الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مخطوطة -يوحنا النقيوسي- عن أحداث الفتح العربي لمصر

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2009 / 6 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يرى الكثيرون أن الفتح العربي لمصر كان نزهة خلوية استقبل القبط فيها العرب بالأحضان وحاربوا في صفوفهم ضد الرومان الغزاة المعتدين إلى آخر تلك الأوصاف، ولكن.. هل هذه هي الصورة الحقيقية فعلاً؟ وهل تلك هي القراءة الصحيحة لأحداث الغزو الاستيطاني العربي لمصر؟
** إن الدخول قد حدث وقد صار العرب جزءًا من تركيبة مصر وصارت اللغة العربية هي اللغة الرسمية فما حدث قد حدث.. ولكن هل يعني هذا أن نتوقف عن قراءة التاريخ لنتعلم مما حدث ونصحح مفاهيمنا الخاطئة فيه أم نكتفي بما ورثناه ونردد قول الجاهليين "هذا ما وجدنا عليه آباءنا وإنا على آثارهم مقتفون
*وفي البحث عن التاريخ يعتد دائمًا بالقديم من الكتابات فهي التي تكون أقرب إلى الصواب، وعند احتياج الكاتب للرجوع إلى فقرة في كتابه فإنه يرجع إلى "المسودة" التي كتبها أولاً...
ولهذا.. فإن أقدم المخطوطات التي سجلت أحداث الفتح العربي وذكرت ما حل فيه من تداعيات هي مخطوطة "يوحنا النقيوسي" الذي عاصر الفتح العربي فقد عاش في أواخر القرن السابع للميلاد وبداية القرن الثامن الميلادي ولم يكن "يوحنا النقيوسي" مؤرخًا قبطيًا عاديًا، فقد كان أحد أهم اثنين من الأساقفة في مصر وعُيّن في عهد البابا يوحنا الثالث رئيسًا لأساقفة مصر السفلى وغيرها من المناصب.

ومن المثير للعجب تجاهل الدارسين العرب لفترات طويلة لتلك المخطوطة الأم.. بينما كانت الدراسات الغربية لتاريخ مصر في أواخر العهد الروماني وأوائل العهد العربي تعتمد عليها.
ومن الأعجب أيضًا فقدان النسخ الأصلية للمخطوطة "القبطية" وفقدت كذلك كلاً من النسخة اليونانية والعربية اللتان تم ترجمتهما عن القبطية!، ولم تبق إلا نسخة أثيوبية مترجمة عن القبطية حفظت بمكتبة الكنيسة بأثيوبيا حتى قام الدكتور "زوتنبرج" بتقديمها مع ترجمة فرنسية لها ولم تذكر في الدراسات العربية إلا آخرًا على يد المؤرخ المصري المعاصر عبد الرحمن الرافعي.
(راجع هوامش الفتح العربي لمصر - حكايات الدخول - الباحثة سناء المصري - طبعة إشعاع للنشر - ص 93).

لقطات من المخطوطة تشرح ما حدث:
1- عندما عرف المسلمون أن "دمنديانوس" هرب ساروا في ابتهاج واستولوا على مدينة "قيوم" و"بويط" وأراقوا منها دمًا غزيرًا. (مخطوطة يوحنا النقيوسي).
2- يتكلم "النقيوسي" عن فتح بابليون فيقول: وقبض عمرو على كل مًن يخالفه من حُكّام الرومان وكَبّل أيديهم وأرجلهم بأغلال الحديد والخشب ونهب أموالاً كثيرة بعنف وضاعف فرض الضرائب على العمال وكان يُسخّرهم ليحملوا طعام أفراسهم وارتكب آثامًا كبيرة لا تحصى". (النقيوسي: المصدر السابق).
3- عقد "كيرلس" -البابا الخلقيدوني- عقد التسليم وأداء الجزية واستولى المسلمون على كل بلاد مصر جنوبًا وشمالاً وضاعفوا عليهم فريضة الضرائب ثلاثة أمثال" (النقيوسي: المصدر السابق).
4- والمدن التي شرعت في المقاومة كان جيش الإسماعيليين ينشب النار في أسوارها وبيوتها وطرقها وزروعها. (النقيوسي: المصدر السابق).

5- عندما دخلوا مدينة "نقيوس" واحتلوها ولم يجدوا أحدًا من المحاربين فكانوا يقتلون كل مَن وجدوه في الطريق وفي الكنائس رجالاً وأطفالاً ولم يشفقوا على أحد. (النقيوسي: المصدر السابق).
6- ونهبوا كثيرًا من الأسلاب وأسروا النساء والأطفال وتقاسموهم فيما بينهم وجعلوا هذه -يقصد نقيوس- فقيرة. (النقيوسي: المصدر السابق).
+ وقد نبر "النقيوسي" وأشار مرات عديدة إلى وجود مقاومة قبطية أمام الاجتياح العربي -رغم عزلة القبط- حتى أن عمرو رئيس المسلمين مكث إثني عشر شهرًا يحارب المسيحيين الذين كانوا في شمال مصر ولم يستطع فتح مدنهم. (النقيوسي: المصدر السابق).
+ وبعد... لعل تلك الصور كافية لتوضيح جزء مما جرى وحدث أثناء أحداث الاجتياح العربي لمصر؟!

وهنا سؤال هو السبب من وراء كل ما كُتب ها هنا:
هل هذا يتشابه مع ما قيل عن سماحة وعدالة الفتح العربي؟ هل علينا الامتثال للصمت كما نفعل الآن؟ أم أن علينا قراءة التاريخ مرة أخرى وتصحيح أخطائه والاعتراف بها لعلنا يومًا نصل لدولة مدنية تضم كل المصريين بحقوق متساوية لا فرق فيها على حساب الدين أو اللون أو الجنس؟
الأيام هي التي ستجيب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دوافع الغزو
محمد البدري ( 2009 / 6 / 16 - 11:28 )
دوافع غزو مصر كانت السلب والنهب وتصدير الثروة الي جزيرة العرب. فبعد حروب طويلة زمن الاسلام في يثرب وما صاحبها من تدمير لهياكل الانتاج بل وسيطرة البدو وقطاع الطرق من المسلمين عليها ثم حروب الردة التي استمرت سنتين فقد وجد عمر ابن الخطاب نفسه في موقف صعب. فهو قد ورث تركة ثقيلة ممن اصبحوا مسلمين لكنهم لا يملكون شيئا بسبب الحروب وغير قادرين علي الانخراط في هياكل انتاج تقيم اودهم بالعمل فيها. لهذا صدرهم باعتبارهم مقاتلين منذ الغزوات النبوية لتحصيل الجزية والخراج من البلاد خارج جزيرة العرب. فالثروة هناك يسيل لها لعاب الجياع. ولنقرأ ثانية تاريخ الاسلام بدءا من زمن عمر وحتي النهايات الحزينة بتولي المماليك والعبيد الحكم باسم الاسلام.


2 - الرصانة في البحث
سعد السعيدي ( 2009 / 6 / 16 - 14:49 )
لغرض تأسيس تقليد رصين في أي بحث يتوجب تواجد عدة مصادر تبحث في اي حدث لاعطاء اكثر من وجهة نظر وترك الحكم للقارئ ولكيلا يفقد البحث مصداقيته. في موضوع مصر اعلاه هل توجد مخطوطات اخرى تؤيد ما جاء في مخطوطة النقيوسي هذه ؟ إن لم تتواجد مثل هذه المخطوطات فهل علينا تقبل ما تقدمت به هذه لوحدها اعلاه ونقول آمين ؟

لا يبدو لي هذا من الرصانة بأي شئ