الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا المتحوّلة والمسلمون الثابتون

هوشنك بروكا

2009 / 6 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا شك أن "الخطاب الرمز" الذي توجه به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أمس، من على منبر جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي، كان خطاباً تاريخياً بكل المقاييس.
وتاريخية هذا الخطاب، تكمن بالدرجة الأساس في أنه أسس لتاريخٍ جديدٍ في الحوار بين الغرب المسيحي والشرق المسلم.

الرئيس أوباما لم يخطب، أمس، في السياسة فقط، وإنما خطب في الفكر والثقافة والدين وفي ما حواليه أيضاً. عليه، فأنه لم يقرأ في خطابه الذي حمل رموزاً وإشاراتٍ ورسائل كثيرة، الفاتحة على سياسات سلفه جورج بوش فحسب، الذي طالما وصف "الشرق المسلم" بإعتباره نقيضاً للغرب المسيحي، والذي كان سبّاقاً في صك مصطلحات من قبيل "الفاشية الإسلامية" و"الحروب الصليبية الجديدة"، وسواها، وإنما قرأ الفاتحة، في ذات الخطاب، أيضاً، على روح أفكار صاموئيل هنتنغتون(1927ـ2008)، المتمثلة في نظريته المعروفة "صدام الحضارات"، والتي ألهمت المحافظين الجدد، وأضحت الركيزة الأساسية لسياسة أمريكا الخارجية مع الآخر(المسلم)، على مدى أكثر من عقدٍ ونيفٍ من الزمان، وذلك لإيمانهم بحتمية الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لأنه صدام بين "ندين متناقضين".

ففي الوقت الذي حددّ فيه هنتينغتون "مشكلة الغرب الأساسية في الإسلام نفسه(كل الإسلام) بمختلف حضارته، وبأتباعه الذين يعتقدون بتفوق حضارتهم في نفس الوقت الذي نراهم مهووسين بتخلفهم"، حدد أوباما أمس، في خطابه، مشكلة الغرب والعالم كله في "المتشددين والمتطرفين من كل الأديان"، مؤكداً "أنّ للحضارة الإسلامية فضلٌ كبير على الإنسانية جمعاء، لأن الإسلام هو دين التسامح، وهو الدين الذي حرّم قتل النفس البريئة، كما جاء في القرآن: من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

الرئيس الأمريكي، ومنذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، كرئيس جديد ل"أمريكا العهد الجديد"، بدا على عكس سلفه، مرناً في خطابه، ومتسامحاً مع الآخر، ولبقاً في إسلوبه، وذكياً في اختيار مفرداته، خصوصاً عند مخاطبته للعالم الإسلامي.
فهو منذ اللحظات الأولى من دخوله البيت الأبيض، وإلقائه لخطاب القسم، بدا متغيّراً ومنفتحاً في رؤيته إلى الإسلام والمسلمين، بعكس الكثير من الساسة والمفكرين الغربيين النمطيين الذي قسموا العالم إلى فسطاطين: "فسطاط الأصدقاء" و"فسطاط الأعداء"؛ "فسطاط معنا" و"فسطاط ضدنا"؛ "فسطاط"(نا) و"فسطاط"(هم).

هو منذ الأول من عهد أمريكا(ه) الجديد، فصّل بين المسلمين والإسلام كدين، وبين المتطرفين والمتشددين الإرهابيين "الذين لا دين لهم". وهو، علاوة على ذلك، خاطب الإسلام، بإعتباره "داخلاً" لأمريكا، وليس "خارجاً" عنها أو عليها، وذلك حين قال: "إننا أمة تتألف من مسيحيين ومسلمين، من يهود وهندوس، ومن غير المؤمنين بأي دين، إننا مزيج من كل اللغات والثقافات، ونابعون من كل طرف من أطراف الأرض"(خطاب القسم).
في بعضٍ من خطابه أمس، أكد أوباما مجدداً، على الإسلام بإعتباره "جزءاً داخلاً" في أمريكا ومنها، وذلك في سياق حديثه عن جذور أبيه الإسلامية، وتصالحه مع الإسلام وثقافته.

الخطاب، كما قال أوباما نفسه، جاء خطاباً لتغيير الرؤية الغربية التقليدية، التي تمّ الربط المباشر فيها بين الإسلام والإرهاب، وبالتالي لقطع دابر الفتنة وسد الطريق أمام المتطرفين والمتشددين، الذين خلقوا أجواءً من الشك واللاثقة بين العالمين الغربي والإسلامي، بغرض التأسيس تالياً، لبداية جديدة، وعهد جديد من العلاقات القائمة على الإحترام المتبادل بين الطرفين.

هو، قال كلمته الفصل، ك"رئيس لأمريكا المتغيّرة"، منفتحاً على الإسلام والمسلمين: "جئتكم إلى عقر داركم، كي أقول لكم، أن أمريكا ليست عدوة الإسلام والمسلمين، بل ما يربط بيننا هو أكثر".

على مستوى علاقة أمريكا مع العالم الإسلامي، هناك الكثير ممن تحدث وبحث وكتب في "تغيّر أوباما"، الواقع منه والمتوقع، الممكن منه والمستحيل، القريب منه والبعيد، ولكن ماذا عن تغيّر "الآخر" المسلم، الثابت في معظمه، منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان؟

أوباما أمريكا المتغيّرة، قال: "أنّ الإسلام جزء من أمريكا، وما يربط بينهما هو أكثر بكثير مما يفرقهما"، وأشار إلى "أنّ للإسلام تاريخاً يدعو للإفتخار"، ولكن هل سيتغيّر المسلمون و شيوخ الفتاوى الثابتون، ويكفّون عن وصف أمريكا ب"عدوة الله"، و"الخارجة على شرعه"، وعن الإفتاء ب"قتل" الأمريكيين، ورش واشنطن وأخواتها بمادة الأنثراكس، حسب فتوى الباحث السياسي والأكاديمي الكويتي د. عبدالله النفيسي، التي بثتها أشهر فضائية عربية في 02.02.09؟

هل سيكفّ دعاة التاريخ الثابت، والإسلام الثابت، عن نصوصهم الثابتة، الذين يقسّمون تاريخ العالم إلى تاريخين متصادمين عدوّين: "تاريخنا الهالك" و"تاريخهم المهلك"؛ "تاريخ الأنا" و"تاريخ الهو"؛ "تاريخ الله" و"تاريخ الشيطان"؛ "التاريخ الكامل" و"التاريخ الناقص"؛ "التاريخ الخيّر" و"التاريخ الشرير"...إلخ؟

أوباما أمريكا المتحوّلة، قال ل"إيران النووية"، أن أمريكا ليست بعدوتكِ، وهي ليست بالضد من "نوويتك السلمية"، ولكن هل سيكفّ الملالي الثابتون، من أمثال أحمدي نجاد، عن وصف أمريكا الدائم ب"الشيطان الأكبر"، وعن تهديدهم ل"شيطانها الأصغر" إسرائيل، بمحوها من على الخريطة، ومن أيّ وجود؟

أوباما الذي يصرّ في كل مناسبة على "ضرورة التغيير"، قال: المستقبل هو لقيم الديمقراطية، التي هي "ليست مجرد قيم أمريكية فحسب، وإنما هي قيم إنسانية عامة، لا يختلف عليها أي شعب أو أمة"، فهل ستتغيّر جماعات الإسلام السياسي الثابت، وتكفّ عن وصف الديمقراطية، بأنها "بدعة غربية"، و"ثقافة غريبة لا تمت إلى الإسلام بصلة"، وعن زج الدين في السياسة، وعن "شعار الإسلام هو الحل"، و"ولاية الفقيه"، و"دولة الخلافة"، و"الإمامة"، وما شابه ذلك؟

أوباما الباحث عن التغييّر، قال أن العراق هو للعراقيين، فهل سيتغيّر الطائفيون الثابتون، ويدعون طوائفهم الثابتة جانباً، ليصبح الدين لله والعراق للجميع، وليكون عراقهم "وطناً نهائياً"، لكل أبنائه، عرباً وأكراداً وتركماناً وآشوريين وكلدانيين وأرمنيين، سنةً وشيعةً ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وشبك وكاكائيين وفيليين وبهائيين...إلخ؟

أوباما، خاطب الفلسطينيين واليهود، بضرورة قبول حقيقة التعايش المشترك، بين الشعبين، في دولتين جارتين: واحدة للفلسطيين، الذين "يجب عليهم التخلي عن العنف"، وآخرى لليهود الذين "عليهم وقف بناء المستوطنات"، فهل ستتغير حماس وتتخلى عن سياساتها العنترية، وويلها وثبورها ل"الشعب اليهودي"، وتقبل بإسرائيل كدولة جارة، وتكف عن وصفها الثابت والسقيم لها، ب"الكيان الصهيوني"، و"دولة العدو"، و"دولة الفصل العنصري"، و"الدولة المارقة"، و"الدولة الخنجر في خاصرة العرب"...إلخ؟
وهل ستتغيّر إسرائيل، عن تطرفها تجاه الشعب الفلسطيني، وتكفّ عن سياسة التعامل معه ب"عقدة المحرقة"؟

أوباما الذي يريد للتغيير في أمريكا أن يكون، قال أن "أمريكا تحترم كافة القوى السياسية بما فيها تلك التي تختلف معها، وأنّ احترام إرادة الشعوب أمر لا يقبل التعامل بمعايير مزدوجة"، فهل ستتغير سلوكيات الأنظمة التوتاليتارية والأوليغارشية الثابتة، في الشرق المسلم مثلاً، ويكفّ القائمون عليها عن قمع إرادة الشعوب، وإقصاء وإلغاء الآخر، ودوس الحقوق والحريات والكرامات؟

أوباما، الماشي إلى تغيير أمريكا وتحريرها من "السلوكيات النمطية"، دعا إلى الحرية الدينية، مستشهداً ب"إسلام الأندلس" كخير مثالٍ على التعايش السلمي، الذي شهدته تلك الحقبة من الحكم الإسلامي، بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ولكن هل سيكفّ إسلاميو مصر مثلاً، عن وصف أقباطهم ب"أولاد القردة والخنازير"، وب"الطارئين على مصر"، وب"أهل الذمة"؟
هل سيكف السني عن الإفتاء بقتل الشيعي وبالعكس.. وهل ستغيّر الشوارع الإسلامية، في أرجاء بلاد الإسلام من نظرتها إلى غير المسلمين، بإعتبارهم "ذميين"، أو "خارجين على مملكة الله"، أو مواطنين من الدرجة الدنيا؟

أوباما، الداعي لفتح عهد أمريكي متغيّر وجديد، دعا إلى إخراج نصف البشر(المرأة) من تعطيله، فهل سيعدل السلفيون والنصوصيون عن فتاواهم، التي لا ترى في المرأة إلا نصفها أو أقل، والتي كثيراً ما يُفتى فيها، على أنها "ناقصة عقلٍ ودينٍ ودنيا"؟

أمريكا منذ نشأتها، واستقلالها من المملكة المتحدة سنة 1776، هي في تغيّر دائم ومستمر.
مع أوباما، المختلف كثيراً عن سابقيه، جاء تغيير أمريكا، هذه المرة(على مستوى الخطاب السياسي في الأقل)، كفرصة تاريخية كبيرة، لصالح العلاقة مع العالم الإسلامي، التي طالما شهدت الكثير من التوترات والعداوات والكراهيات، والتي أوصلت المسلمين، على امتداد بلاد الإسلام، إلى قناعةٍ تامة، ب"أنّ أمريكا هي عدوة الإسلام اللدودة".

هذا التحوّل أو النية في تحقيقه، كما يريد أوباما له أن يكون، يبقى، على أيّ حال، "نصف تغيير"، في نصف الطريق، لا بد من استكماله بنصف التغيير الآخر، الذي تقع مسؤولية نصف نجاحه على عاتق العالم الإسلامي، والذي بدون استعداده لهذا التغيير ودون تمكينه لشروطه، سيستحيل تحقيق أي تغيير، مهما بلغت درجة صدقيته وضرورته أمريكياً.

الرئيس أوباما، تحدث في الكثير من الثوابت، التي آن أوان تغييرها.
ولكن ما لم يقله أوباما، أو سكت عنه، ربما ليقوله في القادم المتغيّر من خطاباته، هو : "ان الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بانفسهم"(الرعد: 11).

في خطوة سياسية غير مسبوقة أمريكياً، غيّر أوباما ما بنفسه وبنفس أمريكا وخطابها السياسي تجاه الإسلام والمسلمين، ليسجّل بذلك موقفاً تاريخياً يُحسب له ولأمريكا(ه)، فهل سيغيّر المسلمون ما بأنفسهم تجاه أمريكا، ويلتحقون بركب التغيير، أم أنّ القائمون على شئون الثابت من الدين والسياسة والثقافة منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان الثابت، سيجهلون أوباما ويتجاهلون خطابه، وكأنها "ضرطة في سوق الصفافير"، على حد قول المثل العراقي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفاق السياسة
سركون البابلي ( 2009 / 6 / 6 - 21:13 )
الكل يضحك على الكل


2 - ينبغي أن لا ( رمز مقدس ) في الديمقراطية ..... المزعومة !!؟
فراس الفتلاوي ( 2009 / 6 / 7 - 00:51 )

ينبغي أن لا ( رمز مقدس ) في الديمقراطية ..... المزعومة !!؟

خطاب رمز !!!

حقاً هو رمز , لكن لكل ذي هوىً تأويلاته الرمزية ..

قد يستدرك مستدرك , لتأويله على أنه رمزٌ للألتفاف على ملايين المظالم , و على ملايين القتلى الذين مازالت أرواحهم تبحث عن إجابة مقنعة لمآئل مصائرهم على يد حفنة من ملاك مصير البشرية بما ملكوا من رؤوس أموال فلكية الأرقام , عابرة للقارات , ماسخة للوعي و العقول ..

على رسلك سيدي ... فينبغي عليك التشرب جيداً بدمقرطة الأخلاق و أخلاق الدمقرطة !! لتعرف حينها ( ربما ) أن لا مقدس لدى ديمقراطيو رأس المال الماسخ للقيم و العابر على جثة الأخلاق , الذي ثابته المطلق و الوحيد , هو المصلحة فحسب , فحسب , فحسب .. ثلاثاً ..

كلنا ( كبشر ) نجيد الأخلاق لحظة إرتقاء المنابر العاجية ! و كلنا نحسن التلبس بنصاعة الملائكة لحظة التغريد بعيداً عن الواقع ! لكن من منا يتجرأ على تعرية حقيقته الداخلية التي تنبض فيه و تؤرقه حتى و هو في أوج نشوة تسلقه لأكتاف المثال , قريباً من أو قاب قوسين من التبرك بلمس لحية الله الناصعة !!!!

تحية رمزية


3 - يقول غاندي كن التغير الذي تريد ان تراه من الاخرون
اسماعيل ميرشم ( 2009 / 6 / 7 - 05:42 )
لو افترضنا حسن النية والمقصد في اوباما كما يقول الحكمة كلام الانسان اليوم ناتج عن افكاره بالامس واعماله غدا هي النتيجة الحتمية لكلامه اليوم
ولكن يبقى السؤال هل هذه القاعدة والحكمة تطبق في السياسة والعلاقات الدولية؟
وهل حكام الشرق الاوسط ايضا يفعلون ما يقولون ام اصلا هل هم مستعدون ليفكرو بالتغيير ليجاهروا بها علنا وهي اضعف الايمان ام ان معظم حكامنا يعلنون عكس ما يضمرون ويفعلون بكل طاقاتهم لتقوية سلطتاتهم الديناصورية
القمعية والمانعة للحريات المدنية ولمبادي التعايش المشترك وبسلام


4 - والحكمه تبررت من جميع بنيها
متفرج ( 2009 / 6 / 7 - 07:50 )
الاجابه...لا...ياسيدى لكى تظهر حماقتناجليه لكل أنسان ...سوف يقول لك الجميع أن الخطاب يغازل الكل ولا توجد أليات تنفيذ ...أو انه نفس خطاب بوش ولكنه بصورة أخرى ....الخ...لانهم لا يريدون ولا يستطيعون التغيير ...ولكى تصير حماقتنا مفضوحه ..فقد جاء بوش بالحرب فرفضناه وجاء أوباما بالسلام ....فرفضناه أيضا

اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_