الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الخبرات وشروط التمكين .. ( 9)

أمل فؤاد عبيد

2009 / 6 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد حدد الله تعالى في سورة العصر شكل الخسران وتأكيده كمصير للإنسان بحرف التوكيد ( إن ) ولكن جاء الاستثناء له بـ ( إلا ) ومن هنا نقول أن وقفتنا على هذا الاستثناء وشكل وهدف التطيب والترويض يخرجنا من حجر نطاق الجنة والنار أخرويا فقط .. وإنما يدخلنا عالم بشريتنا الحيوية والسوية والربح الأكيد من خلال محددات هي الإيمان والصلاح ومن ثم الفلاح .. وإن كان لابد أن نفكر في محتوى الترهيب من النار والترغيب في الجنة كرصيد أخروي فيأتي بعد أن نكون قد حددنا جنتنا على الأرض أو جحيمنا .. وهذا سوف يكون في مرحلة بعد تأكيد المحبة والنزوع إلى جمال الله في خلقه وكونه .. ليأتي نزوع الرهبة بنفسه ومن تلقاء ذاته .. سوف تستشعره كخشية وليس كخوف وإنما مخافة .. والمخافة غير الخوف فالمخافة فيها تقدير وقيمة أدبية وأخلاقية تمتلك على بطانة النفس حالة من الرضا والتسليم الحر ظاهرا وباطنا.. أما الخوف فهو قصور وحالة من إلا رضا وعدم التقدير تقديرا يليق بمن نخافه أو نعمل حسابه.. أما الخشية فهي تسليم بالقدرة الإلهية والسلطان القاهر وأيضا فيها انحناء وركوع وسجود للقاهر .. أو هي تعبيرا عن كل هذا إلى جانب ما يرمي إليه من مشاركة في المسؤولية وتحديد المصير.. ومع الخشية يتحول مفهوم القوة إلى سياق آخر ومعنى آخر .. معنى فيه من الالتزام والمسؤولية التي تحتم تبصرا آخر لمعنى التضحية .. سوف تعرف لقوتك محلا آخر للتدبر والحضور والانجاز .. سوف تغمر باطنك بقوة معجزة .. لا ترى الخارج من خلالها فقط .. انك اليوم تحاول أن تعيد إحساسك بالعالم من حيث لم تكن تراه كما تراه الآن .. أو لربما كان كما هو كائن ولكنك كنت مفتونا عن حقيقته .. فاليوم أنت مذهولا بجمال إبداعه .. وموقنا بمبدعه وقدرته وجماله ..
ليكون في تأملك وشعورك بهذا الكون إجلالا لمن صنعه وانبهارا وأيضا تدبر وتأمل .. ومن ثم استمداد القوة والجمال منه .. ومن خلال هذا سوف يكون لديك القدرة أن تمتثل للمثل الأعلى في كل شيء وتحاول أن تبث ما تستوحيه من قدرات على من حولك وليكن لنا في هذه المسألة محاولات مجدية على مستوى العلاقات الإنسانية حولنا .. وهذا هو الدفع الذي أشار إليه الله في القرآن وهو دفع إيجابي بين البشر بالخير .. كما أن دفع الضرر بالخير هو مهمتنا ومسؤوليتنا الأدبية والأخلاقية التي يحاصرنا بها الإيمان ويحمينا ويحصننا من السقوط أو الخسران .. وهو العمل الصالح الذي يشار فيه إلى الصلاح من حيث أنه سر الدفع بين البشر والناس ..
لقد عاينت في مرحلة سابقة أيضا .. كيفية وإمكان فرض سلطان الجمال والقبح في مجال التعاملات الخاصة والعامة .. فأنت بإمكانك تأمل فعلك في هذا المجال وتأمل ردود الفعل وكم لهذا من تأثير إيجابي أو سلبي .. فافترض أنك ذهبت إلى محل لبائع فول مثلا ..ولنفترض أنه محل بسيط جدا .. وقد يكون فقيرا لمستوى ما .. وأنت بمظهرك قد لا تكون من رواد مثل هذه المحلات بهذا المستوى سوف ترى رد الفعل منذ البداية بترحيب هذا الرجل لك وسعادته لقدومك لديه وسيحاول جاهدا أن يؤكد لك اهتمامه بك من خدمة طيبة ونظيفة دون أن يفكر بإمكان عودتك إليه أم لا .. فإذا عدت إليه مرة ثانية ومرة مع مرة أصبحت من رواده الدائمين سيكون هذا تأكيد على ثقتك به وتميزه لديك دون إشارة مباشرة منك إليه .. لذا كان لاهتمامك وثقتك به تأثيرا عليه .. فازداد ثقة بنفسه وعمله .. هذا شكل من أشكال الدفع الايجابي الذي يمنح ثقة وبعدا لإنسانيتنا من حيث جمالها في تواضعها وحميميتها .. فاهتمامك بصاحب هذا المحل الصغير أو الفقير نسبيا أمده بطاقات التغيير أو محاولات التحول من السلب إلى الإيجاب .. فجمالك منح صاحب المحل محاولة تمثل جمال روحك بأن يغير من سلوكه مثلا مع محله وأدواته .. ولك أن تتخيل العكس فرد فعلك السلبي سوف يكسر من امتداد إحساس الآخرين بأنفسهم أو بالحياة .. من ناحية أخرى لنفترض أن هناك إنسان قبيح السريرة .. أو رديء النفس .. لو حاولت أن تشعره بكشفك له هذا سوف يزداد قبحا وسريرة سيئة .. ومن ثم نصحنا القرآن بأن لا نتخاصم وأهل الخيانة والكفر مثلا .. وهي نصيحة في محلها .. فهذه دائرة تختلف عن تلك .. إنما دفع الضرر بالصبر أو المجاوزة لشيء يقلل من ردات الفعل السلبية .. إلى جانب تأكيد الخير وتفعيل حيويته من آن لآخر لهو المدد الذي نعتمد عليه في مواصلة حياتنا وسيرورتنا .. عندما تتأمل الكون وترى فيه جمال الله وجل صنعته يزيدك إبهارا ولذة .. فتلتذ بهذا الجمال لذة مغايرة .. لذة تزيدك إيمانا وقوة وإذا حاولت أن ترى في الكون ما هو قبيح .. أو تغمض عينيك عن إبداعه سوف يزيدك إحساسا بالقبح والمرارة والجمود والملل ولا جدوى الحياة .. من ناحية أخرى نحن نعرف الله الغائب ممن نرى من حاضر لدينا أو أمامنا .. وكلما ازددنا شفافية في الرؤية وتدرجا في التأمل للوصول إلى بواطن الأمور .. كلما هذا منحنا بصيرة ترينا الجميل على علته و القبيح على علته .. وسوف نشعر بالجميل على لذته .. والقبيح على قسوته .. وفي كلتا الحالتين يمنحنا هذا تمييزا وإدراكا ورشدا في تناول أمور الحياة الخاصة بنا ومن حولنا بطريقة تبقينا على حيادية من الشر وأكثر اقترابا والتحاما بالخير ..
كما أن القرآن الحكيم تحدث صراحة عن الفعل الأصيل .. المختار بإرادتك أنت وبفعلك ولهدفك .. وتحدث أيضا عن ردود الفعل وإن لم يكن بهذه الصيغة المثبتة لاحقا في علم النفس .. وإنما تحدث إليها إشارة .. ضمنيا .. وكلما كان المستمع أكثر إدراكا لمباشرة هذه الإشارة ونفعيتها .. يتمسك بها .. وكلما أصابه الخلل في تماسك بنيانه النفسي يكون رد فعله مباشرا وغير مرغوب فيه أحيانا كثيرة .. إن كان بالسلب أو الإيجاب .. يبقى لك الاختيار في تناول رد الفعل أو تميزك في فعلك الخاص ورد فعلك ..اتجاه المواقف أو مشاهد الحياة وظروفها .. لقد درست كلتا الحالتين في موقفهما الطبيعي جدا .. وحاولت فك الرباط وشد الرباط .. لأرقب حركة الوعي ومشهد هذه الحركة وهو يتقلب بين هذا وذاك .. على مستوى الذات والآخر .. ولربما على مستوى الذات أكثر .. وأيضا لأقرأ تميز الآخر في مواقفه وردود فعله .. وانجذابه لفعل الكلمة أو التصرف أو الإغواء أو الفعل المشروط بعلة ضرورية .. احبك جذرها بهدف الكشف عن العصارة الحقيقية .. وليست الظاهرة .. وكأني اعمل عمل فتح لخراج .. هذا بعدما أحاول الوصول إليه .. وقد لا يمكنني فتحه .. ولكن يكفى أن يتم معرفة مكانه وعلته ..
استمرارا لهذا أقول .. أنت بإمكانك الكشف عن ما تجمد تحت جلدك أيضا دون وعي منك .. بهدف الشفاء .. وكلما أصبحت أكثر رشدا أصبحت أكثر تعقلا لمحيطك الخاص والعام .. ولن ينفصل هذا عن فكرة الإيمان .. جملة وتفصيلا بمعنى في الإيمان شفاء لما في النفوس من ضرر وضرار ..
في مجال العلوم الإنسانية وبالأخص أسس علم النفس كانت خريطة العلم في هذا المجال تسعى إلى محاولات التشريح بما يكشف عن طيات الوعي / ألاوعي .. وتقف عند كشف العلل والمعلولات بشكل موضوعي نسبيا حسبما توفره أداة التحليل العلمي دون تقديم شروحات تشتغل على الجانب العملي بالفعل أو تتمكن من وصف حالات شديدة الخصوصية .. وإنما من الخاص كانت تخرج بتعميم يمنحنا تبرير عقلي ومقنع للحالة دون تقديم توسلات نستطيع من خلالها تجاوزها.. ولكن القرآن بجانبه الروحي المميز له يقدم لنا إمكان فهم مغاير يدخل شريطة الإحساس بالذات كمشروع قائم يحقق نفسه وأيضا كما يؤكد على شرطية التفاعل بين الذات والله والآخر في سياق إنساني واع إلى جانب ما يتخلل هذا من مدد روحاني وإلهام بصيرة نستشفها كدواء لما في الصدور .. ليس هذا قولا غير معقولا وليس القصد منه الإشارة إلى الجانب الروحي كجانب مجرد بعيد المنال .. وإنما القصد من هذا الجانب الروحي هو الوثوق بكلمة القرآن وتصديقها كقول نهائي .. من خلال قراءة تتدبر علة شروط العلاقة بين الخالق والمخلوق .. تتعدى حدود الذات محاولة فهم الذات والخالق .. مثل هذه القراءات تمنحنا نفسا / استنشاقا متجددا دائما .. ما يمنحنا فرصة تجديد الذات وسد خانات التقصير والخلل ويفض وما يعتورها من نقص وفتور .. إن التقصير الحقيقي والخلل بعيد التأثير ليس في كم العبادة ولكن في كيفيتها .. في العبادة الكيف له اعتباره البعيد بأكثر من الكم .. لأن نقطة البدء يتحدد معها وبها وفيها شكل البنيان .. فكيف تبدأ وكيفية هذا البدء هو الذي تتوسل من خلاله الاستمرارية والدوام في العبادة .. ومن ثم يأتي الكم لاحقا كإنجاز متماسك ومتكامل .. ولذا نقول أن التقصير إنما يكون في فهم الله وعلاقته به لصنع حقيقته كانسان .. وهناك ما يشير إلى ذلك في القرآن عندما طرحه كسؤال في سورة التوبة أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به .. ومن ناحية أخرى نؤكد على جدل العلاقة والشراكة بين إرادة الله وإرادة الإنسان قال الله تعالى في سورة البقرة .. فتلقى أدم من ربه كلمات فتاب عليه .. كان ادم مشاركا لفعل التلقي ولفعل الفهم .. ومن ثم تاب الله عليه من فعلة الشجرة .. وهذه الكلمات ما هي إلا سر من أسرار الله منحها لآدم وذريته من بعده .. هي كلمات ليست كأي كلمات .. ولم يكن التلقي هو أي تلقي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل و لكن !! ... ثانية
فراس الفتلاوي ( 2009 / 6 / 7 - 01:06 )

تعليقي التالي , نشرته تعقيباً على الجزء الثامن من ( جدل الخبرات وشروط التمكين ) لكنه لسبب ما لم ينشر !! و أعيد نشره هنا لإعتقادي بأن مضمونه , أولاً لا يخالف قواعد النشر و لا يتعدى التمسك و الإلتزام بحدود حرية النقد و إبداء الرأي .. و ثانياً لأن مضمون التعليق ينطبق تماماً على ما قرأته هنا في الجزء التاسع , و أخال بأنه ( إن لم ينشر ) سيبقى منطبقاً على فحوى كل الأجزاء التالية حتى لو وصل عددها إلى المئة ... أتمنى و أدعو رب -القرآن- و كاتبه , أن يتم نشر المداخلة ..

تحية طيبة ,,

بعد كل هذا الإنثيال الصوري و ( التبرج ) اللغوي ! هلا تجودين علينا سيدتي ببعض التواضع بالنزول على أرضنا , أرض البشر ؟!

السيدة أمل ,, و أنتِ تتحدثين عن جدل خبراتك المرهونة بشروط تمكينها !! و كأني بك تنعمين بكينونة هيولية في محيط أثيري لكوكب آخر ينتمي لمجرة بعيدة !!

بالمباشر ,, لمصلحة من هذا التزويق و البهرجة الإحتفالية متقنة الإنشاء ؟ .. أهو لمصلحة الحقيقة المرة التي ينزفها واقعنا بما جاد به ( كتاب محمد ) علينا و على تاريخنا ؟! أم لمصلحة خلق جو رومانتيكي محمول على لغة شفيفة , تظنين أنها ستقربك من دهاقنة القرآن كيما يغضوا الطرف عن إعتبارك جارية ملك أيمانهم ! ( عذراً لكن الحقيقة قاسي


2 - استفسار
المأمون الهلالي ( 2009 / 6 / 7 - 14:25 )
السيدة الموقرة أمل فؤاد عبيد
تحية طيبة
ذكرت فرقاً بين معنى الخوف ومعنى المخافة ، فما هو مصدرك الذي استقيت منه هذه المعلومة ؟
خوف وخِيفة ومخافة ؛ هذه المصادر الثلاثة للفعل خاف ، وقد ورد المصدران ؛ خوف وخيفة في القرآن الكريم ولم يرد المصدر مخافة ، أما في الشعر فقد ورد الخوف والمخافة بمعنى واحد
قال الشاعر
أَتَهْجُرُ بَـيْتَاً بالـحِجازِ تَلَفَّعَتْ به الـخَوْفُ والأَعْداءُ أَمْ أَنتَ زَائِرُهُ؟ فالخوف هنا معناه المخافة لذلك اُنث الفعل ( تلفعت)
إذا كان مصدرك صوفيا فلا عبرة به إذ لم يُذكر المصدر في القرآن الكريم لكي نعول عليه ونعده معنى ذا دلالة خاصة
قال المولى ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ) سورة الأحزاب 16
وقال أيضاً ( وواذكر ربك في نفسك تضرعا وخِفية ) سورة
الأعراف 205
تحياتي لك
شكرا جزيلا ، دام عطاؤك

اخر الافلام

.. روسيا تعلن بدء مناورات تشمل أسلحة نووية تكتيكية قرب أوكرانيا


.. إسرائيل ترد على طلب الجنائية الدولية بهجوم على الضفة الغربية




.. السعودية وإسرائيل.. وداعأ للتطبيع في عهد نتنياهو؟ | #التاسعة


.. لماذا جددت كوريا الشمالية تهديداتها للولايات المتحدة؟




.. غريفيث: دبلوماسية قطر جعلتها قوة من أجل الخير في العالم