الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس الكتّاب المسرحيين السوريين الشباب (1): أسئلة الهوية

مايا جاموس

2009 / 6 / 26
الادب والفن


ما هي هموم الكتّاب المسرحيين السوريين الشباب اليوم؟ وما هواجسهم؟ وموضوعات كتاباتهم، علاقتها بموضوعات الأجيال السابقة في المسرح، وموقعها من القضايا الكبرى والحساسة، وهموم نشر نصوصهم، والترويج لها، ومشكلة تحويل النص إلى عرض مسرحي، ودور الرقابة... فيمايلي الجزء الأول من مجموعة مواد تنشر تباعاً، يتحدث فيها عدد من المسرحيين الشباب عن هواجسهم.
كان جيل الآباء بشكل خاص الستينيات والسبعينيات، قد اهتم بمسألة إيجاد هوية مسرحه التي تنسجم مع تطلعاته الفكرية والإيديولوجية كأن تكون هوية قومية عربية أو محلية. أما في مسرح الشباب اليوم فقد اختلف الأمر، لم يعد البحث عن هوية للمسرح هماً، بل صار المسرح نفسه وسيلةً فنية إبداعية لطرح الأسئلة عن الهوية، هوية الأشخاص أنفسهم، هوية الشباب أي الجيل الحالي.
الكاتب عدنان العودة يذهب للقول إن مشروعه يحمل بعداً فكرياً له علاقة بموقفه من الآخر ومن المؤسسات ابتداءً بالأسرة وانتهاء بالدولة، يستحوذ على تفكيره مسألة الهوية التي دخلت في تكوينها وشوّشت عليها الكثير من الأحداث السياسية كالصراعات في لبنان بما فيها المخيمات الفلسطينية مثلاً، يقول: " أريد حلّ أول مشكلة لها علاقة بمن أنا في هذا المكان؟ لدي أسئلتي البسيطة.. لمَ أعيش هنا وما المشاكل التي يعيشها مجتمعي؟ لكن بالمقابل لا أدّعي أنني سأقدم حلولاً ناجعة. وبرأيي المجتمع السوري حتى الآن غير متصالح، علاقة القطيعة بين ناديا وأسرتها (في مسرحية المرود والمكحلة غير المنشورة لكن المعروضة على الخشبة) يمكن قراءتها كدلالة على القطيعة الموجودة بين السوريين.. وأنا لم أكن أريد تحميل مسرحيتي خطاباً سياسياً مباشراً، لكن ما أريد قوله، هو تعالوا نقبل بعضنا ونتصالح لنعرف ماذا نفعل..". وإذا كان العودة يركز على البيئة البدوية فإنه يقول إن سبب ذلك هو أنه ابن هذه البيئة ومشروعه مرتبط ببيئته، الشمال بالنسبة إليه هو مركز لذاكرته، "أعرف هذا المجتمع جيداً إنه مجتمع مغيب في تاريخ الدراما، لم يُشغل عنه جيداً وميزته أنه لا يزال يمثل الشريحة الخام والنموذج للمجتمع السوري لأن فيه كل موزاييك سورية، فيه الأكراد والأرمن والسريان والشركس والبدو والشوايا، كل أطياف المجتمع السوري". كان مشروعي ومشروع عمر أبو سعدة في مسرحية "المرود والمكحلة" أن تأتي الناس وتحضر المسرحية وتستمتع بها كما الفيلم وتعود إلى بيوتها ونقطة انتهى، لم نكن ندّعي أننا سنشرخ الفكر السوري. لم ندّعِ شيئاً سوى أنه يهمنا أن يرى الناس شخصيات حقيقية تشبهها وتعرف ما يشبه بعضها وما آلت إليه هذه الشخصيات".

بينما تفضّل الكاتبة يم مشهدي استخدام مصطلح هواجس بدل المشروع "أنا لديّ همّ وأقدّمه... همّي أن أعبّر عن هموم الناس بأي وسيلة، يهمّني أن أطرح السؤال للناس ودفعهم إلى التفكير. المسرح هو حوار وإن تمكنت من الوصول إليهم من خلاله فهذا جيد، وحالياً التلفزيون هو وسيلة أقوى للوصول إلى الناس".
وتعيش شخصيات مسرحية يم مشهدي "باريس في الظل" حالةً من ضياع الهوية وعدم الانتماء فهن ثلاث نساء تركن أوطانهن (بيروت وروسيا ودمشق) وهاجرن إلى باريس، بعد أن دُمّرت أرواحهنّ في الأوطان، يعشن الحنين إلى الوطن لكن يعجزن عن العودة.
"النساء في مسرحيتي لديهنّ مشاكل شخصية تتقاطع مع مشاكل مجموعة من الشباب السوري. قدمت همّ الواقع الاقتصادي وحلم الهجرة والعجز عن إمكانية فعل أي شيء، وهي مشكلة يعانيها الشباب."
مشهدي التي جعلت شخصية سلمى وهي المرأة السورية الشابة تهاجر إلى باريس دون ذكر الأسباب بشكل مباشر أو صريح تقول: " تركت الأمر مفتوحاً للمتلقي، تركت له أن يفكر لماذا يريد السفر والهجرة؟ ضغط اقتصادي، اجتماعي، سياسي،... لماذا حلمُ أغلب شبابنا هو الهجرة ولمَ يبقى هناك؟ لست مضطرة لتقديم تفصيلات وأساساً ليس لديّ قدرة رقابياً على تقديم تفصيلات الأسباب. لم أقدم باريس كوطن بديل، بل قدمتها كحل فاشل لأن النساء لم تتمكّنّ من الانسجام ولا شيء يتغير حولهن ولا في أوطانهن، وهنّ في حلقة مفرغة، لا يجدن حلولاً ولست أنا من يقدم الحل بل أتركه للمتلقي ليجده. يهمني أن أطرح السؤال." ويأتي الحدث السياسي في مسرحيتها خلفيةً غير مباشرة للأحداث، كأن هنالك تجريم أو إدانة للحدث السياسي، تجيب مشهدي: " لأن الحدث السياسي لو كان أكثر نضجاً لما كانت هذه الشخصيات - بمن فيها سلمى العشرينية- تعاني من هذه المعاناة، ولكانت قد وجدت مكاناً لها في وطنها، ولذلك لم تتمكن النساء من العودة. مَن ليس مواطناً في بلده ليس مواطناً في الخارج، وهناك غربة وهنا في الأوطان غربة. هي شخصيات دُمرت وهُتكت أرواحها في أوطانها وليس لديها القدرة على العمل وغارقة باللامبالاة وهي أشد أنواع التدمير. عاجزة عن التغيير".
وعن سؤال فيما إذا كانت نصوص الشباب تعبّر عن هواجسهم وعن مرحلتهم تجيب مشهدي: " إنهم يقدمون هويتهم.. ويعبّرون عن ملامحهم وعن القلق اليومي الذي يعيشونه بتأمين لقمة العيش وعلاقة عاطفية سوية، هذه هي الهوية وليست القول بالانتماء إلى القومية أو الطائفة. البحث عن هوية بحاجة إلى هامش من الحرية، جيل السبعينيات كان هنالك هامش ما يمكن من خلاله العمل، حالياً نحن نعمل كأفراد".

أما عند الكاتب وائل قدور فيأخذ البحث عن الهوية وتقديم الأسئلة المتعلقة بخصوصها حيّزاً أكثر تحديداً فهو في نصه "الفيروس" يتناول موضوعة الجنس وجملة علاقات ومواقف المجتمع المتخلفة تجاهها والنفاق والتناقض الذي يمارسه المجتمع، وهنا يقوم بتقديم كشف وتعرية للمجتمع وللأفراد ولتناقضاتهم وتخاذلهم عن مسؤولياتهم. يتحدث وائل قدور عن نصّه: "موضوع الجنس برأيي هو موضوع ملح منذ سنوات، وأتحدث من تجربتي الشخصية، وحين أكتب أنطلق من نفسي وأحكي عن المشاكل التي أنا نفسي متورط فيها وغارق فيها وواحدة منها هي الجنس، أغلب القصص المأساوية التي نسمعها في مجتمعنا يكون الجنس لاعباً أساسياً فيها، سواء كان موضوع الكبت أو جرائم الشرف.. هذا الموضوع مؤثر ومهيمن وله الغلبة كمحرك اجتماعي في هذا الوقت، كما أن لموضوع الجنس مفرزات ثانية أهمها الخوف، وحين كتبت (الفيروس) كانت فرضيتي الأساسية هي فيما إذا أصيب شاب سوري بفيروس الإيدز ما هي السيناريوهات الاجتماعية المقترحة؟ أحد السيناريوهات هو كيف سيخبئ المقربون الأمر ويكذبون لأنه خائفون بالمعنى الاجتماعي، الجنس محاط بجدار هائل من الصمت والخوف، والمشكلة تولّد مشاكل معقدة وشائكة تتسم بها حياتنا كلها ويصبح الفصل أو الفرز صعباً. شخصيات النص تعيش حالات مركبة وغير قادرة على اتخاذ القرارات وحسم الأمور. موضوع الجنس والطريقة التي عومل فيها تربوياً في البيوت والمدارس ووسائل الإعلام المحلية، جعلته مولداً لتركيبات اجتماعية غاية في التعقيد". "أنا يهمني أن أتقدم للناس ككاتب مسرحي، أرى أن هناك مجموعة موضوعات شائكة وعالقة في المجتمع ويجب التعبير عنها مثل جرائم الشرف ومجموعة من القوانين المتعلقة بالمرأة كقوانين الأحوال الشخصية، وأجد أنه يجب إحداث تغييرات قانونية لكنها لن تحدث إلا بالضغط والكتابة في الفن والأدب والصحافة، وبالسكوت لن تتغير مجموعة القوانين، وهذا في الشق الاجتماعي على الأقل".

ويعتبر الفارس الذهبي أن لديه مشروع متكامل يعبّر عنه من خلال وسائل عديدة، في الصحافة هو مشروع رأي وفي المسرح والسينما هو مشروع فني، "ما أريد قوله هو خلق عالم موازٍ أكثر جمالاً من العالم الذي نعيش فيه. أسئلتي هي أسئلة أي شاب يعيش في هذا البلد: من أنا؟ أنا الفردية؟ كيف؟
في مسرحية "ريح" أحاول توجيه الاهتمام إلى مسألة العنف الممارس تجاه المرأة في مجتمعنا، وبشكل خاص عنف المرأة ضد المرأة، وما أريد قوله إنه يمكن للإنسان أن يتمرد ببساطة شديدة لأن الجدران التي تحيط بنا هي حواجز وهمية".
يبدو أن طرح أسئلة الهوية والانتماء، وأسئلة تدفع لكشف المجتمع وتعرية الإنسان الفرد فيه من جهة ومن جهة أخرى كشف عدد من المشكلات والهموم التي تؤثر على ذلك الفرد أو تصنعه وتشكّل هويته، هي هاجس أساسي في مسرحيات الشباب، تُطرح بتفاوت في مستوى وضوح الفكرة والتعبير عنها، لكن بتقارب في مستوى الجرأة، حيث يتدخل في ذلك عوامل عديدة على رأسها الرقابة –كما سنرى- التي تؤثر ليس على مستوى الطرح والجرأة فحسب بل على مستوى اختيار الموضوعات أيضاً.
مايا جاموس- النور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة