الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبراهيم الأبيض عنف بصري بلون الدم

باسنت موسى

2009 / 6 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من خلال ما يطرح في الفضائيات المختلفة من إعلانات عن أفلام صيف 2009 بمصر يمكننا أن نستنتج أن موجة"الكوميديا" وأفلام"الشباب" قد اختفت إلى حد كبير جدًا لتحل محلها موجة أخرى من الأفلام الشديدة الواقعية التي تغوص دون تحفظ في قاع المجتمع المصري، فتظهر لنا حجم البؤس والانحدار في القيم والأفكار،على الرغم من ادعائنا زيفًا أننا مازلنا محافظين على الروح المصرية بداخلنا تلك الروح التي جعلت كثيرين يؤكدون أن المصري له قلب طيب وأبن"نكتة" وعواطفه جياشة حيث يشارك الآخرين بصدق أحزانهم وأفراحهم.

الأسبوع الماضي أستعرضنا معًا ملامح فيلم"دكان شحاتة" للمخرج خالد يوسف ورؤيته الخطيرة بأن مستقبل الشارع المصري لن يخرج عن إطار الفوضى وسيطرة المتشددين من حاملي الكتب المقدسة باليمين وسيوف القتل باليد الأخرى،ولعل سيطرة هؤلاء على العقول والنقابات المهنية والمؤسسات المختلفة يؤكد لنا أن رؤية يوسف ليست محض خيال مخرج فنان إنما نتاج قراءة واعية لواقع أقل ما يوصف به بأنه مؤسف.
فيلمنا محور حديث اليوم هو" إبراهيم الأبيض" للمخرج الشاب مروان حامد نجل الكاتب الشهير وحيد حامد،وذلك الفيلم هو ثاني تجربة سينمائية له بعد"عمارة يعقوبيان" 2007 وحتى لا نكون ظالمين لذلك الشاب ينبغي التأكيد على أنه لا وجه على الإطلاق للمقارنة بين "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض" فكلاهما مختلفان تمامًا من حيث البناء الدرامي وكافة الأدوات الفنية الأخرى.

"إبراهيم الأبيض" فيلم يمكن تصنيفه على أنه ينتمي لأفلام الحركة ويتحدث عن شريحة من المصريين البسطاء من ساكني "العشوائيات" التي هى بحقيقتها بؤر كارثية مدمرة دورها الرئيسي إخراج أسوء أنواع البشر وأشد أنواع الجرائم قسوة.
قام بدور إبراهيم الفنان أحمد السقا وساعدته بنيته الجسدية القوية في إيصال رسالة دوره على نحو جيد، فهو الطفل الذي يعيش مع والديه البسطاء داخل إحدى العشوائيات التي لا تحكم بقانون بشري،وإنما بأخر حيواني يسيطر فيه القوي على الضعيف إلى حد لايمكن وصفه وإنما يمكن التنبؤ بنتيجته فهو قانون يجعل البشر يتخلون عن إنسانيتهم مع الوقت يدمنون القتل والعنف ويعشقون لون الدماء ولا يبالون بقيمة ولا فكره ولا حتى إله سوى العنف،ولهذا هم لا يخشون شيئًا فلا يوجد ما يبكون ضياعه بعد أن ضاعت إنسانيتهم لتحل محلها الحيوانية في أبهي ظهور لها من خلال كائن هو إنسان بالولادة فقط.
يرى إبراهيم وهو طفل أبيه يقتل أمام عينيه ومن غير المسموح له حتى أن يصرخ باكيًا يعيش بعد ذلك مع أمه حتى ترحل عنه يتهم وهو مازال مراهقًا بأنه قاتل يهرب بعيدًا ويعمل بالتجارة الناجحة داخل بؤرة سكنه وهى المخدرات،يحب صديق عمره ورفيق كفاحه في تجارة المخدرات بشدة "العشري قام بالدور الفنان عمرو واكد "،عاطفيًا كذلك يخفق قلبه بشدة لـ"حورية" ويمارس معها الحب يرغب في حمايتها والزواج بها فلا يستطيع ويظل مفعمًا بالمشاعر تجاهها رغم قسوتها وهى كذلك تحبه رغم إظهار أنها حاقدة عليه وكاره له.

قامت بأداء دور"حورية" هند صبري الفنانة التونسية وبرع ماكيير الفيلم الفرنسى"دومينيك كولادانت في إبراز طلتها بشكل مناسب جدًا لفتيات تلك المناطق العشوائية التي تحمل جمال ونعومة مع قليل من الخشونة والقسوة التي تجعل من الأنثى أكثر جاذبية من تلك الناعمة فقط، نجحت هند في كافة مشاهدها بإقناع المشاهد بأنها تفهم جيدًا ما تؤديه فهي الفتاة المتنمرة القاسية مع أي فرد يعتدى على أخيها المعاق وهى أيضًا العاشقة الرقيقة التي تجيد العزف على أوتار حبيبها فتعلي نغمته متى أرادت وتخفضها أيضًا متى أرادت،هى الأنثى التي تعاني صقيع الوحدة مع تنامي احتياجاتها العاطفية،هى المرأة الكاملة الأنوثة التي تتلاعب برجل يريدها له وهى لا تريده فتحتفظ معه بمساحة لم يمنحها ذلك الرجل لامرأة في حياته سوى لها.

"محمود عبد العزيز" كان مفاجأة الفيلم بالنسبة لي فأنا دائمًا معتادة أراه الرجل الجذاب الذي تحوم حوله النساء،ولكنه ظهر بهذا الفيلم على نحو مختلف تمامًا فهو المعلم"زرزور" المسيطر القاسي العنيف المالك لكل شيء لمربعه العشوائي يخشاه الجميع وهو لا يخشي أحدًا يجيد اللعب مع الحكومة ويجيد لعبة الموت مع من يفكر أن ينطلق بعيدًا عن إمبراطوريته التي يملك هو وحده فيها السيطرة،حتى الله يلعب معه"زرزور" ويأتي في كل موقف بما يدعم رأيه بأية دينية ويقولها هكذا دون تحفظ أو حتى تفكير،لكن كل هذا الجبروت والعنف يسقط بشكل مدوي غير مبرر أمام"حورية" فهو يعشق تلك الفتاة عندما تذهب بعيدًا عنه ينطفيء نور حياته ويتحول من قمة القوة لقمة البؤس والأسف والتقوقع حول الذات بخوف كبير رغم أنه المرعب للجميع،يتزوج "زرزور" حورية بناء على رغبتها لحمايتها من وحوش العشوائية التي يترأسها إلا أنه لا يستطيع أن يستمتع بها كحبيبه وكإمرأة،وبرع مروان مع محمود عبد العزيز في تصوير انكسار رجل في قمة الجبروت أمام امرأة يحبها ولهذا لا يريد اجتياحها مثلما يفعل مع الأخريات إلا برغبتها لأنه يحبها بمشاعر خاصة ماتت داخله منذ بداية سنوات شقاءه وثروته ولم يتبقى منها سوى القليل لـ "حورية" التي يتخلص منها بقسوة هى ومن تحب ليخمد بداخله أخر ما تبقي له من إنسانيه ويتحول لحيوان كامل لا يفكر إنما يقتل.
من خلال الفكرة الأساسية بالفيلم ظهرت على استحياء قضايا كبيرة مثل التعذيب داخل أقسام الشرطة تحالف السلطة مع قادة الجريمة رؤساء إمبراطوريات العشوائيات لإدارك تلك السلطة أن محاربتهم غير ممكنة لأنهم يملكون كل شيء داخل عشوائياتهم التي هى قنابل شديدة الانفجار وعلى أهبه الاستعداد ونارها غير محتملة.

يبقي الإشارة إلى أن الفيلم رغم تميز الإخراج وكادرات التصوير والموسيقي التصويرية إلا أنه كان شديد العنف،ولم تختفي مشاهد الدماء والعنف سوى في لقطات قصيرة جدًا حملت دفئًا عاطفيًا لم نستمتع به لقسوة ما سبقها وما تلاها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل رائع
همسات ( 2009 / 6 / 5 - 22:26 )
الجميله الممتعه باسنت موسى أنا من المتابعين لكتابات وفى كل مره تمتعينا بتحليل راق وأسلوب رائع
أتمنى لك التوفيق
تحيات معجبه

اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح