الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان واساطيره-2-

كامل الجباري

2009 / 6 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كيفية تحول الديمقراطية إلى ألخرافه الليبرالية الجديدة!
كامل الجباري
لقد سألتني في الحوار السابق،قال هلكان الحكيم ، عن سر تحول أساطيرنا العظيمة إلى خرافات قاتله ، و قد وعدتك بالحديث عن ذلك السر. ويمكننا معرفة ذلك من خلال (حكاية كايدارا) ومن جدل العلاقة بين رمزية أبطالها الثلاثة.*
]حمادي الباحث عن المعرفة. دامبورو الباحث عن السلطة . و حمتودو الباحث عن الثروة .[1 تمثل هذه الرموز المسارات الكلية الثلاث التي ينتظم فيها النشاط الإنساني.
لقد أشارت الحكاية إلى المعرفة باللب. والى الثروة بالخشب . والى السلطة بالقشرة. وحيث إن السلطة كالقشرة فإنها الأقل كثافة بحيث يمكن أن تطيح بها الريح .وان الثروة ،وان كانت أكثر كثافة من القشرة ،باعتبارها خشبا،سوف تأكلها النار. إما اللب، الذي يرمز إلى المعرفة،فإنها الأكثر كثافة فهي الجوهر الثابت من حيث الاحتياج الدائم له،والمتغير الدائم له من حيث طبيعته.
ألمعرفه لا تأبه و لا تعترف بما هو سائد وساكن وواقع ونهائي.أدواتها لم وكيف ولماذا و أين ومتى؟ وحين لا تسعفها أدواتها هذه للإجابات "الشافية "بفعل حدود ضروراتها و محددات عجزها الذاتي و الموضوعي،فعندها تخرج عن ضرورات الممكن و أقفاصه، إلى عالم الحرية الرحب والخيال الواسع، بعيدا عن نواميس الطبيعة و تحديدات الموضوع المكبل للنشاط الاجتماعي المختلف،باحثة عن الإجابات بابتداعها أساطير رائعة ،حيث أن لكل مجتمع أساطيره بغض النظر عن درجة تطوره.
إن الثروة و السلطة لن تقفا مكتوفتا الأيدي أمام تحدي الإنسانية للضرورة المكبلة لأحلامها في الحرية و التحرر،إذا ما اعتبرنا الحرية كنقيض للارتهان للضرورة،
واعتبرنا أيضا المال و السلطة النقيض الثاني في جدلية الضرورة- الحرية التي طبعت النشاط الإنساني منذ التواجد الأول له. وبما إن الزوجين الكاثوليكيين ، المال والسلطة لا يمكنهما سلب الإنسانية المرتهنة أحلامها ورؤاها وأستشرافاتها المستقبلية ، فإنهما يلجان إلى إيقاف التاريخ عند تخوم الضرورة بقتل أساطير الإنسانية التي تسعى إلى إعادة تشكيل العالم بتحويلها إلى خرافات يقينية ثابتة .
[يمثل دامبورو الطموح إلى السلطة وتفاهة المجد الإنساني : "لن يتحدثوا في البلد إلا عني" وهكذا نتوقع سلفا نتائج العجرفة والطغيان والتعصب] 2 كذلك يسعى حمتودو إلى الغنى [حيث يتوق حمتودو إلى مباهج أكثر حسية ومادية : الغنى والرفاه . ومن اجلها سيكتسب صفتي التربح والأنانية . ]3 ولكن حمادي رمز المعرفة لا تهمه السلطة ولا الثروة ، وبذلك يتحرر من العجرفة والطغيان والتعصب – وهي صفات تلازم أي سلطة أو مؤسسة دولية أو مجتمعية – كذلك يتحرر من عبوديته للمال وبذلك يتحرر من التربح والأنانية ، وهما صفتان ملازمتان لمالك المال ، حيث أن رأس المال يسعى إلى ما لا نهاية لتعظيم ذاته ممركزا ومغولا نزعته إلى التربح والأنانية ، وبالتالي سحق المشترك الإنساني ، ولا يفوتنا هنا الاستشهاد بالمقولة الشديدة الدقة للإمام علي (منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال ) .
يتحالف ويتخادم طرفا الضرورة الأساسيان ، السلطة والمال – نستثني الضرورة الطبيعية ، باعتبارها ارتهانا خارجا عن النشاط الإنساني وليس من صنعه – لقتل الأسطورة كونها نقيضها ، عندها تتشكل الخرافة على شكل حكايات غير معقولة وعقائد وتقاليد وتصورات ومؤسسات وما إلى ذلك فتنتشر وتسود لا لقوة منطقها وقدرتها على الإقناع ، بل لصيانة نظام قائم وحمايته من التجاوز .
خرافة عصرنا ألان هي ديمقراطية المالكين الليبرالية الجديدة . لقد قادها المحافظون الجدد في أمريكا ، حيث رفع لوائها الممثل الرئيس رولاند ريغان ، وأنعشها وروج لها بوش الأب ، وسار بها إلى نهايتها المأساوية بوش الابن ، حيث يعتبره البعض أسوء رئيس حكم الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد بنيت هذه الخرافة دجلا على تحييد النشاط الإنساني وإيكاله لآلية عمل السوق حيث إن الأسواق تستطيع تضبيط نفسها جاعلة من الاقتصاد الإله الذي يرسم ويحدد للبشر مساراتهم . وإن كل شيء عنده مكتوب ومقرر .
لقد قرن السيد بوش ليبراليته الجديدة ، بأصولية إنجيلية متطرفة ، فإدعا إن الرب أوعز إليه مناطحة قوى الشر في العالم كما أوعز إلى أسلافه إبادة سكان أمريكا الأصليين عن بكرة أبيهم – إلا من أستطاع النفاذ بجلده - لإنقاذهم من الوثنية ، وهداية القليل المتبقي منهم إلى عبادة الرب الحق ! والتمتع بمزايا الرأسمالية الليبرالية المضمخة بالدم والنهب والاستغلال . لقد جاب العالم وهو يحمل مشروعه الليبرالي الجديد و "فوضاه الخلاقة" ليحرق الأخضر واليابس ويبيد الحرث والنسل مقيما ، حيثما حلت عساكره وشركاته الاحتكارية ، ديمقراطية الملل والنحل والاثنيات ، والأقارب والعشائر والحارات ، بأسلوب التوافقات والمحاصصات ونهب الثروات ، فكان الولد حقا على سر أبيه .. قاطعته : وكيف اعتبرتها خرافة وقد صارت غاية للأعاجم والعربان في هذا الزمان ؟
أجاب الحكيم هلكان : وهذه هي الطامة الكبرى والدليل المبين على ما بنيت عليه. لقد صار فجاءه أشباه هولاكو والظلاميون . كذلك الليبراليون والديمقراطيون واليساريون . وصفق لها العنصريون والفاشيون والمتطيفون . وأتفق عليها الإيديولوجيون والبراغماتيون . فصار الجميع حاملين لواءها الرمادي حيث تغنى بها أهل الفضائيات والمغنون مع الربابة . كذلك قراء المدائح والخشابة فكيف قيض لهذا الخليط ، الذي ليس له لون أو طعم أو رائحة ، الاجتماع على مشترك ؟ فهل رأيت غزال يصفق للذئب وهو يفترسه ، وهل مصلحة السارق والمسروق واحدة ؟ هي إذا خرافة لتعارضها مع قانون السنور الحديدي .
سألت هلكان عن ماهية هذا القانون فأجاب : لقد رأيت تماثلا بين حكماء الهند في سفرهم كليلة ودمنة وبين عبارة باريتو الذي كثفت مغزى هذا الكتاب بمعيار قطه فقد كتب (أن القط يصطاد الفأر ويأكله ، ولكنه لا يتظاهر بفعل ذلك لخير الفأر . ولا يدعي إن هناك عقيدة بان الجميع متساوون . ولا يرفع عينيه إلى السماء عبادة لخالق الجميع) ومن حكاية (السنور والأرنب والصرد) المدونة في كتاب كليلة ودمنة تحصل على المطلوب . وإليك الحكاية :
في أحدى الغابات ، عاش سنور أعتاد العيش على صيد الحيوانات . وكان هناك صرد وأرنب يعيشان في ذات الغابة . عندما كبر السنور ووهن عظمه فعجز عن الصيد ، عندها أدعى الزهد والتقى والعبادة معلنا توبته النصوح عن أكل اللحوم الطازجة والاكتفاء بالحشائش الباردة . بعدها شاع صيته في الغاب وظمئت إلى التبرك برؤيته الثعالب والذئاب . كان الصرد والأرنب فيمن وقع في فخه وقد اختلفا على جحر أدعى كل منهما عائديته له . فقررا الاحتكام إليه . فأخذ يعضهما بالابتعاد عن حطام الدنيا الفانية حتى تمكن منهما وأصبحا في منال مخالبه فانقض عليهما قائلا : أيها المخدوعان ، إلا تعلمان إن الأشياء بطبائعها ، وإن أكل اللحم لا يستسيغ أكل الحشيش ؟
لقد حولت البرجوازية الليبرالية الجديدة الديمقراطية ، كمتخيل أنساني لنقض تحكم الضرورات بمصائر البشر إلى مجرد آليات نصية مقدسة ، وإلى أفق واحد هو اقتصاد السوق وبذلك كانت آخر الكليات الشمولية المتقنعة التي تحدد مسارات الإنسانية وتوقف التاريخ عند تخوم الضرورة الرأسمالية .
لقد خاضت القوى المهيمنة الكثير من التضليل ، وبأشكال مختلفة ، لإقناعنا بأن جنة عدن قادمة ألينا مع فردوس الليبرالية الجديدة المعولمة لخداعنا في إنها هي الديمقراطية التي حلمنا بها بديلا عن جحيم أنظمة الاستبداد التي تحكمت بحياتنا منذ تأسيس الدولة العراقية حتى 9/نيسان/2003 ... ولان الأشياء بطبائعها فقد كانت جنة عدن الليبرالية التوافقية المحاصصية جحيما وسرابا .. وهنا سكت هلكان عن الكلام المباح .

هوامش :
*يراجع القسم الأول المعنون : الإنسان وأساطيره : أسئلة للتغلب على ارتهانات الضرورة . صحيفة الزمان – العدد 3285 في 4/أيار/2009 . مجلة الحرية العدد السادس .
1- في ملحق هوامش كايدارا فأن حمادي وهو نموذج للبطل "فحل الخيل" فهو معروف في قريته كلها ، وبمجرد وصوله إلى أية قرية أخرى ينتشر بين الجميع خبر وجوده . المصدر : لا وجود لخصومات صغيرة ت أمادوا همباطي با الكويت ينيو 2008 ص262 .
أما حمتودو ودامبورا أسمان لأسيرين هما بالتتابع أسير حمادي وأسير دمبا . نفس المصدر ص263 . ويمكن ملاحظة رمزية العبودية للأخيرين للمال والسلطة .
2- نفس المصدر . الهامش 49 ص25 .
3- نفس المصدر . الهامش 51 ص 256 .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون