الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة الفرد في التغيير والحتمية التاريخية

كريم الهزاع

2009 / 6 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مسألة قوة الفرد في التغيير علينا نخلص إلى أن الأفراد ، بفضل الخصائص والميزات التي يتمتعون بها يمكنهم أن يؤثروا في مصير المجتمع. ويمكن أن يكون أثرهم شديداً إلا أن إمكان هذا التأثير وكذلك الساعة أو مداه محددان بتنظيم المجتمع وبعلاقات القوى الاجتماعية. إن سجايا الفرد ليست «عاملاً» من عوامل التطور الاجتماعي إلا بمقدار ما تسمح العلاقات الاجتماعية بذلك ويبقى هذا العامل ما سمحت به هذه العلاقات وبالشكل الذي تبيحه. من الممكن أن يعترض علينا بأن الأثر الذي يحدثه الفرد إنما يعود إلى مواهبه ! نحن على وفاق في الرأي غير أن الفرد لا يستطيع إبراز مواهبه إلا عندما يحتل في المجتمع مكاناً يتيح له ذلك .

نحن نعلم الآن أن الأفراد يتركون غالباً أبلغ الأثر في مصير المجتمع، غير أن هذا الأثر إنما تحدده البنية الداخلية لهذا المجتمع وموقع هذا المجتمع من المجتمعات الأخرى. ولكن هذه الفكرة لا تستنفد مسألة دور الفرد في التغيير .

إن خصائص الفرد الشخصية تجعل صاحبها أقدر على تحقيق الحاجات الاجتماعية الناشئة عن العلاقات الاقتصادية القائمة أو معارضتها. وهكذا كانت فرنسا، من الوجهة الاجتماعية، بحاجة قصوى، في نهاية القرن الثامن عشر، لأن تحل مكان المؤسسات السياسية البائدة مؤسسات أخرى أكثر انطباقاً على نظامها الاقتصادي الجديد. إن أنجع رجال السياسة المرموقين، في ذلك الحين، هم الذين استطاعوا، أكثر من سواهم ، الإسهام في تحقيق هذه الحاجة الملحة. وعلينا اليوم أن نعترف بأن السبب النهائي والأعم للصيرورة الإنسانية في التاريخ يكمن في تطور القوى المنتجة التي تحدد التغيرات المتتالية في العلاقات الاجتماعية بين الناس .

كان « بسمارك » يرى أن ليس بوسعنا أن نصنع التاريخ بل علينا الانتظار حتى " يصنع نفسه " ، وكأنه يسلم كل شيء للقضاء والقدر . ولكن بفضل من يصنع التاريخ ؟ إنه يصنع بفضل الإنسان الاجتماعي وهو « العامل » الوحيد . إن الإنسان الاجتماعي يخلق علاقاته الخاصة أي العلاقات الاجتماعية. ولئن أوجد ، في فترة ما ، هذه العلاقات بدلاً من تلك فلا يتم ذلك ، بداهة، دون مسببات. وحالة القوى المنتجة هي التي تقدم السبب وما من رجل عظيم يستطيع أن يفرض على المجتمع علاقات لا تتلاءم أبداً مع حالة القوى المنتجة أو لم يئن بعد أوان تلاؤمها . وبهذا المعنى يغدو متعذراً عليه أن يصنع التاريخ إذ يصبح كمن يقدم أو يؤخر عبثاً عقارب ساعته . فليس بمقدوره أن يعجل في سير الزمن وليس بمستطاعه أن يعود به القهقري . هناك حتمية تاريخية علينا أن نصنعها ، أقول نصنعها لا أن ننتظرها .

إن العلاقات الاجتماعية منطقها : فما دام الناس يعملون معاً، وفق علاقات معينة، فهم يشعرون ويفكرون ويعملون بالضرورة تبعاً لطريقة واحدة. ولن يكسب رجل الدولة شيئاً إذا خاض معركة ضد هذا المنطق . والمنطق الطبيعي للأشياء، أي هذا المنطق نفسه عن العلاقات الاجتماعية ، يقضي على جهوده قضاء مبرماً. ولكن إذا استطعت أن أحيط علماً بالاتجاه الذي تأخذ فيه العلاقات الاجتماعية طريق التبدل ، نتيجة التغيرات التي تطرأ على التطور الاجتماعي والاقتصادي للإنتاج ، فبوسعي عندئذ أن ألم بالاتجاه الذي تتعدل طبقاً له . ويصبح لدي، حينئذ، إمكان التأثير في هذه البسيكولوجيا ، أن التأثير في البسيكولوجيا الاجتماعية معناه التأثير في الأحداث التاريخية. وتبعاً لذلك أستطيع، بوجه من الوجوه، أن أصنع التاريخ ولست بحاجة لانتظاره حتى « يصنع نفسه » ، أو بانتظار غودو أو المخلص الذي لن يجيء وأنا أضع يدي على خدي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول التغير الاجتماعي
مختتار ( 2009 / 6 / 4 - 16:35 )
معالجة هامة جدا، لكن حبذا لو أنك طعّمنها بأمثلة حية حتى نخرج بها من هذا التجريد عسير الهضم.
لو أعطينا مثالا عن شخصية تاريخية لعبت دورا هاما في إحداث نقلة نوعية في مجتمعها. لناخذ مثلا الكاتب الفرنسي جان جاك روسو صاحب العقد الاجتماعي الذي أعطى دفع قويا للوعي السياسي وانتشار هذا الوعي بين الناس ودفعهم للنضال من أجل الحرية والديمقراطية. لماذا لم يظهر روسو أو أي مفكر آخر في مستواه قبل ذلك بقرن أو بقرنين؟
هنا أهمية معالجتك عندما تقول (وعلينا اليوم أن نعترف بأن السبب النهائي والأعم للصيرورة الإنسانية في التاريخ يكمن في تطور القوى المنتجة التي تحدد التغيرات المتتالية في العلاقات الاجتماعية بين الناس )
فالمفكر إنما هو تعبير عن مجموع الاستعدادات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي نضجت واحتاجت إلى من يعبر عنها. هو إذن لم يخلق كل شيء من العدم.
نعم هناك مفكرون يسبقون بمستوى فكرهم عصورهم، ولكن هذا النوع من الناس لا يلقون تجاوبا بين معاصريهم، بل قد يلقون الصدود والقمع والاستهجان. وقد يتطلب الأمر مرور عشرات السنين قبل أن ينتبه الناس إلى إبداعهم.
لنأخذ مثلا آخر، النبي محمد، حيث يحلو لمؤرخي الإسلام أن يصوروا ظهور الإسلام كقطيعة مطلقة مع ما قبله، واصفين ذلك بالجاهلية وبكل النعوت السلبية

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة