الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيعة علي وشيعة المذهب

مالوم ابو رغيف

2009 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


.اذا كان المسلمون السنة قد اكتسبوا تسميتهم او صفتهم من اعتقاد ديني بسنة محمد واعتبارها المكون الثاني للاسلام بعد القرآن ، واذا كانت الميزة الرئيسية لهم هي الانصياع لولي الامر والرضوخ لدولته حسب اية قرآنية سُيس تفسيرها واستُغلت لخدمة اغراض سلطوية ومصلحية(*)، وكانوا نتاج هذه الدولة وجمهورها الخامل، فان الشيعة كانوا دائما يمثلون الجمهور الديناميكي المتحرك المعارض لهذه الدولة ولولي امرها ولكيانها وللاسسها. لم يكونوا طائفة دينية ولم يتبعوا سنة محمدية ولم يرفعوا شعار العودة للاسلام ولا تحكيم القرآن.
لم يكن الصراع دينيا في الفترات التي اعقبت محمد بن عبد الله، لا في فترة ابو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا معاوية، كان صراع بين جناحين، جناح الذين استغلوا صحبتهم لمحمد و تقدمهم بالاسلام او قرابتهم للخلافاء من اجل تجميع الثروات وتكديس الاموال واستقطاع الاراضي والبساتين وشراء العبيد والجواري، وبين جناح اخر هو جمهور المسلمين الواسع من الفقراء والمعدمين والذين وجدوا بعلي وبأحقيته بالخلافة وسيلة للاحتجاج على سياسة من استولوا على الملك والثروة فوزعوها بين اقرابهم وحاشيتهم وخاصتهم واهل جلدتهم وما اعدلو وما انصفوا.
لقد كان الصراع بين الجناحين صراعا سياسا للاستيلاء على السلطة استمر بشكل انتقادات لتصرفات، ولوم على افعال، واعتراضات على اجراءات ليس دينية انما مدنية الطابع وان استخدم الدين في بعض الاحيان لتبريرها. لم ياخذ الصراع وجهه المسلح الا بعد ان الت السلطة لجمهور المعارضة التي مثلها علي بن ابي طالب بعد مقتل عثمان بن عفان. وحتى آنذك لم يكن القتال بين الاطراف المتخاصمة يدور حول تفسير اية، او اختلاف عبادة، او اعتراض على طقوس حج او عمرة، او على رسميات زواج او شكليات صلاة او صيام، فقد كان المسلمون جميعهم متشابهين في ايمانهم و في ممارساتهم الدينية، ولا يوجد من هو اعلم من بعض، فالخليفة ليس اعلن الناس ولا افقههم، فقد كانت الحياة بسيطة غير معقدة، ولم تكن العبادة هي الشغل الشاغل لعامة الناس ولا لخاصتهم. حتى عائشة وهي زوجة محمد لم تستغل الدين عندما اعدت جيشها المتمرد لمحاربة علي بن ابي طالب انما ادعت تبنيها لللاخذ بثأر عثمان واعلنت عزمها على الانتقام من الذين سفكوا دمه وكانها اموية المنحدر وليس تيمية النسب، لم تتحرك بوازع ديني بل بوزاع مصلحي حاقد مثلها مثل الصحابي معاوية بن ابي سفيان الذي اتخذ من قميص عثمان علما لمملكة اراد ان ينال عرشها حتى لو كان الثمن تدمير عرش الله وليس فقط سفك دماء مئات الاف المسلمين.

لم يختلف الشيعة في نظرتهم للاسلام عن السنة الا في مسألة السلطة واحقية توليها، وليس في حيثيات الاسلام ولا في تفاصيله العبادية والكهنوتية الاخرى. فالاختلاف كان سياسيا طبقيا، واذا جاز لنا القول كان صراع بين اليسار وبين اليمين في الاسلام. لم يتميز المسلمون بعضهم عن البعض الاخر بالصلاة ولا بالصيام ولا بقوانين الزواج، بل تميزا بالاصطفاف السياسي او قل الطبقي، بالولاء للسنة او الذين يمثلونها من خلفاء راشدين او امويين او عباسيين (الارستقراطيون والاغنياء) اوبالتشيع لعلي (الفقراء). اما السنة وادابها، فقد كانت القاعدة الاساسية التي استندت عليها الدول الاسلامية المتعاقبة لتبرير سيادتها، بينما الشيعة اصبحت القاعدة التي استندت عليها المعارضة للنضال والتمرد ضد الحكومات السنية المتعاقبة.
من هنا نستطيع القول ان منشا السنة هو منشئ ديني اي انها ودلت من رحم السلطة، بينما المنشأ الشيعة هو منش سياسي ثوري معارض، ولهذا السبب نرى دائما بان رجال الدين السنة دائما ما يحالون تديين السياسة و اعطاء الصراع الدائر بين الدولة وبين الجماهير الثائرة التي كانت في اغلب اوقاتها او فتراتها شيعية، يعطونها طابعا طائفيا وبعدا دينيا وينسبون للشيعة ابشع التهم والمثالب بما فيها تهم الـتأمر على الوطن وتشويه الدين الاسلامي والشعوبية.
حدث وان استولوا الشيعة على السلطة، فكانت لهم دولهم المختلفة، الدولة الفاطمية في المغرب وفي مصر والدولة الحمدانية في الموصل وحلب والدولة الصفوية والبويهة وكذلك دولة القرامطة، فكان لا بد من وجود غطاء ديني مذهبي يميزهم عن غيرهم من الدول الاسلامية السنية ويبرر لهم حكمهم خاصة بعد ان انتهوا الائمة الكبار من الـ بيت علي اما قتلا او سجنا او اغتيالا او سما. لذلك كان لا بد من انشاء مذهب تعبدي ديني يختلف في اصوله وفي فروعه عن ذلك الذي اعطى الشرعية للخصوم من جماعة السنة، لا بد من اختلاف عن دين السنة ليس بالولاء لعلي ولعن خصومه ورموزه فقط، بل بجعل منصب الخلافة والملك منصبا دينيا الهيا ان شئت وليس دنيويا، فكان وجوب الرجوع للقرآن وللحديث النبوي وللتاريخ للبحث عن ما يدعم هذا الاتجاه.
في عملية البحث والتنقيب والتفسير وايراد القصص والحكايات والروايات واصطناع الاحداث في صيرورة التكوين الشيعي المذهبي ولدت طائفة دينية خاصة، لها مؤرخيها ومحدثيها ورواتها وفقهاءها ورجال دينها، تختلف عن التشيع الاول الذي كان حركة احتجاج ثورية ضد التعسف والجور والاضطهاد والتعصب القبلي والقومي.
فكان المذهب الشيعي الذي لا يمثل الخط الفكري الثوري التاريخي للشيعة، الذي ركز جل اهتمامه على العبادات والتشريعات الاسلامية الدينية السقيمة وبحث عن اوجه الاختلاف في مجالات الشكليات الطقوسية ولم ينظر جوهر التسلط الا من منظار المصلحة المهذبية فقط، اذ ان النموذج الشيعي في الحكم لم يكن مختلفا عن النموذج السني فكلاهما حكما تسلطيا كهنوتيا دينيا.
لم ينظر المذهب الشيعي الى الاضطهاد والظلم السلطوي الا كونه اضطهادا للشيعة كمذهب، للعبادة ولمنع الشعائر الدينية الشيعية وليس كونه اضطهادا سياسيا وقمعا سلطويا طبقيا واجراءت تعسفية ومصادرة لحريات الناس بشكل عام، لذلك من الصعب وجود فرق بين حكم الشيعة في ايران وبين حكم السنة في السعودية او في السودان.
الاحزاب الشيعية الاسلامية لا تمثل شيعة علي انما تمثل شيعة المذهب،وبين شيعة علي وشيعة المذهب اختلاف كبير جدا، فشيعة علي وجدوا فيه مناضل من اجل الحق، وقوف مع معسكر الفقراء والمضطهدين، ثورة على الظلم والجور انتقاد وفضح لاهدار الاموال وتبذيرها، كفاح ضد اساءة استخدام السلطة وعدم الاهتمام بعامة الناس ونضال ضد ترف المتسلطين وضد حياة القصور واقتناء الغلمان والجواري والاطيان، بينما شيعة المذهب جعلوا من علي منافسا بالخلافة وخصما دينيا ومقدسا الهيا، لم يروا فيه الثورة ولا الاصطفاف الطبقي بل البسوه جبة الشيخين ولم يختلف الا الاسم.
شيعة علي قد لا يهمهم الايمان بالقرأن ولا بالاسلام ما يهمهم هو مصير الانسان، لا يهمهم لا السستناني ولا عبد العزيز الحكيم ولا الصدر ولا المرجعية، يهمهم كيف تقاسي الناس وتعاني، وكيف يعيش رجال دين المذهب واحزابهم السياسة في في القصور الفخمة وما يستحذون عليه من رواتب هائلة ضخمة، وبذخهم الذي يشبه بذخ معاوية وترفهم الذي جعل من اياديهم ايادي ملساء ناعمة كنعومة ايادي النساء.
شيعة علي قد يكونوا ملحدون و شيوعيون، فلم يروا في علي الا كما رأؤوه في جيفارا وفي هوشي منا، ثائرا مكافحا من اجل الحق.
اما شيعة المذهب فلم يروا في علي الا رجل دين منهم وان البسوه جلباب القداسة الالهية.

*اخرج الواحدي في اسباب نزول هذه الاية ما ملخصه
بان محمد بعث خالد بن الوليد في سرية الى حي من احياء العرب وكان معه عمار بن ياسر فسار خالد حتى دنا من القوم وكمن لهم ليلا لكي يداهمهم عند الفجر، فاتاهم النذير فهربواالا رجل كان قد اسلم، فانطلق *الرجل حتى اتى معسكر خالدودخل على عمار بن ياسر فقال يا ابا اليقضان اني منكم وان قومي هربوا فهل اقم ام اهرب.؟ فقال عمار بل اقم.
واصبح خالد فاغار فلم يجد غير ذلك الرجل الذي لم ينفعه اسلامه ولا توسلاته فاخذه خالد واخد ماله. فاتاه عمار فقال لخالد خل سبيل الرجل فانه مسلم فقد كنت آمنته وامرته بالمقام. فقال خادل انت تجير علي وانا الامير فقال عمار نعم انا اجير عليك وانت الامير فانصرفوا الى محمد بن عبد الله النبي فاخبروه خبر الرجل فاجاز النبي امان عمار ونهاه ان يجير بعد ذلك على امير بغير اذنه، وقد جائت الاية 59 من سورة النساء لحسم النزاع وتأكيد وجوب الطاعة لقائد السرية وهو المقصود بعبارة ولي الامر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قلت حقا نطقت صدقا
تانيا جعفر الشريف ( 2009 / 6 / 14 - 08:00 )
نعم أخي الكاتب ما تفوهت الا حقيقة الامر ولكن ليتهم يفهمون


2 - شكرا
مالوم ابو رغيف ( 2009 / 6 / 14 - 11:49 )
الاخت تانيا جعفر شريف
شكرا لمرورك وتلعليقك اللطيف
تحياتي


3 - معنى الشيعة
قاريء للموضوع ( 2009 / 6 / 14 - 13:07 )
ينقل الكاتب والشيخ الشيعي الفريد من نوعه محمد جواد مغنية في كتابه مع الشيعة الامامية قول للأمام علي (ع )ان معنى الشيعة هو الثورة على الظلم ويستطرد الشيخ متسائلا (اذا كان معنى الشيعة هو الثورة على الظلم فهل نحن شيعة )؟
وهو ما تناوله عالم الاجتماع علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري)حسب ما اذكر

اعتقد ان موضوعك المتميز يدور حول هذه الفكرة سيدي لكني اجدك قد ذهبت كثيرا في بعض الافكار والتشبيهات مثل........(لذلك كان لا بد من انشاء مذهب تعبدي ديني يختلف في اصوله وفي فروعه عن ذلك الذي اعطى الشرعية للخصوم من جماعة السنة، لا بد من اختلاف عن دين السنة ليس بالولاء لعلي ولعن خصومه ورموزه فقط، بل بجعل منصب الخلافة والملك منصبا دينيا الهيا ان شئت وليس دنيويا، فكان وجوب الرجوع للقرآن وللحديث النبوي وللتاريخ للبحث عن ما يدعم هذا الاتجاه.
في عملية البحث والتنقيب والتفسير وايراد القصص والحكايات والروايات واصطناع الاحداث في صيرورة التكوين الشيعي المذهبي ولدت طائفة دينية خاصة، لها مؤرخيها ومحدثيها ورواتها وفقهاءها ورجال دينها، تختلف عن التشيع الاول الذي كان حركة احتجاج ثورية ضد التعسف والجور والاضطهاد والتعصب القبلي والقومي )و

شيعة علي قد يكونوا ملحدون و شيوعيون، فلم يروا في علي


4 - الشيعة
مالوم ابو رغيف ( 2009 / 6 / 14 - 14:38 )
العزيز القارئ
نعم ان الموضوع او قل تعريف الشيعة لا يبتعد كثيرا عن الفكرة التي اسلفتها ولا عن تساؤل محمد جواد مغنية.. فالشيعة كانوا ثورة ضد الظلم،
ليس الايمان بعلي ولا بخلافته او ولايته هو الذي جمعهم بقدر ما هو شعور عدم الرضا عن ما حصل من تمركز السلطة والثروة بيد حفنة من اغنياء المسلمين ن الصحابة الذين تبطروا بالدنيا وضمنوا الاخرة حسب نصوص احاديث موضوعة لصالحهم.
لكن الجزء الاخر من الموضوع هو ما يخص شيعة المذهب تلك الجماهير الكثيرة المسلوبة الارادة المغيبة العقل المسيطر عليها من خلال معممين ورزخونية يقرأون لهم البكائيات والموشحات الحزاينية ليجلدوا انفسهم في حمامات عاطفية غاية في السخونة تمنع العقل من التحليل وتناول الامور بشكل عقلاني سليم.
شكرا للمساهمة القيمة وتقبل تحياتي


5 - مع الشكر
قاريء للموضوع ( 2009 / 6 / 14 - 16:13 )
شكرا حضرة الكاتب ...وارجو ان لا يكون التعبير قد خانني كالعادة حيث اني قصدت ( بذهبت كثيرا ...ان هناك مبالغة او ربما اهمال لجزء )و
ذلك كون تشخصيك للطرفين دقيق لكنه اهمل وجود طرف ثالث وهو الشريحة التي تؤمن بالله وبرسوله محمد وتتشيع لعلي ايمانا بخلافته وولايته من ناحية وتتبنى تعاليم الاسلام عن طريقه لاسباب منطقية
فعندما قال الامام علي ( ع)ان معنى الشيعة هو الثورة على الظلم يمكن ان نرى هذا المعنى متجسدا في شخصيات كعمار بن ياسر وابا ذر الغفاري على اختلاف طبيعة ثورتهم ...وبعيدا عن البكاء والتباكي ايضا ثورة الامام الحسين(ع)جاءت لاجل الدين وليس لاجل السلطة ...هنا اقصد بتشبيهي فحوى مقالك بهذا القول لامير المؤمنين وهنا كان يقصد العلامة محمد جواد مغنية بتساؤله
شكرا لسعة صدرك وكل التقدير

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa