الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوذي الذي كاد أن يفقد ظله ...

علي السعيد

2009 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عرفته هادئا , ساكنا ,طيب المعشر ,متمدنا في أسلوب علاقته بالاخرين .كلما مررت عليه وجدته يقرأ ,في أوقات فراغه ,كتبا عديدة في لغة وكلمات وحروف لاأفهم منها شيء .إنه حارس العمارة التي أسكن أحد شققها المطلة على الخليج , انه ( ناطور) منذ أكثر من ثمانية عشرعام , لدى كفيله مالك العمارة, والمتنفذ في مصيره , مستفلا قانونا جائرا يبيح له الاستغلال ..بل الاستعباد في كثير من الحالات. ما أن مضت بضع أشهر على اقامتي ,في هذا المكان ,حتى وجدت حاله قد تغيرت وتبدلت , مما زاد فضولي لمعرفة السبب والتقصي عنه .ما عادت كتبه موجودة ولاباب غرفته مشرعا كالمعتاد,عصابيا متلكأ في كلامه ,حاد المزاج ,هذا مالاحظته في لقائي معه .
راقبته عدة ايام , حين عودتي المسائية من العمل ,لكن هذه المرة من بعيد وقد احسست انه بدأ يتضايق من نرددي , الغير معتاد, عليه . ذات يوم واثناء نزولي الى الشارع وجدته مرتديا طاقية اسلامية ودشداشة بيضاء قصيرة مع مجموعة من الرجال الملتحين ذو الدشاديش القصيرة ايضا . فهمت أن اليوم جمعة والان حان وقت صلاتها , اذا الرجل قد أسلم أو تأسلم ..!على أية حال الرجل حر في اختياراته وتوجهه , هكذا قلت مع نفسي , لكن ما هذا التغيير في سلوكه ؟ لكنني على ثقة بأن هؤلاء الاصوليون سيعملون على مسخ ذاته وسيجردوه الكثير من وعيه وثقافته ومعتقداته الروحانية الطيبة .خاطبت نفسي , مرة أخرى, بانه يجب أن أصرف النظر عما يجري ((للسيد الناطور)) , فتركت الامور للصدفة وتقره اللحظات . على قراري الاخير كنت التقيه صدفة ..الرجل يبدو بأن الاسلمة قد أحدثت تأثيرها المباشر بأخراجه من طوره وادخاله في صومعة جديدة , مرتبكة ,مرتعبة , معقدة .
في بداية كل شهر اعتاد ان ياتي لشقتي ومعه فاتورة الكهرباء والماء والهاتف وبدل الايجار ,جاءني كالمعتاد وأذنت له بالجلوس على طاولتي التي تحوي مجموعة من الكتب مع كأس نبيذ وقارورته الذهبية .جلس أمامي والقلق باديا عليه فسألته عن مدينته وفترة اقامته الطويلة وعن عائلته في النيبال , لكنه ترك كل اسألتي ليسالني بمزاج حاد ليسألني هل أنت مسلم ؟ أجبته نعم .ولكنني غير ملتزما به والانسان حر في كل شيء ولا إكراه في الدين .خشيت ان اطيل معه هذا الكلام لان السلفية ترعاه وتراقبه وتعلمه , خشيت ان اطيل معه الكلام حتى لاأدخل مع متاهاتهم الطويله .الان وقد تيقنت بأن الرجل قد أسلم بالتمام والكمال وهذا هو السبب الرئيس في تغيير سلوكه . وجدته حائرا وعلامات غريبة على وجهه ومنها الندم والحيرة .ولكنه سرعان ماانفجر..صائحا بصوت عال ,لماذا يطلبوا مني أن اكون على دينهم بالتهديد والوعيد ,اما ان ادخل دينهم او تسحب الاقامة واسفر لبلدي ...وداري الذي اشيده الان بتعب سنين عديدة لم يكتمل ..!كيف أعود وانا متورطا بالبناء ونفقاته ..!لماذا ؟ اذا أرادوا أن يدخلوا بفعلهم هذا الجنة فالارض مليئة بالجياع والمعذبين والمضطهدين فاليساعدوا هؤلاء حتى يعطيهم الله جنته , أنا وجدت الكوارث والجفاف والجياع والحروب والقتل والتشريد لكن ما وجدت لله دور في التخفيف عنهم بشيء يذكر, ماوجدت الله في كل هذا ..!ما وجدت مسلما خيرا يمد لهم يد العون والمساعدة ..اذا كيف يريدوا أن يدخلوا الجنة بي ..! انا انسان لي مشاعري وحريتي وكرامتي وعقيدتي لماذا يريدون أن انحاز لهم واتبنى رغباتهم وامنياتهم؟لماذا يريدوا أن ينتصروا وان اكن انا المهزوم ؟ أنا في حيرة من امري وامرهم , وأنا انسانا منتصرا لماذا يرقصون فرحا على هزيمة روحي التي اوقفتها على قدميها بتعبي وكدي ؟ بعد ان حاولت قدر الامكان تهدأة ثورته وان اطلب منه تفسيرا لانتصاره وبانه انسانا منتصرا .اجابني وهو يركز نظراته نحو سقف الغرفة ,التي تريد ان تفهمه امور باطنية أنتم المسلمون لاتفهمونها , ولكنه هدأ فترة ليكمل كلامه ليسالني من جديد . قل لي سيدي مالعمل انا لااريد هذا كله واخاف من هؤلاء الرجال الملتحين وهم يهددون ان تركت دينهم فان هذا كفر وارتداد وعقوبته القتل .اجبته وانا افرغ اخر مافي قارورتي بكأسي, سيدي اخبر اصدقائك وكل البوذيون بامرك وبالتاكيد هم سيساعدونك في محنتك , ولكنه قاطعني ليسال .. هل تراني انا انسانا عاجزا عن الاعتماد على نفسي ؟ اجبته كلا ليس هذا المقصود , المقصود ان تخبرهم وكل انسان عليه واجب في الانسانية ان يساعد اخيه الانسان وهذا مبدأ الجميع . تركني وهو اكثر ثقة بنفسه وقد شعر بان عليه شي القيام به غدا .
بعد ايام اجبرتني طبيعة المهنة ان اترك الديار لفترة اكثر من شهرين لاعود وارى بان ( الناطور ) قد تلرك البلد دون رجعه , بعد أن جمع له كل رفاقه والميسورين من ديانته مبلغا كبيرا تغطي اكثر من عشر سنين عمل في دولة الخليج فيما لو استمر بعمله فيها . التأسلم والاجبار عليه تترك اثارا مدمرة في اشخاص مثل ( الناطور) , لانها ظربته في الصميم , في ذاته ,التي تحمل في طياتها الكثير من المعتقدات والروابط الروحية والاجتماعية والعائلية . ولو كنت باحثا واملك المعرفة الدقيقة والعميقة بمثل هؤلاء لتفرغت لدراسة تأسلم شعوب وقبائل وسط اسيا وكيف كانوا ولازالوا متأرجحي بين اصولهم الروحية والاجتماعية وتأسلمهم . وكيف لعبت بهم اهواء الاسلام بين طائفية عفنة واصولية مقيتة واستمرار استغلالهم ابشع استغلال ومنذ عقود ,ولذك استغلهم ابن لادن والقاعدة بل استغلتهم دول وكيانات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اجبار
حمورابي ( 2009 / 6 / 14 - 09:07 )
الحمد لله انهم لم يجبروهوا على التمنطق بحزام ناسف ليفجر نفسه بين الابرياء .

اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah