الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفسيفساء السورية في مسرحية (المرود والمكحلة)

مايا جاموس

2009 / 6 / 2
الادب والفن


قُدمت على مسرح دار الأوبرا بدمشق مسرحية (المرود والمكحلة)، تأليف عدنان العودة، إخراج عمر أبو سعدة. النص تشبه موضوعاته بالعموم موضوعات نصوص عدنان العودة المسرحية (خيل تايهة) و(ثنائيات). تنتمي المسرحية إلى البيئة البدوية عموماً، أحداثها تدور في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية حيث تتنوع الإثنيات والمذاهب، فهنالك العرب من البدو، والشركس والأكراد، والأرمن.. وتتشابك العلاقات.
هنا في المسرحية نحن أمام حكاية تبدأ من جيل ينتمي إلى المجزرة التي ارتُكبت بحق الأرمن. يفقد الطفل الأرمني غريغور عائلته بالمجزرة فيجده بدويّ ويتبناه مع زوجته، غريغور ينشا كعربي بدوي ويشب ويتزوج من شركسية، وينجب ولدين لكل منهما حكاية، الابن (شامل) زير نساء يقوم بخطف امرأة متزوجة (وردة) تنتمي إلى مذهب آخر ولديها ابنة (ناديا) تتركها مع والدها، أما ابنة غريغور (أزنيف) فتتزوج من (فقرو) زوج وردة ، حتى نصل بتلك المراحل من العلاقات إلى جيل ناديا حيث تكبر وتأتي لزيارة إخوتها من أمها وردة وزوج الأم شامل، وتعزيهم بوفاة الأم ويتبين أن ناديا لم تعرف أمها ولم ترها منذ غادرت الأم مع شامل.
المميز في نصوص عدنان العودة هو تلك البيئة البدوية التي لا تحضر عادةً في المسرح السوري، فهو يتطرق إلى عادات وسلوكات وتناقضات اجتماعية تتعلق بالانتماءات الإثنية والمذهبية، من خلال حكايات لعدد من الأشخاص، منها ما هو فاعل في النص بقوة ومنها ما يأتي ثانوياً مستكملاً المشهد إنما بشكل مشوق وممتع ومحبوك، يُظهر معرفةً بتلك البيئة وبتفاصيلها، حتى هنا في العرض تبدو اللهجة البدوية بشكل خاص ذات جمالية وإمتاع في العرض.
يركز العرض على مرحلة سابقة عاشتها سورية، دون أن يكون همُّه متابعة عائلة أرمنية أو شركسية أو بدوية أو ذات مذهب آخر أو إثنية أخرى، إنه يهتم بدراسة مجموعة علاقات بتركيبة متنوعة فسيفسائية المذاهب والإثنيات، ترينا المسرحية كيف كان الوضع أيام زمان في سورية، فالناس متعايشون رغم وجود بعض المشاكل المعممة نسبياً أو ذات المصدر الواحد تقريباً كمسائل الشرف والزواج والجهل.. يركز العرض على تلك المرحلة بلعب زمني ثم يصل إلى مرحلة زمنية معاصرة مع ناديا الشابة وأخيها غير الشقيق لكن دون تحديد دقيق للمرحلة الزمنية، ودون أن يقوم بقطع زمني أو فصل زمني واضح بين الماضي والحاضر. بحيث بدا ما عرضته المسرحية من صورة وردية كأنها مستمرة في الحاضر، وهذا غير دقيق فالعلاقات التي ساقتها المسرحية لم تعد على الشكل السابق، إذ دخلت الكثير من التناقضات والحساسيات على مر الزمن. وفي الواقع فإن المسرحية أدخلتنا في الحاضر دون عرض للوقائع الحديثة لا سلباً ولا إيجاباً إلا إذا استثنينا أن ناديا الآن هي شخص مشوش وتائه يبحث عن نفسه مقلداً الآخرين منجرّاً وراءهم.
ويمكن القول إنه كان في العرض مستويان، مستوى التعايش وتشكّل الهوية المبنية على أساس التعايش وقبول الآخر واحتوائه وتبنّيه أحياناً، أما المستوى الآخر فتسأل فيه الشخصية (ناديا) عن هويتها عبر سؤالها (من أنا؟)، (من أمي؟)، ومن حقنا أن نتساءل أو أن نطالب بتفسير لهذه النقلة، فالعرض قد تخلى عن الإجابة أو مقاربة الأسباب التي أدت إلى هذا التيه، وهنا بالتأكيد لا يمكن إسقاط تهم هذا التيه وعدم التصالح مع الواقع وحقيقة الأصل وتشوه العلاقات بين الأقارب في الزمن الحاضر، على تركيبة التنوع الفسيفسائي رغم أن العرض يبدأ بعبارة (أول القصة غريغور)، إذاً هنالك هروب من مقاربة البحث في عمق شخصية )ناديا) الضائعة وهواجسها والعوامل التي تتحكم بهذه الهواجس. وكان من المنطقي أن نتوقع قراءةً في انتقال بنية المجتمع من البداوة إلى المدنية، والتغيرات التي طرأت على البنى الاجتماعية ومنظومة القيم بين هاتين المرحلتين.
تبقى أهم مسألة أبرزها العرض هي التغني بتلك العلاقات العفوية الصادقة المتسامحة المتفهمة لثقافة الآخر وتتعايش معه على ذلك الأساس وتقبله وتحتضنه، دون أن يوجه العرض المتفرج ليقوم بعقد المقارنات بين الماضي والحاضر، أو أن يقدم تحليلاً لأسباب تغيّر تلك الصورة.
بذلك الشكل تقدم المسرحية صورةً وردية عن المجتمع السوري وهي صورة كانت حقيقية في مرحلة سابقة، لكن بالوصول زمنياً إلى جيل وردة الشابة طالبة الجامعة، لم تعد تلك الصورة كما هي بفعل شروط عامة سياسية وثقافية لم يقترب العرض من أي منها.
وإحدى القضايا التي عبّر عنها العرض دون موقف واضح منها هي جريمة الشرف، في حين تبرز إلى جانبها عادة الشركس في الزواج خطفاً.
تضمّن العرض إشارات عديدة لقيم وعادات لدى تلك التركيبة الاجتماعية، فهنالك مثلاً الموقف شبه المعمم من المرأة، وإن أشار العرض إلى بعض التباينات، فيمكننا أن نلاحظ مثلاً تكرر مشهد المرأة الجاثية عند قدمي الرجل، المرأة التي تعاني من خلل في علاقتها الجسدية بزوجها، مسألة الشكوك بالمرأة، واتهامها إلى حدود القتل. وكان هنالك إشارات أخرى في العرض (سياسية بشكل خاص) كصورة جمال عبد الناصر فكانت دلالة واضحة إلى الانتماء الوطني والقومي الذي يجمع زوجين من مذهبين مختلفين، لكن دون التعمق فيها، بشكل بدا وكأنه تجنُّب الخوض في الجانب السياسي، وصورة غيفارا التي تحدثت عنها ناديا، إذ اكتفى العرض بالإشارة، وهرِب من الحديث عن الموقف الفكري الذي يقف وراء تلك الصورة، حتى لو كان الأمر ضمن سياق تقليد الآخرين.
فضاءان تدور فيهما المسرحية، الأول هو فضاء الحكايات النابع من البيئة البدوية حيث تلك التركيبة من العلاقات والقرابات، أما الثاني فهو فضاء معاصر يتجلى من خلال تقديم تلك الحكايا في مسرح حديث أمام جمهور معظمه من جيل الشباب، وتقديم المشاهد على خشبات متحركة على عجلات، بوجود ديكورات مفرطة في واقعيتها واهتمامها بالتفاصيل، وتقديم المسرحية على شكل لوحات أو مشاهد ذات بنية أفقية هي بنية السرد الممسرح، بطريقة الفلاش باك لكن دون ترتيب أو تتابُع زمني، وكأنما أحضر لنا فريق المسرحية تلك الحكايا من بيئتها البدوية إلى دمشق ومسرحها، مع إبقاء ذلك الفاصل بيننا وبين الحدث، تؤكد المسرحية مرة أخرى فكرة الانتقال من البداوة إلى المدنية دون تحليل أسبابها وعرض مظاهر التغيرات فيها.
في النهاية تقدم المسرحية فرجةً جميلة وممتعة ومشوقة تحاول الخروج من نمط التكثيف المعهود في المسرح، للخروج إلى التفاصيل والجزئيات والحوارات ذات البنية السردية التي لا تخرج عن السياق العام للحكاية بل تغنيها.
المسرحية من تمثيل أدهم مرشد، جمال سلوم، سلطان العودة، لويز عبد الكريم، محمد زرزور، ناندا محمد، نسرين فندي، هدى الخطيب، والطفل روميو كوشي، سينوغرافيا بيسان الشريف، موسيقا محمد عثمان، دراماتورج محمد العطار الحسيني. العرض إنتاج دار الأسد، ووزارة الثقافة ومؤسسة سيدا والمعهد السويدي للدراسات الدرامية والمجلس الثقافي البريطاني في دمشق.
النور 390 (27/5/2009)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟