الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلمة القضية الفلسطينية ويهودية الدولة العبرية

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2009 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ألاحظ من الصبغة العامة لأغلب طرح العلمانيين هنا في الحوار المتمدن، تلك القابلية العجيبة للسقوط في مهاوي أسلمة القضية الفلسطينية، عبر الوقوف التبريري لهمجية الفكر الديني اليهودي والتغطية عليه نكاية في همجية الفكر الديني الإسلامي. هذه المقالة ستحاول فض الاشتباك اللعين بين مفهوم القضية الفلسطينية كقضية إنسانية من الدرجة الأولى حتى لو تمت أسلمتها عبر عقود طويلة من حرب التضليل الأسلاموية والصهيونية معاً في آن.

جذور القضية التاريخية - باختصار

يعود الصراع على أرض فلسطين إلى آلاف السنين، حيث بدأ ذلك الصراع بدخول العبرانيين من نهر الأردن مع النبي إبراهيم الذي سكن الخليل. لم يكن كل العبرانيين يهوداً آنذاك بل كان منهم بعض الأشوريين المطرودين ومنهم بعض السومريين. لم يتكن اليهودية قد تبلورت كديانة ولم تنشأ مملكة للعبرانيين بل عاشوا على أرض الكنعانيين الذين استوطنوا فلسطين وهم من قبائل الفالست اليونانية ( شعوب البحر ).

مملكة إسرائيل القديمة في التاريخ تعود إلى حوالي 1700 ق. م وقد تكونت من اليهود القادمون من صحراء التيه. من الصعب جداً التسليم برواية أحفاد النبي يوسف، بل كان هؤلاء من منكري العقائد الفرعونية وقد تبلورت اليهودية في جبل الطور في صحراء سيناء ( في القرآن / طور سينين ). النبي موسى وعندما وصلوا إلى شرق نهر الأردن لم يقبلوا الدخول والعبور معه وربرروا رفضهم بأن فلسطين يسكنها أناس جبارين وعمالقة. أكمل الحملة يرشع بن نون واليهود يتفاخرون بهذا القائد العسكري وليس كما اعتقدت خطأ د. وفاء سلطان ذات مرة من أن اليهود ليس لهم تراث حربي! المهم أن يوشع بن نون عبر نهر الأردن من منطقة الأغوار ثم حاصر مدينة أريحا الحصينة سبعة أيام ( الرواية حسب سفر يوشع ) وبعدها نفخ في الأبواق فانهارت الأسوار ودخلها فاتحاً.
ملاحظة: ينفي علم الآثار من خلال الحفريات وجود أي أثر للأسوار في منطقة أريحا بل يؤكد العلم أن منطقة أريحا كانت تعاني من شبه انجراف كامل بفعل السيول لأنها منطقة شديدة الانخفاض.

بعد فتح يوشع بن نون لمدينة أريحا واصل دخول بيت لحم ثم أكمل الحملة النبي المحارب داوود الذي أسس ممكلة إسرائيل وعاصمتها ( يور ساليم = دار السلام بالكنعانية ). من المهم هنا للقاريء العزيز ملاحظة ما يلي:

1- إن دخول اليهود فلسطين بقيادة يوشع بن نون كان اعتداء واحتلالاً همجياً حيث تشير الدراسات أنهم قاموا بحرق قرى ومدن الكنعانيين كما قاموا بقتل الأطفال وسبي النساء وسرقة المزارع ومصادرة مصادر المياه.
2- احتفظ الكنعانيون بالساحل والجليل التي لم تطأها قدم يهودي وبقيت ممكلة داوود منحصرة في مرتفعات الضفة الغربية ( شخيم = القدس ونابلس والخليل وجنين وبيت لحم )، لكنهم الآن لا يذكرون ذلك مطلقاً ويعتبرون أرض فلسطين بحدود سايكس بيكو ( الحديثة جداً ).
3- استمرت مملكة داوود حوالي 40 عاماً وبعد قيادة ابنه سليمان ( النبي أيضاً ) انقسمت المملكة إلى مملكتين: الشمالية ( السامرة ) وعاصمتها جلبوع شمال جنين فيما بقيت القدس عاصمة لمملكة يهودا في الجنوب. استمرت الممالك المنقسمة حوالي 35 عاماً ليبلغ مجموع التواجد السياسي الاستيطاني اليهودي على أرض فلسطين 75 عاماً فقط، فيما استمر تاريخ الشعب الكنعاني 7 آلاف عام تقلبت عليهم احتلالات شتى وحتى يومنا هذا.
4- بعد 75 عاماً من التواجد السياسي اليهودي تعرض اليهود في فلسطين للسبي البابلي ( العراقي ) وتم تشتيتهم واسترقاقهم بسبب عقديتهم العنصرية التي تفترض وجود إله خاص بهم كما تفترض أن بلقي البشر هم عبيد لليهود. عقيدة مرعبة جداً سببت الذبح والملاحقة لليهود مئات المرات عبر التاريخ ومن جميع شعوب العالم.

إنه لمن المستغرب أن يكتب محمد كليبي عن احتلال العرب والمسلمين ( الحديث ) لأرض فلسطين وكان تاريخ فلسطين بدأ منذ مملكة اليهود فقط، دون دراية كافية بماهية هذا التواجد ولا للمدة التي استمرها على الأرض الكنعانية.

=========================

مملكة إسرائيل التاريخية كانت احتلالاً واغتصاباً لأرض الكنعانيين

يهود فلسطين ( الإسرائيليون ) يخوضون معركتهم التاريخية بناء على مملكة إسرائيل ( ال 75 عاماً بعد احتلالها من قبل يوشع بن نون )، بينما الإخوان المسلمين يخوضون معركتهم التاريخية بدءاً من العهدة العمرية ( التاريخ الإسلامي لفلسطين ) وهو تاريخ حديث بالمقارنة مع التاريخ اليهودي مما يضعف المنطق الفلسطيني. جدير بالذكر أيضاً أن اليهود عندما أقاموا مملكة إسرائيل على أرض الكنعانيين لم تكن لهم لغة محددة ومعروفة سوى الهيروغلوفية ( المصرية القديمة ) التي أتوا بها من مصر، وبعد دخولهم فلسطين سطوا على موروث الكنعانيين بدءاً من اللغة وحتى المعتقدات والفلكلور. معركة الفلسطينيين يجب أن تذهب تاريخياً إلى الجذور الكنعانية وليس الإسلامية ( الحديثة )، وهو ما أشار له محمود درويش حينما قال ( جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح الحقب ). اللغة العبرية القديمة هي اللغة الكنعانية بل إنهم ورثوا إله الخصاب عند الكنعانيين وهو ( إيل ) ولذلك نلاحظ إضافة هذا المقطع إلى العديد من اسماء المدن العبرية المعاصرة مثل ( بيت إيل = بيت الرب ، إسرائيل عبارة عن مقطعين هما إسرا ( أرض ) وإيل أي أرض الرب ). الفلسطينيون من غير الاتجاه الإسلامي يعرفون هذه الحقائق التاريخية ويراهنون على قضية التراث مراهنة تستحق الإعجاب، فالدبكة الشعبية الفلسطينية وتطريز الأثواب اليدوي هما من الفنون الكنعانية الخالصة الباقية حتى يومنا هذا. من اللافت تركيز الإسلاميين على إسلمة القضية الفلسطينية بينما ينشغل الإسلرائيليون بالأثواب المطرزة ويجعلون منها الزي الرسمي لمضيفات شركة الطيران الإسرائيلية العال، رغم عدم وجود نساء منهم تعرف حتى مجرد مسك إبرة التطريز. الآن يحاولون افتتاح معاهد لتعليم الدبكة الشعبية الفلسطينية !!

=======================

التواجد المسيحي في فلسطين سابق على التواجد الإسلامي، وقد عاش الشعب الفلسطيني بلا أي فئوية وكان المسيحيون يعملون مع لمسلمين في فلاحة الأرض والتجارة والصناعة حتى دون أن تعرف ديانة هذا من ديانة ذاك. خلال الانتفاضات الحديثة ضد الاحتلال الإسرائيلي شارك المسيحيون مع المسلمين في النضال المرير ضد الاحتلال ومنهم من صدرت ضده أحكام عالية بالسجن أو استشهد فيما تمت مصادرة مئات من دونومات الأشجار المثمرة ( لاسيما الزيتون ) من أراضي بيت ساحور وبيت لحم ومنطقة الزبابدة في جنين وهي بمعظمها تعود ملكيتها لمسيحيين.

=======================

كلاً من التراث المسيحي والتراث الإسلامي في فلسطين يمثلان جزء فقط - بل وجزء صغير - من مسيرة 7 ألاف عام من التاريخ المكتوب مقارنة بالتراث الكنعاني الذي يشير إلى الأصحاب الحقيقيين لأرض فلسطين وإلى تراثهم الذي تؤكده جميع حفريات الآثار كما تؤكده الدبكة الشعبية الكنعانية والتطريز النسائي الرائع والجميل، فلماذا الإصرار على الأبعاد الدينية إذا كانت مملكة اليهود سابقة على الوجودين المسيحي والإسلامي ؟ لمصلحة من يقوم البعض باعتبار تراث الدبكة رقصاً منكراً ؟ لمصلحة إعطائه منحة مجانية للإسرائيليين الذين يصرفون الملايين لأجل تزوير وتجيير التراث الكنعاني كتراث يهودي ( أيهما أسبق ؟ ).

======================

قام اليهود باحتلال الضفة الغربية بقيادة يوشع بن نون على اعتبار أن إله اليهود ( يهوة ) قال لهم ادخلوا فلسطين، بمعنى ان مشكلة الفلسطينيين الكنعانيين مع إله اليهود، ثم ولاحقاً قام الرومان باحتلال فلسطين لأكثر من 700 عام على اعتبار أن فلسطين هي أرض الرب يسوع ( ولد في بيت لحم )، ثم - ولاحقاً - قام المسلمون باحتلال فلسطين باعتبارها أرض الإسراء والمعراج، وهكذا تقلبت على الكنعانيين احتلالات هي في معظمها بدعاوى دينية عقائدية.

بعد التطرف الديني اليهودي والتطرف الديني الإسلامي، فإن فلسطين مرشحة للاغتصاب الديني لمن يملك ميزان القوى، وسوف تستمر عنجهية يهود فلسطين الذين امتلكوها بقرار من ربهم يهوة. هؤلاء ينظرون إلى الوجود العربي الإسلامي كمجرد احتلال لاحق لأرض مملكتهم، وعلى الشعب الفلسطيني أن يعي أهمية جذوره الكنعانية في مواجهة كافة أشكال الاحتلال وأولها وأسبقها الاحتلال اليهودي. على أرض الواقع سوف يستمر نزيف الدم لأتفه الأسباب، وطالما أن اليهود متمسكين بقرار الرب يهوة والمسلمين متمسكين بمفهوم الإسراء ، فالنتيجة الطبعية هي استمرار العداء والكراهية والبغضاء كما سيستمر التفكير الإلغائي والإقصائي للطرف الأضعف وهو الشعب الفلسطيني.

سلاح الفلسطينيين الأقوى هو عدالة القضية ومنطقية الطرح والتنصل من ثقافة الإرهاب ( قتل المدنيين )، وترك هذه المهمة للإسرائيليين وحدهم. خلال الانتفاضة الأولى قتل الجيش الإسرائيلي بدم بارد حوالي 800 طفلاً ( ما بين 6 سنوات - 19 سنة )، ولم يكن القتل مبرراً بحسب مراصد الصحافة وهيئات حقوق الإنسان حتى الإسرائيلية منها، فكان أن تعاطف العالم قاطبة مع الشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل، أما وقد أصبح لدينا مفخخات وصواريخ مقابل طائرات إسرائيل وصواريخها فإننا قد دخلنا فعلا حرباً فظيعة غير متكافئة، دون أن ننسى ولو للحظة أن عمليات قتل المدنيين الإسرائيليين وارتباطها بالتطرف الإسلامي قد أدى إلى تضاؤل التأييد الدولي مع القضية الفلسطينية إلى حدوده الدنيا.

لا يحق للمنادين بأسلمة القضية الفلسطينية لوم نتنياهو واليمين الإسرائيلي على مفهوم يهودية الدولة، فطالما أننا نؤمن بإسلامية فلسطين، فما المانع من أن يؤمن الآخرون بيهودية الدولة ؟ على العلمانيين من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي العمل الجاد لاستبعاد خلط الأديان بالسياسة والاعتراف بضرورة تعايش الشعبين بأمن وسلام ( وعدالة ) على أرض فلسطين، في دولة واحدة علمانية واحدة تكفل عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية حسب قرار هئية الأمم 194، ودون ذلك سيستمر تشتت الشعب الفلسطيني ومعاناته الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى استمرار زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتقدير
ابو احمد ( 2009 / 6 / 24 - 02:04 )
كل الشكر والتقدير للاخ ابو محمد على هذا المجهود المميز لابراز الحقائق وتنوير العقول ,ويبدو اخ ابو محمد ان الاسلام السياسي بدا يسقط القناع عنه ,وبدات جماهير الدول الاسلامية تعرف خطر هذا النوع من الانظمة الساسية ,فمزيدا من جهودك انت وكل المثقفين العرب بنشر هكذا دراسات حتى تكون مقدمة لنهضة فكرية وابداعية بعيدة عن الغيبيات والخرافات 000


2 - ابن الزبابدة
sary ( 2009 / 6 / 24 - 09:27 )
ما تقدمت استاذ عبدالله صحيح تاريخيا ، ولكن انبذ الفكرة التي تقول بما انني كنت اسكن هنا قبل عشرات القرون فلي الحق بهذه الارض كلها ارضنا فلسطين مرت عليها جميع امم الارض فاذن لهم الحق بالوجود جميعهم فيها ان هذا كلام سخيق لا يقبله عقل،الله خلق الارض لكل بني البشر وليعش عليها من اراد ،فخرافات اليهود عن ارض الميعاد التي وعد بها الله اسرائيل التغت بمجيء المسيح بالنسبة لناكمسيحيين او بالاصح تغير مفهوم شعب الله عن العهد القديم،وما يروج له اخواننا الاسلاميون على ان ارض فلسطين هي ارض وقف كاملة لا يصح التخلي عنها امر غير مقبول ان قضية شعبنا الفلسيطيني العادلة وقعت في ظل دينين يحملان نفس الافكار العدائية تجاه بعضهما وبهذه الافكار تفنى شعوبنا الانسانية
اننا موقفنا كفلسطينيين عرب مسيحيين يقول بان هذه الارض لما ليست حكرا لاحد وليس من حق احد ان يمنع الاخر فهي للجميع وان قيام دولة اسرائيل هو خطا تاريخي قامت به هذه الدولة على ظهور شعب مسلوب دون اي وجه حق
فلنعش نحن مسلمين ومسيحيين ويهود ومن شاء على هذه الارض بكل حرية بدون سلب اراضي الاخرين واحتلال للاخرين


3 - الأديان سبب الدمار
مايسترو ( 2009 / 6 / 24 - 13:06 )
سيدي لقد صدقت، فكل ما له علاقة بالأديان كلها والأساطير التي تتعلق بها، هي سبب كل البلاء الذي يلحق بفلسطين وغير فلسطين،وطالما هذه الأديان بجميع مكوناتها موجودة فلا أمل بأي تغيير مهما كان صغيراً، ودامت لنا كتاباتك التي تنير الطريق


4 - الاسلام السياسى
ابو حسن ( 2009 / 6 / 24 - 16:53 )
منذ ان بدأ الاسلام السياسى يتدخل فى مسار القضية الفلسطينية و نحن فى تراجع مستمر و قد بدانا نخسر التعاطف الدولى معنا و مع قضيتنا و بالنظر الى محصلة الاحداث العالمية بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر و احداث لندن و مدريد نلاحظ ان القضية فى تراجع مستمر و كل هذا بسبب التدخل المحموم للتيارات الاسلامية والجهادية
اخى عبد الله اشكر لك هذا المجهود و ادعو كل المثقفين العرب الى ممارسة دورهم الحضارى فى تنوير الفكر و الانسان العربى للتحرر و التخلص من العقد التى ترسخت فى عقول الشباب و المجتمع باسره