الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى حوار حضاري متعدد الأقطاب

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 6 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يروج الحديث اليوم في كل أنحاء العالم عن ضرورة التأسيس لحوار حضاري مثمر بين شعوب العالم ؛ و يرتبط هذا النوع من الحوار جوهريا بالمسألة الدينية ؛ ما دامت أعنف الحروب التي عرفها التاريخ البشري كانت ذات بعد حضاري /ديني ( طبعا مع عدم تناسي الأبعاد الاقتصادية و السياسية ) إلى درجة أن (هكتنكتون) صاغ نظرية بأكملها ؛ يتحدث من خلالها عن الصراع القادم بين الحضارات ؛ و خصوصا بين الحضارة الغربية /المادية من جهة ؛ و الحضارة الشرقية الروحية من جهة أخرى ( الإسلام و الديانات الهندية الصينية ) .
و تثبت الكثير من الأحداث الجارية الآن جزءا و لو قليلا من هذه النظرية ؛ ففي مختلف الكتابات السياسية و الفكرية الأوربية و الأمريكية المتابعة لما يجري من أحداث ؛ نجد الإسلام كحضارة يحضر كعدو لذود لحضارة الغرب ؛ تحت مسمى الإرهاب ؛ الذي ألصق قسرا بالحضارة الإسلامية ؛ باعتباره فعلا تدمير يا يحمل أبعاد حضارية / دينية ؛ و يسعى إلى تغيير الأوضاع السياسية و الاقتصادية السائدة في العالم .
لذلك كان من الضروري في ظل هذه الأوضاع التي تنشر الرعب في العالم ؛ كان من الضروري التأسيس لحوار بين الغرب و العالم الإسلامي ؛ باعتبارهما مكونين حضاريين عرفا عبر التاريخ الكثير من الصراعات و الحروب ( الفتوحات الإسلامية – الحروب الصليبية ) .
و قد شهد العالم في ظل هذه الإرادة المشتركة للحوار الكثير من المؤتمرات التي تسعى إلى احتضان هذه الدعوة ؛ من إسبانيا إلى أمريكا ... و كان الهدف دائما هو محاولة التخفيف من حدة الصراع القائم بين الغرب و العالم الإسلامي .
ضمن هذه الحركية الجارية ؛ و التي تسعى إلى رأب الصدع الحاصل تاريخيا ؛ بين مكونين حضاريين مختلفين جوهريا ؛ يحضر صراع من نوع أخر ؛ و هذه المرة ليس بين الإسلام و الغرب فقط ؛ و لكن بين مذهبين يشكلان نفس الدين ؛ و بين شعبين عاشا جنبا إلى جنب مدة قرون طويلة من الزمن ؛ إنه صراع بين الإخوة الأعداء ؛ بين الفرس/ الشيعة من جهة ؛ و العرب /السنة من جهة أخرى ؛ و هذه المرة لن تجدي نظرية هكتنكتون نفعا ؛ لأن الصراع قائم بين عدوين يحملان اللون الأخضر معا .
فهل يمكن اعتبار أن هذا الصراع يحمل بعدا حضاريا بأبعاد دينية ؛ مع العلم أن المذهبين معا يرتبطان بنفس الدين ؟
أم إنه صراع يحمل أبعاد قومية ؛ حضرت على مر التاريخ الإسلامي بين العرب والفرس ؛ لكنها تعود الآن بقوة مع صعود القوميين الفرس المحافظين إلى الحكم ؟
أم إنه - على خلاف جميع هذه الاحتمالات – صراع استراتيجي حول من يمتلك الشرعية الواقعية لقيادة المنطقة و الاستفادة من ثرواتها المادية و الرمزية ؟
إن التساؤل حول طبيعة الصراع القائم ؛ هو في الحقيقة تساؤل حول طبيعة الحوار الذي يجب أن يتأسس ؛ و هو حوار يجب أن يكون سابقا عن أي حوار محتمل مع الآخر الغربي ؛ لأن المحاور ( بكسر الواو) الذي يتميز بالتعدد بل و بالصراع و التصادم ؛ لا يمكنه أن يقود حوارا ناجحا مع الآخر .
لذلك فإن ملحا حية الحوار الداخلي بين السنة و الشيعة ؛ تبدو أولى من الحوار بين العالم الإسلامي و الغرب ؛ لأن الصراع الداخلي القائم يؤثر سلبا على علاقة الذات مع الآخر ؛ و بالتالي يهدد أي حوار محتمل بالفشل في أولى مراحله .
لكن و قبل الدخول في أي حوار بين السنة و الشيعة ؛ يجب تحديد نوعية الصراع القائم أولا ؛ هل هو صراع حضاري /ديني أم صراع قومي أم صراع استراتيجي ؛ و تحديد نوعية الصراع أقرب السبل لتحديد نوعية الحوار ؛ الذي يجب أن يتأسس.
و بناء على ما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط ؛ و ما يرافقها من تحليلات سياسية و فكرية ؛ فإني شخصيا أدعم الطبيعة الاستراتيجية لهذا الصراع ؛ مع عدم نفي عوامل أخرى مؤثرة –طبعا- و على قائمتها الجانب القومي ؛ لكن الطابع الاستراتيجي يبقى هو الغالب في الأخير ؛ خصوصا و أن منطقة الشرق الأوسط تعرف تحولات جذرية منذ أحداث ( 11 شتنبر) ؛ و ما رافقها من هجمة أمريكية شرسة ؛ كانت تسعى إلى قلب الموازين السائدة في المنطقة ؛ و قد تحقق جزء من ذلك عبر احتلال العراق و أفغانستان ؛ و فرض أجندة سياسية جديدة على المنطقة .
و باعتبار أن إيران ؛ خرجت قوية من هذه الحرب المدمرة ؛ بحيث تم تدمير عدوين لذودين في المنطقة ( النظام البعثي و النظام السلفي الطالباني ) ؛ فإن الدولة الفارسية فتحت أعينها على صناديق من الذهب مكدسة ؛ يمكن أن تصل إليها بأقل مجهود ممكن ؛ عبر الدخول في صراع متعدد الاتجاهات ؛ فمن جهة هي تقود حربا ضد الغرب و على رأسه أمريكا ؛ و من جهة أخرى فهي تقود حربا أخرى ضد المذهب السني في المنطقة ؛ و الذي تعتبره امتدادا للمصالح الغربية /الأمريكية ؛ و كذلك باعتباره مذهبا يحتكر الحديث باسم الإسلام
منذ قرون .
لذلك فإن إيران بدخولها في هذا الصراع المتعدد الاتجاهات تثبت بالملموس على أن الجانب الحضاري/الديني في هذه الحرب لا يهم ؛ بقدر ما يهم الجانب الاستراتيجي ؛ بحيث تسعى الدولة الفارسية إلى التحول إلى لاعب إقليمي أساسي ؛ يتحكم في كل التوازنات القائمة في المنطقة من دون منافسة . و لعل فهم طبيعة هذا الصراع هو ما يفرض على الجانب العربي تفهم طموحات إيران هذه و التعامل معها من منظور استراتيجي ؛ يحقق مصلحة الطرفين معا .
فمن جهة يجب احترام مكانة إيران في المنطقة كلاعب إقليمي أساسي ؛ ما دامت تتوفر على جميع المقومات الأساسية للعب هذا الدور ؛ و من جهة أخرى يجب على العرب أن يشكلوا رؤية مشتركة متماسكة لمجموع قضايا المنطقة ؛ و أن يتقدموا كمحاور واحد يدافع عن المصالح العربية المشتركة في المنطقة ؛ من دون تهديد مصالح إيران طبعا .
و لعل حوارا استراتيجيا من هذا النوع ؛ هو المدخل الأساسي لفتح حوار آخر على المستوى المذهبي ؛ و إذا تم الوصول إلى تحقيق مصالح مشتركة بين العرب و إيران في المنطقة ؛ من دون أن يشعر أي طرف بالتهديد الذي يمكن أن يشكله الطرف الآخر ؛ فإن المسألة الدينية/المذهبية ستحل بشكل تلقائي ؛ لأن الصراع في الأصل لا يتخذ هذا الطابع الديني /المذهبي ؛ و لكن على العكس من ذلك هو صراع استراتيجي حول من يمتلك الشرعية الواقعية للتحكم في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ؛ باعتبارها تشكل امتدا للعالم الإسلامي الكبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري