاب ديني موحد من شأنه التركيز على المشترك القيمي بين الاديان المتعددة. لكن التجربة آلت الى الفشل لأن الطوائف انطلقت في مقاربة المسألة من كونها صاحبة الدين وبالتالي فهي الأقدر على تعليم مبادئه. لكن الغريب أن التأكيد على أهمية الخطوة، التي قام بها المركز، أتت في معظمها من رجال دين مسلمين ومسيحيين يشهد لهم الجميع بسعة العلم. فهل يمكن للمعترضين هنا أن يطلعوا على ما قدمه هؤلاء؟.
المطران غرغوار حداد، أحد رجال الدين المؤيدين للعلمنة الشاملة يرى ضرورة التمييز بين التثقيف الديني الشامل والتربية المحصورة في مذهب واحد. مما يعني ضرورة إيجاد منهجية موحدة للتثقيف الديني على مساحة الوطن وهو ما أكده العلامة محمد حسين فضل الله الذي اعتبر أن مشكلة التعليم الديني عائدة إلى كونه يتناول المذهب في مفرادته وليس في ثقافته لذلك فهو يؤول الى ترجيح كفة مذهب ديني على سواه.
السيد على الامين، مفتي صور(جريدة نداء الوطن عدد 2090-الثلاثاء 28 ايلول 2008) اعتبر أن مهمة التعليم الديني هي مهمة الكنائس والمساجد، والمدرسة هي التي تصنع العيش المشترك والواحد لتكون أساسا للوطن الواحد" وعاد وأكد (جريدة النهار اللبنانية عدد 20462- الأربعاء 29 ايلول 2008) أنه إذا كان لا بد من التعليم الديني في المدارس فيجب تشكيل لجنة من رجال الدين المسلمين والمسيحيين لتأليف كتاب ديني موحد يتحدث عن أهداف الاديان الواحدة وعن أخلاق الانبياء ومواعظهم من دون التحدث عن خصائص المذاهب وتفاصيلها التي يأخذها الانسان من المسجد والكنيسة والمحيط الذي يعيش فيه". ما ذكره العلامة الأمين يصح منطلقا للمنهجية التي دخلت حيز التطبيق في كيبيك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانية والدين
مختار ( 2009 / 5 / 30 - 12:45 )
مقالك في غاية الحصافة والعمق.
حبذا لو تنتبه المجتمعات العربية الأخرى للطريقة التي يتم بها تدريس الدين الإسلامي في مدارسها والتي يطغى عليها عموما تغييب العقل واحتقار الآخر.
تحياتي

اخر الافلام

.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح