الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت تهمة الخيانة الزوجية:تنفيذ حكم الإعدام في بابل بحق احد المتزوجين

رشيد الفهد

2009 / 6 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نفذت الأجهزة المختصة في بابل حكم الإعدام بحق احد الأشخاص بعد ثبوت إدانته بتهمة الخيانة الزوجية فيما ذكرت وكالة أنباء آشور التي نقلت الخبر إن قرار الإعدام الصادر من القضاء جرى تنفيذه عن طريق إغراق المدان في نهر الفرات بحضور زوجته التي أدلت في تصريح لها قائلة: إن زوجي رحل غير مأسوف عليه وسط حشد من النسوة أطلقن الزغاريد والأهازيج ابتهاجا بالحادث بينما شوهدت لافتات كتبت عليها عبارات( يحيا العدل) و( الموت للخونة)..…انتهى الخبر وعلينا حتى لا
يصاب احد منا بالصدمة التنويه على انه خبر قديم جاء قبل أكثر من( 3000 )عام ضمن الأخبار المألوفة في ذلك العصر وان قرار الحكم جاء وفقا لشريعة حمورابي ملك بلاد الرافدين، المؤلفة من ( 247) قانونا تم العثور عليها منقوشة باللغة الاكدية في حجر اسود هو المسلة المعروفة التي حملت اسمه، و بهذا يمكن وصف الملك على انه مؤسس فلسفة القانون ويرجع له الفضل باحتساب القانون منذ ذلك الحين إحدى أهم البنى الفوقية للمجتمع.
نحن معشر الرجال نحمد الله ونشكره كثيرا بسبب أن لا احد في البلاد يفكر اليوم بتشريع مثل هذا القانون( الجائر) وإلا سوف تتعرض أنهارنا جميعا إلى الطمر والانسداد جراء كثرة الجثث العائدة للمتزوجين( الخونة) فضلا عن كونه في حال تشريعه سيكون مصدر قلق دائم سيما للرجال الذين يوصفون بالضعفاء أمام النساء ،فيما يمكن الاعتقاد بشكل جازم أن تشريعا كهذا سيلقي قبولا واستحسانا من جانب النساء وعلى الأخص ممن يمتلكن القدرة على المجابهة.
شريعة حمورابي الذي اتخذ من بابل عاصمة له تعد مصدرا مهما لمعرفة الطبيعة الأخلاقية و الاجتماعية والاقتصادية السائدة حينذاك في العراق،فعلى سبيل المثال يمكن الحصول على استنتاجات عديدة من قانون الإعدام الانف الذكر، أهمها أن المجتمع العراقي-البابلي كان يشدد على رفض الخيانة الزوجية ما يدل بشكل قاطع على انه مجتمع متماسك ومنضبط خلاف ما يعتقد به الكثيرون وان الوعي الاجتماعي-العائلي كان على مستوى عال وان سطوة ومكانة غير اعتيادية للمرأة عكسها القانون بوضوح الأمر الذي يفسر لنا فكرة إنشاء الجنائن المعلقة في بابل،إحدى عجائب الدنيا.
إلا أن الملك العراقي تراجع في باب آخر من شريعته ليفوت الفرصة أمام الشامتات والمتشفيات بالأزواج الخونة ، ساعيا بقدر الإمكان إلى تثبيت مبدأ( مساواة )الرجل مع المرأة، فقد شرع قانونا يقضي بإعدام الخائنات بنفس الطريقة إلا أن الأمر الجديد في هذا القانون هو منحه حق عفو الرجل عن زوجته أذا اثبت التحقيق إدانتها وإذا ما أراد هو ذلك ..في مؤشر يعكس وجود آثار واضحة للمجتمع الانثوي الذي يمتاز بالسطوة الهائلة للمرأة على الرجل وهو ما سبق المجتمع البابلي ذو الخصائص الذكورية وان كانت في مراحلها الأولى.
إن شريعة حمورابي ملك وادي الرافدين حملت أول قانون للأحوال الشخصية في العالم احتوى على فقرات تتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والإرث حتى تحولت بعضها إلى موروث عقائدي احتوته اليوم ثقافات معظم شعوب الأرض والى سياقات تتعلق بالإدارات الاجتماعية للكثير من البلدان ،فبالنسبة للزواج اعتبرت الشريعة بطلانه في حال عدم وجود عقد مسجل بين الطرفين ، وفي هذا الحال أشار القانون إلى عقوبات يمكن أن تطال الاثنين معا دون أن يجري تحديدها ما يعني أن الأمر كان متروكا للقضاة، كما اوجب العقد تثبيت ما اسماه( سعر العروسة) أي مهرها وبعض ما يمكن تثبيته من أثاث منزلي وهدايا يكون عادة حسب المنزلة الطبقية للعريس.... يجري تسليم السعر إلى والد العروس الذي بدوره سيكون ملزما بتسليم ابنته وفي حال رفضه تسليمها عليه إعادة السعر مضاعفا للعريس على أن يتم العقد في مراسم يقول فيها العريس:( أنا ابن النبلاء و الذهب والفضة.. ساملأ أحضانك.. فلتكوني زوجة لي) أما هي من جانبها عليها القول:( سأكون زوجة لك مثل فاكهة البستان.. سأمنحك نسلي)...
يلاحظ من خلال عبارات الترديد بين الاثنين أن الرجل في مملكة بابل كان مصدر التمويل الأساس بالنسبة للأسرة من خلال تباهيه بحيازة الذهب والفضة وان كان من المحتمل أن يكون التعبير مجازيا سيما بالنسبة للفقراء، وبما أن النسل جاء على لسان العروس فان ذلك ممكن أن يفسر المقولة العراقية الشعبية( منك المال ومنها البنين) التي يعتقد أنها موروثة منذ ذلك الحين وهي مقولة شعبية لا تزال شائعة حتى الآن في العديد من المدن التي احتضنت الموروث كالنجف وبغداد والموصل والحلة وغيرها ، وبما أن عبارات العريسين قد حملت طابعا رومانسيا من خلال قوله (ساملأ أحضانك) وقولها( فاكهة البستان) فان ذلك يدل بوضوح على عمق الأحاسيس المرهفة لدى شعب بلاد الرافدين وما يثبت صحة ذلك هو العثور على أشكال مختلفة لهذه الأحاسيس جاءت بأشعار وفنون ، وبما أن فاكهة البستان التي اقترنت بالعروس ذات مذاق حلو، وبما أن تأدية مراسم عقد الزواج على هذا النحو استمرت لعشرات القرون، حتى صارت ضمن ثقافة العراقيين.. فان ذلك ممكن أن يفسر على الأرجح إطلاق العراقيين تسمية( حلوة) على الأشياء الجميلة وربما كانوا وحدهم من يطلق ذلك.
إن الزوجة في قانون الأحوال الشخصية لحمورابي في حال عدم إنجابها يمكنها أن تمنح لزوجها جارية تنجب له الأبناء تكون عائديتهم لها لا للجارية التي عليها من جانبها الخضوع لسلطة الزوجة، أما في حال وقاحة الجارية فإنها تنزل إلى مرتبة العبودية ، ولا يمكن في هذه الحال بيع الجارية إذا ما أنجبت أطفال أما إذا أقدمت الزوجة على بيعها عندئذ يكون للرجل الحق بالزواج من امرأة يكون أبناءها لها ولزوجها و عندها لا تملك الزوجة الأولى أية سلطة عليها ،كما أجاز القانون الرجل بالزواج من أخرى إذا اثبت أن زوجته تعرضت لإعاقة ،فإما أن يبقي المعاقة داخل المنزل أو يعطيها سعرها إذا رحلت إلى بيت والدها وفي كل الأحوال إذا ظلت الزوجة في بيت والدها فإنها عادة لا تسمى زوجة فلان وإنما أم فلان أو بنت فلان لأغراض الإشارة،حتى تحولت تسمية( أم فلان) ساحبة وراءها في مراحل لاحقة( أبو فلان) لتصبح التسميتان منذ ذلك التاريخ إحدى السياقات الشعبية المتداولة حاليا في العراق على نطاق يومي حتى وصل تأثيرها إلى غالبية الشعوب العربية المجارة .
إن الأمر الذي بينته قوانين الزواج لدى حمورابي هو مشروطية الزواج الثنائي ما يدل على أن الزواج الأحادي كان هو السائد في تلك الفترة ، أما بالنسبة للطلاق فقد منح القانون الرجل حق طلاق زوجته على أن يعيد لها مهرها وسعرها ويخصص لها دخلا يكفي لإعالة أولادها أما في حال عدم إنجابها سيكون من اللازم عليه أن يدفع لها( مينا فضة) كعقوبة لتنكره إياها إضافة إلى مهرها المنصوص في عقد الزواج ويحق لها الزواج مجددا ،وإذا ما ثبت أنها زوجة سيئة وان كان القانون لم يوضح ما معنى( سيئة) فللزوج في تلك الحالة خياران،الأول إما أن ينزلها إلى مرتبة جارية داخل المنزل أو يستبعدها محتفظا بأبناءه دون أن تحصل على مهرها ، وإذا ادعت أن زوجها يعاملها بقسوة ولم يثبت التحقيق صحة ذلك فان عقوبتها الموت غرقا في النهر.. وهنا في هذه الفقرة علينا نحن معشر الذكور أن نحمد الله ونشكره مرة أخرى بسبب عدم وجود مثل هذا التشريع في قانون الأحوال الحالي وإلا علينا مواجهة نقص حاد في أعداد الإناث وعندها سنكون أمام كارثة لا تحمد عواقبها سيما بالنسبة إلى قليلي الحيلة والتدبير.
المصادر:-
................................................................
1-الاحوال الشخصية في شريعة حمورابي طارق كامل
2-ميزوبوتاميا د علي ثويني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب