الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الخبرات وشروط التمكين ..(7 )

أمل فؤاد عبيد

2009 / 6 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل أي مشروع تبدأه يجب أن تخطط الغاية منه ومدته المفترضة بالتقريب .. والأدوات التي سوف تعتمد عليها .. ليس هناك ما هو أهم من نفسك تشتغل عليها .. كالسفينة التي سوف تبحر مياه جديدة .. هي ليست بمياه بقدر ما هي أنوار .. وسفينة النجاة هي نفسك .. بعدما رميت بها في معترك الحياة تعلم الآن ماذا تحتاج لإعادة بنائها .. أو تمكينها من جديد لتكون أنت الربان فيها بعقل رشيد وأيضا روح صبورة .. ولست احد النازلين بها .. وسوف تعلم أيضا اتجاهات الهواء / الهوى والرغبات / الرياح وسوف تكون محتاطا بما يكفي للنجاة بها .. وأنت سعيد وراضي.. وتنجي من معك أيضا .. كثيرا ما يتحدثون عن الإيمان والصلاة والصيام والعبادت كلها .. دون أن يعلموا كيف يحركون أو يتمكنون من منافذ الاستقبال لدى الناس .. آيات الله كثيرة ولكن من يتعظ بها أو يعتبر .. من يملك سلطانه على نفسه ليستفيد مما يتعلم أو يرى .. هناك ثغرات في النفس البشرية تعيق تحقيق حتى أبسط الإرادات وأضعفها .. أن تمتنع عن عادة سيئة مثلا .. فيجب وقبل أن نتحدث عن كيفية الامتناع عن العادات السيئة والإدمان مثلا .. لابد أن نشتغل على المسببات البعيدة وليس على الأسباب القريبة فقط.. التي قد تكون مفهومة ومدركة ولكنها ليست هي المحرك والدافع الحقيقي لأي عادة أو إدمان أو سلوك .. وهي لا تكفي وحدها وإن كان لها سلطان قوي وواضح بأن يدمن المدمن أو يكون الضعيف ضعيفا أو المجرم مجرما ..
ولقد تأملت هذه الأشياء من قلب واقع الحياة .. ومن الذات .. وكنت دليلا بقدر ما كنت دارسا .. لأتوخى الموضوعية ولا يكون علي حرج .. وهو ما ينطبق على عادات التفكير جملة وتفصيلا .. لقد ضرب القرآن الكريم أمثالا عدة للأنبياء وأخص بالذكر الأنبياء دون الرسل .. ذلك أن النبي في مواضع معينة يفترق عن الرسول .. على اعتبار أن أحداث التجريب والتفاوض والابتلاء في الحياة كانت أكثرها للأنبياء .. بمعنى أن الرسل كانوا أكثر أمنا من الأنبياء .. ذلك أن النبي في التصوير القرآني يأخذنا لأولى محاولات بحثه في نفسه والكون عن الله ومفاتيح وسبل الإيمان به .. من خلال التأمل في ملك الله .. ما نلتمس معه تأكيد القرآن على البصيرة التي حبا بها الله الإنسان وأن الوصول إلى الله ليس فقط بالنقل وإنما أيضا بالعقل وليس فقط بالبصر وإنما يحتاج إلى البصيرة .. فالأنبياء تمكنوا من خلال اجتهادهم وحرصهم على الوصول إلى الله الحق بإرادة خالصة .. باشتغالهم على ذواتهم والكون والعالم المحيط بهم أيضا .. وهذا شيء عن إدراك وارتقاء عالي المستوى في ذات الوقت .. وعقد المقارنات والتدبر في تفكيرهم .. وقد تطرقت إلى هذا كدليل هام على أن نتعمق النظر والتأمل في أحوالنا وأحوال الكون لندرك ما هو أبعد من امتداد بصرنا أو رؤيتنا .. فما بالنا اليوم ونحن أكثر علما وفهما وعمقا وأكثر تأثرا وتأثيرا في الحياة .. بما وصلنا إليه من علوم وتكنولوجيا تتيح لنا فهما وإدراكا اكبر على أن ننطلق مما لدينا من الدليل .. و مما لدينا من البرهان العقلي والنقلي .. الذي تزداد مصداقيته ويزداد افتقارنا إليه وهو كتاب الله .. ولا يكفي الوقوف عند هذا الحد فقد سبق وقلت أن كل منا يصنع حقيقته وموقفه من الحياة .. وذلك من خلال ما يقبض عليه كل منا من حق وبرهان خاص به .. فنحن نشارك مشاركة حقيقية وفعلية بصنع حقيقتنا ومحتوى ومضمون ما نؤمن به .. ولأضرب مثلا قريبا على ذلك أسماء الله الحسنى مثلا .. كل منا يستشعر داخله اسم خاص يملك عليه نفسه ويتحقق مدخل إيمانه من خلاله أو بداية منه .. ليكون اسم الله الأعظم بالنسبة له ويعتبر مفتاح المفاتيح له وهو في ذات الوقت يكون مركز مكنونه الداخلي مثل نواة الذرة التي تكون سببا في تماسكها والتحام عناصرها .. ومن خلال هذا يستشعر الاطمئنان والأمان ومفتاح المدد والعون .. والأنبياء بمعاناتهم وبما سجله لهم القرآن من منطوق بقي حيا مع قصصهم كمفاتيح مدد ورحمة ونجاة كانوا دليلا حيا على إمكان المستحيل وتحقيق المعجز في ذات الوقت .. وهو ما نستشف منه أن الله موجود مع النفس البشرية هذه فيما هي تبحث عن قرار اتصالها بخالقها الواحد .. وهو قرار غير هين .. وفي ذات الوقت ليس صعبا .. وليس له خسارات كما يتصور البعض .. أو ابتلاءات تخيف القلوب .. وتصورات ترهب بأكثر منها ترغب .. وتوقعات تثير النقمة أكثر مما تثير الحب أو تقرب بين القلب ومحاولة الرضوخ أو اللين .. اليوم قلبك مسؤوليتك وحدك وصوتك يحدد مصيرك .. ولقد جربت في الكثير من الأوقات .. مفعول الكلمة .. ومن قراءات كثيرة لتصورات وعقول .. وأيضا مشاكل .. ومحاكاة الواقع بحركته الدائرية الدائمة .. كنت أراني ابحث عن سر كيفية استلاب هذه العقول والقلوب .. وكيف لي أن أخرج بها ومعها من قالب التقوقع .. وكان إيماني بأن القرآن فيه من البعد النفسي الذي يؤكد لنا على احترامه وتقديره بني البشر ومن ثم الاهتمام بالأوامر والنواهي وطقوس العبادة والتشريع .. وهي محاولة للخروج من أسر المقولة التي يدار حولها جدل الخصومة والفرقة ( قال الله وقال الرسول ).. وشكليات العبادة .. والقلوب معلقة بغير الله .. كيف لنا أن نقرب المسافة بيننا وبين القرآن حتى لا يكون مهجورا .. على أن نخلق بعدا يمسنا من قريب وأن نطمئن لمحاورته لنا وخلق إرادة استماع ترغب الكشف وطلب الفهم .. كما الكون كيف لك أن تشعر بجماله وأنت لا تريد / ترغب الإحساس بهذا الجمال أو تأمله .. دون أن يكون لديك تصورا مسبقا أن هذا الكون مسخر لك ومن ثم التوغل فيه والتفكر في حركته ومنطق نظامه فيه فائدة لك وتوضح وعلم تستطيع من خلاله أن تسيطر عليه .. الكون لا يحتاج فقط إلى من يتطفل عليه لكشف أسراره وأسرار جماله وإبداعه وروعته دون أن يضيف له هذا إضافات نفسية وعقلية وجمالية وروحية .. وهو الشيء الذي يرتقي بتفكيرنا لأن نبحث من خلال هذا الحاضر الملموس لنعرف المبدع الغائب/ الحاضر في إبداعه .. وكل هذا محركه الجذب الذي يخلق فيما بعد التعلق أو الحب .. حتى الحب ذاته .. يحتاج إلى تدبر وتفكر في مغزاه وضرورته وكيفية تأثيره .. ودوافعه ومحركه .. والذي في النهاية هو سبب دفع وتحفيز مباشر لحركتنا وسلوكنا الايجابي بالطبع .. وسوف أتحدث عن الحب في وقت لاحق ولكني سوف أضرب لك تصورا بدائرتين دائرة سوداء في منتصفها دائرة صغيرة بيضاء .. ودائرة بيضاء في وسطها دائرة سوداء ولا أريدك أن تتخيل نفسك هذا الوسط الموجود في أحد الدائرتين ولكني سوف اطلب منك أن تتخيل كيف يكون واجبك أن تمسح هذه النقطة السوداء من داخلك الأبيض أو واجبك أن تفرش مدى / امتداد الدائرة البيضاء الصغيرة لتعم الدائرة السوداء بأكملها في الحالة الثانية .. وأيا كان محتوى أو صيغة هذا اللون الأبيض أو الأسود .. إنما العبرة في الفهم وتبصر الداخل والخارج معا في آن .. ويمكننا أيضا التفكر في هذا الرسم إذا تصورنا حال السواد في عموم البياض في حياتنا أو معجزة البياض في سواد وعتمة ظلمتنا .. فما هو موقفك ؟؟؟
عليك أن تباشر عملك واشتغالك على تلك المنطقة البيضاء أيا كانت مساحتها وأيضا اشتغالك على المساحة السوداء أيا كانت سواداتها من خلال المحبة وحقيقتها السماوية وكأنها عملة مداولة وحيدة دائمة لك وعينيك دائمة النظر لمحتوى البياض داخلك أو خارجك .. وإن صادفك بعض العملات المعيوبة .. سوف تثيرك هذه الصدف ولكنك بالتأكيد لن تقف عندها .. بالمثل أنت ترى في الكون وجه الخراب .. والموت .. ولكن هذا لا ولن يعيق إحساسك بالحياة بوجهها الآخر .. والذي تحاول من خلال إيمانك بموقفك الايجابي من الحياة ومن ذاتك أن تعمم ما تراه من خير .. وسوادها لن يثير نقمتك فيدفع بك لأن تخسر جمالها في مقابل قبحها .. كما في الحروب مثلا وبحكم قضيتنا المصيرية نرى في مآسينا وجه الدمار والموت ولكن هذا نعتبره ضريبة مشروعة وشريفة لنضال يحمل في طياته نوعا من الجمال أيضا جمال التضحية والفداء والإصرار.. وقضية تستحق ما يدفع لها من ثمن .. فسلبيات حياتنا لا يمنعنا من أن نحقق إيجابيتنا .. وهو ما يجب أن يكون مع واقع الحياة جملة فلو لا مفارقة المواقف والأحوال والألوان ما كان لنا أن نشعر بقيمة وجودنا وتمييزنا وإدراكنا وجهودنا وتضحياتنا وقيمة اختياراتنا في الأصل .. هكذا العبادة ومعرفة الله والخير .. هو في حقيقته شعور بمحتوى اللون الأبيض في الكون ونفسك وإن تبدد بعض الوقت في سياق سواد ليل يأتي وقتا ثم يمر و لربما بياض داخلك يريك ما في الظلمة والليل ما يمنحك الصبر والقوة والإقدام وسوف تجد نفسك تتحرر من شعور القهر في أي شيء .. كل هذا سوف يحقق لديك من القوة ما تبدل به عادات تفكيرك وشعورك وإحساسك .. وفي عودتنا للحديث عن العادات لنا أن نفترض أنها ليس جميعها سهلة التغيير أو الاختفاء .. فالعادة حسب تمكنها منك أو تعلقك بها .. لقد وجدت أن هناك عادات يمكن تغييرها أو من السهل تركها .. ولكن هناك عادات مثل التدخين قد تأخذ وقتا .. وهناك عادات تحتاج في حقيقتها إلى استبدال إرادة بإرادة أخرى .. فالاندماج مع الناس كثيرا يعتبر في حقيقته رغبة أو إرادة.. قد يصبح لديك الرغبة أكثر في التحرر منهم خاصة إذا كان هذا على حساب حياتك ومشروعاتك .. وأيضا الرغبة في الأكل زيادة لربما أصبحت لديك إرادة في تغيير عادة الأكل هذه خاصة إذا تحتم عليك تغيير هذه العادة .. لقد تحقق لنفسك بصيرة وبدأت تتمكن منك .. ولكن هناك عادات .. تدخل في صلب النفس لتصبح وكأنها عاهة وهي الأكثر حدوثا على مستوى التفكير والوجدان.. تحتاج لإرادة قوية وقبل تحقيق هذه الإرادة تحتاج لفهم الدوافع لها والصبر على محاولات الإرادة الجديدة .. فأنت أكثر من يدرك طبيعة عادته .. وأنت وحدك القادر على أن يعلم ومتى وكيف سوف يكون له القدرة على استبدالها بعادة أفضل .. ولا اقصد هنا أن جميع العادات قد تكون سيئة .. هناك عادات جيدة مثل القراءة الكثيرة مثلا في وقت تصبح عادة مرهقة ومبددة للوقت إذا لم تطعم من وقت لآخر بمحاورات وكشف وتجريب وإنتاج وارتقاء .. فهي أخذت صورة القهر في نفسك وتحكمت منك لدرجة إنها أصبحت لازمة لك .. ودخلت ضمن ما يسمى عادة بالروتين .. فإذا لم تحرص على أن تكون عادة القراءة والحرص عليها طريقا يجدد لديك العطاء والفهم ويجدد محتوى الوعي لديك لمواكبة العصر من خلال ما تمارسه من أفعال وسلوك وتطبيق عملي تصبح عائقا لممارسة الحياة كطبيعة ووجود .. إنما كل منا يستطيع أن يعرف عادته وقوتها أو رداءتها أو إيجابياتها ..
وهذا متوقف على مدى التصالح مع نفسك الذي تحققه وأيضا مدى ما تتمكن منه من تصديق لنفسك ومن ثم الشعور بالأمان ومدى ما يتملكك من إيمان بما تنوي فعله ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات