الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحلام المتكسّرة تحت السقوف الواطئة .. في مسرحية (ديكور) السورية

مايا جاموس

2009 / 6 / 9
الادب والفن


تطرح مسرحية (ديكور) محاور عديدة، الأول هو الإطار العام للحكاية ويتعلق بالتفكك الأسري، وتفكك البيوت والروابط الأسرية والعلاقات الإنسانية. فالصلة منقطعة بين الأب (حسان) والأم (تسنيم) رغم وجودهما في البيت نفسه، وإن تواصلا فذلك من خلال الرسائل.
الأم تعزل نفسها وتعاقب الأب وتستغله مادياً، ويتضح في نهاية المسرحية أنها تسرقه.. الأب يسرق ابنه (مجد) ويتهمه بالسرقة، وتصبح الخادمة (بيسان) صلة وصل بينهما.
والمحور الآخر هو قضية التبرع بالكِلية، فالابن مجد يقرر التبرع بكليته لصديقه لكنّ أباه يرفض ويتهمه بالجنون. ويحاول من خلال الممرض (فواز) أن يثني ابنه عن قراره. وهنا تقدم المسرحية مجموعةً من الإحصائيات المتعلقة بعدد المرضى الذين يقومون بغسيل كلاهم، ومقدار تكلفة المرض، وتعقيدات التبرع بالكلية وانعكاس ذلك صحياً على المتبرع، وثقافة المجتمع تجاه التبرع إذ تعدّه جنوناً. ومن جهة أخرى تقوم المسرحية من خلال فواز بكشف وتعرية السلوك الاجتماعي المزيف والمقصِّر لأصحاب الرساميل إذ يقول فواز لمجد: أمِّن مالاً لشراء وحدات غسيل متطورة لا ينتقل عبرها التهاب الكبد، بدل المثالية الساذجة التي تدفعك إلى التبرع بكليتك.
وهنالك الخادمة بيسان، التي درست في الجامعة ومع ذلك تضطر إلى العمل خادمة في بيوت الناس مقابل أجور زهيدة، وقد يخدعونها ويسرقونها. والأسوأ أنها تضطر إلى تحمّل الذل والإهانة منهم. إنها تختصر في المسرحية قضية التفاوت الطبقي في المجتمع، ورغم أن الأب يشكّل في المسرحية البنية الأساسية للاستغلال والقمع، لكنّه هو نفسه يفاجأ بالخادمة ومقدار قبولها للاستغلال حين يقرر أن يعطيها جزءاً من أجورها ويسرق الباقي، ويقوم بتوبيخها على صمتها وقبولها.
ضمن ذلك تطرح المسرحية حكاية ثانوية تبدو خارجةً عن سياق الحكاية الرئيسية، لكنها تكمّل المشهد الذي ترسمه المسرحية للمجتمع السوري، بل تعطيه خصوصيته. إنها حكاية عازف الكمان الشاب الذي يعبر عن شريحة الشباب الذي تتكسر أحلامه وطموحاته أمام صعوبات الواقع وتعقيداته. فهذا الشاب حلم بتغيير العالم من خلال الموسيقا، لكنه وجد نفسه عازفاً بالأجرة في أحد الملاهي، وهذا هو حال باقي أصدقائه، ويضحك من شدة الألم ثم يبكي.
ورغم أن دور الطبيب قصير لكنه يقدم تكثيفاً لحالة تسليع الإنسان.
تبرز في المسرحية فكرة الموت المجاني أو الرخيص الذي يمر بارداً فسميَّة زوجة الصديق تموت وكذلك ابن الطبيب، والأم تسنيم تبدو كالميتة في حياتها. وحتى عندما تهرب بحثاً عن ذاتها،فإنها لا تظهر على الخشبة لتبقى مغيبة كما الكثير من النساء.
ويظهر العرض الجميع كضحايا، الابن والطبيب والخادمة والأم وصديق الأب الذي أصيب بالفالج، حتى الأب هو ضحية.
يكتفي العرض بتوصيف حال الشباب وخيباتهم وحال المجتمع بالعموم من خلال قصص تكثف جوانب هامة تحكم المجتمع السوري، دون أن يقدم قراءة في الأسباب أو معالجة درامية لتلك المحاور التي طرحها.
تلك القصص للشباب السوري والعائلة السورية تُروى ضمن سينوغرافيا مكانية تتشابك فيها البيوت وتتداخل وتتوزع على طوابق، تميل وتوحي بالتهاوي. الشوارع فيها مائلة وحتى المكتبات برفوفها، كل شيء مشوّه ويوحي بالدمار في أية لحظة. وتبرز السقوف الواطئة لتلك البيوت تكاد تخنق أصحابها وتسحقهم. يفصل العرض بين الطبقات الاجتماعية من خلال ديكوره، فهذه المرة كلما ارتفعنا عن الأرض حيث الطوابق والسلالم التي يسكنها الفقراء المهمشون، ويستقر الأغنياء المتنفذون في الطابق الأول، وكأن المكان ينتمي إلى أحد أحياء السكن العشوائي في دمشق. فهي مدن مشوهة تضم هاربين من كل المدن بحثاً عن حياة أفضل. ومثلما لا تنتهي قصص الشخصيات في المسرحية ويمكن أن تزداد، فإن السينوغرافيا تقول إن هذه القصص يوجد مثلها الكثير في المدينة، فالبيوت والغرف على الخشبة كثيرة ولها الملامح ذاتها. تُفتح في بعض المشاهد فتحات أفقية على الخشبة تأتي منها الإضاءة البرتقالية تتزامن مع بعض المشاهد كمشهد العازف الشاب الذي تخنقه الخيبات، وكأنها إشارة إلى أن ما يعيشه ذلك الشاب هو جحيم. وفي الآخر يأتي العنوان (ديكور) ليقول إن كل شيء في هذا المجتمع هو ديكور أو إكسسوار أو مجرد أشياء غير فاعلة، بدءاً ببيوتنا ووصولاً إلينا نحن الأشخاص.
تفاوتَ أداء الممثلين وارتكز على تمثُّل الشخصية أي على الواقعية والصدق، لكن غلب عليه أحياناً الأداء الانفعالي المبالغ، إلى درجة الكوميديا المتأتية من التناقض بين تلك المبالغات في الأداء وردود أفعال الشخصية ومأسوية الموقف.
المسرحية هي تجربة طلابية، لكنها هذه المرة تجربة خاصة من إنتاج الجامعة العربية الدولية. وهي تجربة تستحق الكثير من التقدير والتشجيع لتتمكن من الاستمرار. العرض مستوحى من قصص قصيرة لأنطون تشيخوف (الديبلوماسي، المغفلة، العازف الأجير، هرج، الأعداء)، دراماتورجيا وائل قدور، إخراج رأفت الزاقوت، سينوغرافيا زكريا الطيان، تمثيل فراس كريدلي، همام جراح، كناري عثمان، عمر سعد الدين، معاذ زند الحديد، معن موصللي، محمد دعدوع.
مايا جاموس
النور 391 (3/6/2009)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة جيدة
زائر ( 2009 / 6 / 9 - 13:00 )
مسرحية جيدة ومقالة جيدة رغم أنها التجربة الأولى للممثلين.
شكراً مايا على تغطية المسرح السوري

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟