الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الركود الاقتصادي، وتغير المناخ، و العودة للتخطيط (أنطوني جيدنز)

ناجي نصر

2009 / 5 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بقلم: أنطوني جيدنز، ترجمة: ناجي نصر


مدخل:(فريق الترجمة)

اشتهر أنطوني جيدنز في الدوائر السياسية العالمية عندما خرج بكتابه «الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية» في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.وقد اطلق على المذهب الجديد بالاضافة الى الطريق الثالث بنموذج التكاتف المجتمعي Communitarian. و اكتسب انطوني جيدنز أهمية مضاعفة، أولاً في بلده بريطانيا، بالنظر إلى الدور الذي لعبه باعتباره المُنظر الأبرز للإصلاحات التي أدخلها رئيس الوزراء البريطاني السابق،توني بلير على سياسات حزب العمال، تلك الإصلاحات التي أوصلته إلى السلطة بعد حكم مديد لحزب المحافظين، بل ومكنته أيضاً من الاحتفاظ بأغلبية مقاعد البرلمان البريطاني إلى اليوم ما ضمن له الاستمرارية في الحكم مدة تزيد على العشر سنوات. وثانياً، اكتسب أنطوني جيدنز أهمية عالمية، جراء كون كتابه المنوه اليه أعلاه قد شكل حجر الأساس في التحولات البرنامجية التي اعتمدتها الاشتراكيات الديمقراطية في أوروبا.وثالثا، شكّل جيدنز مدرسة فكرية عملاقة هدفها الديمقراطية الاجتماعية، ومعقلها الرئيسي مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم الاجتماعية.*

****

في الوقت الحاضر، تغير المناخ، والموقف الواجب اتخاذه، هي التساؤلات التي تتصدر الأخبار. الأمر ذاته يحدث، بطبيعة الحال، مع الركود الاقتصادي، و على مستوى عالمي أيضا. هذا الأمر مقلق للغاية في حد ذاته. ولكن في النهاية ما هي العلاقة التي يمكن أن تتوطد بين هاتين المشكلتين؟

حسب سيغموند فرويد، أي أزمة ممكن أن تحفز الجانب الايجابي من شخصيتنا، كونها تشكل فرصة للبدء من جديد، وهذا الأمر أثار انتباه القادة السياسيين، اقتداء بالرئيس باراك أوباما، الكثير منهم ذهب إلى فكرة" الصفقة الجديدة" New Deal للتغير المناخي. الأمر الذي يعني أن الاستثمار في مجال التكنولوجيا التي تنتج القليل من ثاني أكسيد الكربون، والمواد العازلة للمباني، واستخدام وسائل النقل العام قد يكون حاسما لاعادة بناء الاقتصاد.

نيك ستيرن، صاحب تقرير ستيرن الشهيرعن اقتصاديات تغير المناخ، أشار إلى أن هذه التدابير تحتاج إلى إنفاق ما لا يقل عن 20 ٪ على الأقل من الأموال اللازمة لخطط الإنعاش. مقترحات أوباما تبدو ضئيلة بعض الشيء في هذا الصدد. ولكن بعض البلدان تخصص أكثر من ذلك بكثير، كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، تكرس لهذه التدابير لا يقل عن الثلثين من خطط انعاشها.

أنا من مؤيدي هذه الصفقة الجديدة لتغير المناخ ، وأعتقد بأنها ستؤدي إلى الفائدة المزدوجة المرجوة منها (التي ستكون في الواقع ثلاثة أضعاف فيما لو نجحت هذه البلدان في تقليل اعتمادها على النفط الخام المستورد). ومع ذلك، فإن التأثير المحفّز الذي تحدث عنه فرويد يجب أن يدفعنا لكي نوجه أفكارنا وأعمالنا الى جبهة أوسع بكثير.

نحن في ذروة ثورة عظيمة، لزوال وشيك للاقتصاد المعتمد على النفط، حان الوقت للبدء بتقييم آثارها المحتملة، والتي تمتد من الجوانب المحددة والاساسيات إلى التفاصيل بعيدة المدى والقائمة على التكهنات.

من الناحية العملية ، لا بد لنا من إيلاء اهتمام كبير للوظيفة. وطبقا لمؤيديها، الصفقة الجديدة لتغير المناخ ستخلق من ذاتها فرص عمل جديدة، ولست على يقين من ذلك في حال أننا، و كما ينبغي أن يكون، نتحدث عن صافي فرص العمل، أي فرص عمل أكثر من السابق، بزيادة كمية الطاقة الناتجة عن وسائل تتسبب بانبعاثات أقل لثاني أكسيد الكربون، بالتالي "كفاءة استخدام الطاقة energy efficiency"، بعض العاملين في القطاعات المرتبطة بانتاج الوقود الاحفوري fossil مثل الفحم ، سيفقدون عملهم. الجزء الأكبر من الابتكارات التكنولوجية بدلا من أن تزيد من الحاجة إلى اليد العاملة، ستقوم بتخفيضها.

إن فرص العمل التي ستنتج عن التكنولوجيا المبتكرة بذاتها أقل من تلك التي تنتج عن التغيرات في نمط الحياة المتولد عن مواجهة التغير المناخي وتعزيز أمن الطاقة. ستتغير المدركات ومعها الأذواق. الاقتصاد الجديد سيكون بشكل جذري ما بعد صناعي أكثر مما هو عليه الآن. بنفس الطريقة التي تم العثور عليها سابقا لتنشيط مجالات منطقة الأحواض(جزء من المرفأ تشغله الأحواض) dockland والصناعة الملاحية shipping، والتي قد تلاشت. الامر متروك لأصحاب المشاريع لرصد الفرص الاقتصادية التي تؤدي إلى التوسع.

في التقكير حول أي نوع من انواع الانعاش الذي يجب أن يتيح لنا الخروج من الركود، يجب أن نفكر بشكل جدي في طبيعة النمو الاقتصادي بحد ذاته، على الأقل في البلدان الغنية، من المعروف منذ وقت طويل أنه فوق مستوى معين من الرخاء والنمو، النمو لا يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الرفاهية الشخصية و الاجتماعية. حان الوقت لاضافة معايير جديدة أكثر توازنا للناتج المحلي الاجمالي، لقياس الرفاهية وإعطاؤها صدى سياسي حقيقي.

حان الوقت للشروع في نقد ايجابي ومستمر لنزعة الاستهلاك، والتي قد يكون لها وزنها السياسي، الآن هو وقت اكتشاف كيف يمكن ضمان أن لا يؤدي الانعاش الى العودة لمجتمع التكديس المالي.

عهد رفع القيود " التاتشاري" انتهى، الدولة تعود، نحن بحاجة إلى سياسات فاعلة للتصنيع والتخطيط، مركزة على المؤسسات الاقتصادية ، و لكن على تغير المناخ وسياسة الطاقة أيضا.

ومع ذلك ، يجب أن نتجنب أخطاء الأجيال السابقة من المخططين. هنا أيضا تظهر العديد من المشاكل. نفكر، مثلا، في تكنولوجيات الطاقة المبتكرة، إذا أصبح الوقود الأحفوري من التاريخ في أي وقت من الأوقات، التكنولوجيا ستتغير بشكل جذري، ومع ذلك، كيف يمكن للحكومات ان تقرر ما هي التكنولوجيا التي يجب دعمها؟ كيف يمكنهم مواجهة حقيقة أن - كما حدث مع الانترنيت- اغلب الابتكارات التقنية الأساسية في الغالب لا يتوقعها احد قبل حدوثها؟

لا بد لنا من ايجاد دور جديد للحكومة ولكن أيضا لآليات السوق.فجأة ، الأدوات المالية المعقدة ، التي تعتبر المسؤولة عن كارثة الأسواق، خرجت عن المألوف، ومع ذلك ، فإننا لا نزال في حاجة إليها، لأنه، في الواقع، وضع نظام مناسب، بدلا من الوقوف ضد الاستثمار الطويل الأجل، هما المفتاحان اللذان يجعلان ذلك ممكنا.

التفكير في قضية التأمين التي تغطي الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية القاسية مثل الأعاصير في منطقة البحر الكاريبي، والتي ستكون أكثر شيوعا وأكثر قسوة، لأنه يكاد يكون من المؤكد أنه سيحدث بعض التغير المناخي. التأمين ضد الخسارة الناتجة سيكون احد الطرق الرئيسية للتكيف معهاـ طالما ان الشعوب الأشد فقرا هي المعنية.، سيتعين على شركات التأمين الخاصة توفير جزء كبير من رأس المال، لانه ومع التزاماتها الكثيرة في قطاعات أخرى يمكن أن تكون ضمانة تشكل الملاذ الأخير.

في نهاية الأمر، نجد أنفسنا امام أصل كل ذلك، العولمة، التي تقدمت بسرعة عالية دون أن تخضع لضوابط دولية كافية. المستقبل يتطلب كفاءة في تنظيم الأسواق المالية العالمية. التي يمكن أن تمهد الطريق للتعاون الأساسي اللازم للتصدي لتغير المناخ (في هذا الصدد ، عندما تستعد 200 دولة لعقد اجتماعات في كانون الاول / ديسمبر( 2009) والتي سوف تستضيفها الأمم المتحدة في كوبنهاجن ، سيتعين علينا أيضا أن نعيد التفكير في الكثير من الامور). في الأزمة المالية وتداعياتها، طرق تفكير راسخة عانت من هزة من الممكن بل ويجب أن تكون ذات أهمية كبيرة، نجد أنفسنا في نهاية نهاية التاريخ.

صادر عن فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب http://www.3almani.org

* يرجى مراجعة :

- مذهب جديد في السياسة والتربية، فيليب اسكاروس، وعصام قمر، المكتبة العصرية، المنصورة، مصر، 2008
- الاستبعاد الاجتماعي: جون هيلز ورفاقه، ترجمة محمد الجوهري، سلسلة عالم المعرفة، ع 344، 2007 (فريق الترجمة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ساهم متابعي برنامج -ماذا لو- بتطوّره؟ • فرانس 24 / FRAN


.. رومانسية خيالية، غرام مأجور... اليابان، مختبر أشكال الحب الج




.. العنف الجنسي ضد القاصرات: -ظاهرة متجذرة- في الـمجتمع الـمصري


.. فوضى ونهب وعنف في كالدونيا الجديدة.. هل استقر الوضع الأمني؟




.. التطبيع السعودي الإسرائيلي.. غاية أم وسيلة؟