الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران : الثورة والبطيخ

سهر العامري

2009 / 6 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من حسينية جمران في شمرانات من طهران العاصمة صرح الخميني ذات صباح ، وأمام حشد من الإيرانيين قائلا : نحن قمنا بالثورة ليس من أجل أن نخفض أسعار البطيخ ! والخميني يشير هنا بعبارته الموجزة هذه الى أهداف الثورة التي لم يجب عليها بشكل علني أمام ذاك الحشد ، ولكنه استبعد أن يكون هدف الثورة هو تحسين حياة الإيرانيين المعيشية وتطويرها خاصة عند الفقراء منهم ، وهم الذين كان عماد الثورة ووقودها ، وقد كنى هو عن عدم تحسين الظروف المعيشية عند الناس بتخفيض أسعار البطيخ .
لقد كان تفكير الخميني منصبا على هدفين رئيسين لتلك الثورة ، هما : إمكانية تكرار تلك الثورة في مكان آخر ، وهو ما عرف فيما بعد بتصدير الثورة الذي تغنى فيه بعض المسؤولين الإيرانيين ، مثلما تغنت به وسائل إعلامهم كذلك ، ولهذه الساعة ، وقد أدى السعي نحو هذا الهدف الى تخريب علاقات إيران مع الكثير من الدول الأخرى وخاصة الدول الإسلامية ، ومنها الدول العربية على وجه الخصوص ، فقد أنفقت إيران أموالا طائلة من ثروات الشعب الإيراني على فرق وجماعات وأحزاب لتحقيق ذلك الهدف ، حتى أنها بنت لتلك الفرق والأحزاب جيوشا نظامية مسلحة بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا، وقد وضعت قيادات تلك الجيوش تحت سيطرة حرسها الثوري ، وأفضل مثالين على ذلك هما : الجناح العسكري لحزب الله في لبنان ، وفيلق بدر ، الجناح العسكري للمجلس الأعلى في العراق ، هذا الى جانب رعايتها لبعض التنظيمات في الكثير من الدول الأخرى من بينها مصر ونيجيريا والجزائر ، ودول أخرى كثيرة ، وقد قال لي رجل إيراني متحمس لتحقيق مثل هذا الهدف : إننا نسعى لقيام إمبراطورية إسلامية مثلما كتب الخميني ذلك في وصيته التي تركها لنا ، تلك الوصية التي حُفظت في ضريح الإمام الرضا عليه السلام في مشهد من خراسان ، وكان الخميني على قيد الحياة .
أما الهدف الثاني فهو نشر ثقافة الثورة في المجتمع الإيراني على نطاق واسع حتى إذا اقتضى ذلك النشر استخدام القوة ، والتدخل الفظ في شؤون الناس ، ويحضرني هنا مثال على هذا التدخل ، فقد كنت وافقا مع صديق لي في بداية شارع ( خيابان ) محمود طالقاني من العاصمة طهران وإذا بشابة إيرانية يافعة تندفع نحونا ، وتطلب منا أن نساعدها في حمل كيس صغير كانت هي تحمله بيدها ، ثم سرعان ما خلعت حذائها ، وأخرجت حذاءً آخر من الكيس الذي نحمله ، وكان أقل علوّ من الأول ، احتذته على عجل قائلة لنا : إنني أعمل في هذه الدائرة المقابلة التي تحرم علينا لبس الأحذية العالية .
لقد كانت الثقافة الإسلامية ! مثلما يسمونها هي ثقافة الثورة على ما يدعون ، ولكن نشرهم لتلك الثقافة صار هو التدخل في صغائر الأمور وكبائرها لدى الناس ، والى الحد الذي كان فيه أفراد من قوات الحرس أو التعبئة يستوقفون السيارات على الطرقات، ويدخلون رؤوسهم فيها للنظر في وجوه الركاب ، فإذا ما رؤوا امرأة قد خرجت خصلة شعر عن غطاء رأسها أمروها بإخفاء تلك الخصلة حتى ولو كانت بين أولادها وزوجها.
وعلى هذا يمكن القول إن السلطة الدينية القائمة في إيران على شح ثقافي كبير يكاد لا يلتف إليه أحد ، ولهذا راحت تلزم الناس بالتافه من الأمور ، وإذا كان دعاة تلك السلطة يرون أنهم يسعون الى نشر الثقافة الإسلامية في صوم وصلاة فهم غير صادقين في رؤيتهم تلك ، ذلك لأن الإيرانيين يعرفون القرآن والصلاة والصوم منذ مئات السنين ، ومدنهم زاخرة بالجوامع والحسينيات ، ولديهم من الإسلام والمسلمين إرث ثقافي عظيم يتجاوز حتى ثقافة السلطات الإيرانية الشحيحة التي راحت تكره الناس عليها ، ذلك الإكراه الذي تحول الى نوع من الاستبداد تجلى بشكل واضح فيما بعد بمبدأ ولاية الفقيه الذي أباح لرجل دين ، وراثة وليس علما ، أن يمسك بزمام أمور الناس والدولة بيد واحدة متسلطة ، ومن هنا تحولت الثورة الى إداة للوصل الى سلطة ثيوقراطية مطلقة تذكر العالم بحكومات القرون الوسطى .
ومن هنا كذلك نمت المعارضة القوية ، وصارت انتفاضة تطوف في شوارع المدن الإيرانية اليوم ، فعامل القمع والاستبداد وتبذير أموال الإيراني في هدف بناء إمبراطورية فارسية جديدة لا يمكن تحقيقها أبدا ، وذلك لأن عصر الإمبراطوريات قد أنقضى نحبه ، ومضى دونما رجعة ، هو العامل الذاتي الذي حرك الجماهير الإيرانية في هبتها القوية الحالية بعد إصرار السلطات الدينية على التمسك بحكمها المطلق المستبد من خلال تزويرها للانتخابات التي كان الشارع الإيراني بانتظار أن تحقق له تلك الانتخابات شيئا جديدا يتناغم مع روح هذا العصر ، ويساير التقدم الحاصل في أساليب الحكم والحياة عند الشعوب الأخرى .
أما العامل الموضوعي ( الخارجي ) فيتجسد بالعزلة الدولية التي ألقى حكام طهران الدولة والشعب الإيراني في أتونها ، فدولتهم ليس على وفاق مع الدول المسلمة لكثير تدخلاتهم في شؤون تلك الدول ، ولا مع الدول الغربية ( الكافرة ) على حد تعبيرهم لخروجهم على قرارات المجتمع الدولي فيما يخص قضية الإرهاب والسعي لصناعة القنبلة النووية ، وهذا العامل الخارجي انعكس على الوضع الاقتصادي الإيراني وبدأ يصيب تجار البازار والطبقة الارستقراطية الإيرانية بأضرار ليست بالهينة بعد أن أوقفت دول كثيرة تعاملاتها مع الكثير من البنوك الإيرانية ، تلك البنوك التي أصبحت في وضع لا تحسد عليه خاصة فروعها خارج إيران ، ورغم أن ممثلي الطبقة الوسطى هم الذين يقودون التحرك الجماهيري الحالي في إيران ، لكن ممثلي الارستقراطية الإيرانية يراقبون الوضع عن كثب على ما يظهر ، وهم في مرحلة رجل هنا ورجل هناك ، فإذا كان رجال الدين في إيران يقفون على أعتاب تجار البازار قبل الثورة صار تجار البازار هم الذين يقفون على أعتاب رجال الدين بعد تلك الثورة ، حيث أصبح البعض من رجال الدين هؤلاء حكاما وأصحاب ثروات طائلة في وقت واحد ، ولكن مع كل ذلك يظل ممثلو الاستقراطية الإيرانية يئنون تحت ضربات الحصار الدولي المفروض عليهم وعلى الدولة والشعب الإيراني ، وإذا ما توالت عليهم تلك الضربات وثقلت فأنهم سينضمون في نهاية الأمر الى ممثلي الطبقة الوسطى الذين يقودون التحرك الجماهيري الغفير في إيران اليوم ، رغم أن معاناتهم لم تصل بعد الى معاناة فقراء إيران الذين تطحنهم الأسعار المرتفعة ، وتدهور قيمة العملة الإيرانية ، ونسبتا البطالة والتضخم العاليتان ، هؤلاء الفقراء الذين يستهدفهم النظام الديني المستبد في إيران ، ويحاول جرهم الى صفه عن طريق بعض الصدقات والهدايا التي قام أحمدي نجاد بتوزيعها عليهم أيام الانتخابات بعد تخلى عنهم حين ارتقى كرسي الحكم وهو الذي يسميه أغنياء إيران نكاية للآن بـ ( ابن الحداد ) ، وكذلك جرهم عن طريق الوعود الغيبية في جنة قطوفها دانية تنتظرهم بعد أن يميتهم الحصار والعقوبات الدولية وتبذير أموالهم على الحركات ( الإسلامية ! ) من أجل بناء إمبراطورية فارس المنتظرة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهو الذي يسميه أغنياء إيران نكاية بـ....ابن الحداد
انسان ( 2009 / 6 / 18 - 08:55 )
هل هذه مذمه في حق الرجل و النظام الذي اتى بابن حداد لقمة السلطه التنفيذيه.....ضروري يكون وريث اسره حاكمه او ابن لطاغيه!!!!!!


2 - مقالة ممتازة
قارئة ( 2009 / 6 / 18 - 09:11 )
مقالة ممتازة، الا ان المرء يحتاج لان يرى الطريق الى الخروج، كيف و من سيقوم بهذا؟


3 - هؤلاء البلايا
رعد الحافظ ( 2009 / 6 / 18 - 14:48 )
صرح أحمدي نجاد في زيارته الأخيرة الى موسكو لحضور قمة شنهغاي أن زمن الامبراطوريات قد إنتهى , وكأنه يجيب نفسه على أحلامه مع الملالي بشأن الامبراطورية الفارسية الغابرة
طبعا هو كان يشير الى أمريكا وقوى الاستكبار العالمي كما يسميها حتى بعد وصول أوباما الى البيت الابيض,, ولم يبق إلا أن يأتي بن لادن أو حسن نصرالله ويجلس في مكتب الرئيس الامريكي ويحكم ليرضى هؤلاء البلايا وأشك في ذلك ايضا , تحية للكاتب وشكرا له


4 - الشعب الأيرانى وحكم الملالى
أحمد السعد ( 2009 / 6 / 18 - 18:22 )
ما لمسته لدى زيارتى لأيران هو تمسك الشعب اليرانى بقيم الحضارة والمدنيه التى تعلمها وتربى عليها أيام الشاه وهو- أى الشعب الأيرانى- يتطلع الى نظام مدنى علمانى يحترم خيارات الناس وطموحاتهم وتطلعهم للحرية والأنعتاق من نظام القسر والتنكيل الذى يمثله نظام ولاية الفقيه فى أيران . ما لمسته ايضا الطابع القومى الفارسى للنظام الأيرانى فهو ليس نظاما اسلاميا كما يدعى بل نظام يحلم بأعادة أمجاد الأمبراطوريه الفارسيه وعليه فالقوميات الأخرى الرازحه تحت نير السلطه الأسلاميه الأيرانيه تعانى من غمط حقوقها الثقافيه والسياسيه. أن نظاما كهذا لايمكنه الأستمرار فى حكم شعب مثقف وواع كالشعب اليرانى الذى سيجد له مخرجا من هذا السجن الكبير الذى أسمه الجمهورية الأسلاميه .

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال