الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين البديل

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2009 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد قــرأت، منذ نحو الخمس سنين، رواية عمارة يعقوبيان للكاتب المصري الكبير علاء الأسواني. أذكر أني انبهرت للغاية بجرأة وصدق وشفافية هذا العمل الأدبي المتميز. وأنا أعتقد جازمــا ً أن هذه الرواية قد ساهمت إلى حد ٍ كبير في رفع حالة الخمول والركود التي يعاني منها الحراك الأدبي والاجتماعي في مصر والعالم العربي عموما ً. أتيحت لي بعد ذلك بأعوام قليلة فرصة مشاهدة هذه الرواية على شكل فيلم سينمائي لعب فيه عادل إمام أهم أدواره الفنية على الإطلاق... برأيي المتواضع طبعا ً. لقد استطاع مروان حامد، مخرج الفيلم، أن يكثف هذه التحفة الروائية ومعظم رسائلها المباشرة وغـير المباشرة على مدى 160 دقيقة بمنتهى الحرفية والنجاح. وكان أن أرسَــلـَت لي بعد ذلك إحدى الصديقات الدمشقيات رواية عــلاء الأسواني الثانية... شيكاغو التي أتت لتثبت لكل من أحب رواية عمارة يعقوبيان أن ماقرأناه فيها لم يكن طفرة أدبية بل كان وببساطة شهادة ميلاد كاتب كبير من عيار عظماء كتاب مصر أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسواهم.
اليوم... أتيحت لي فرصة التعرف أكثر على علاء الأسواني. فـلقد استلمت رسالة إلكترونية من أستاذة جامعية سورية تضمنت مقالة لهذا الإنسان الطبيب والكاتب يتعرض فيها لما أسماه بالتدين البديل. يقول عــلاء الأسواني في مقالته هذه التي نشرها في شهر تموز 2008 في جريدة الدستور إنه يستغرب من وجود أعضاء ممثلين للحزب الحاكم المصري حريصين وبشدة على الإسلام وفي نفس الوقت مشاركين في عمليات اعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراضهم. يقول: "ترى ألم يفكر هؤلاء أن نهب أموال المصريين وإفقارهم وتزوير الانتخابات وغيرها من الجرائم التي يرتكبها النظام الذي يمثلوه لايمكن أن تتفق مع مبادئ الإسلام؟" يتابع علاء الأسواني فيقول في موضع آخر " من المعروف أن كثيرا ً من ضباط أمن الدولة ملتزمون دينيا ً. يؤدون الصلاة في أوقاتها ويصومون ويحجون إلى بيت الله... لكن ذلك لايمنعهم أبدا ً من ممارسة عملهم اليومي في التعذيب والضرب واستعمال الكهرباء في صعق المعتقلين". الأمر بالنسبة لكـاتبنا لا يتعلق فقط بهذه الفئة من الناس... فالعديد من الأطباء المصريين في شهر رمضان " يتركون المرضى دون رعاية حتى يتمكنوا من أداء صلاة التراويح... الذين يفعلون هذا ليسوا جهلاء بل ببساطة يعتبرون أن صلاة التراويح أهم بكثير من رعاية المرضى حتى ولو كانت حياتهم في خطر".
يصل علاء الأسواني إلى ما مفاده أن المسألة ليست مجرد جهل أو نفاق بل هي فهم ٌ مشوه ٌ مريض ٌ للدين. إنه نوع من التدين البديل. نوع من التدين الظاهري المريح جدا ً لحامله لأنه يحصر الدين في ممارسة الشعائر فقط. أصحاب هذا الدين البديل يجدون الدفاع عن مبادئ الإسلام الحقيقية : العدل والحرية والمساواة، أمرا ً محفوفا ً بالمخاطر. لذا يكتفون بالتدين البديل المسموح الذي يمنحهم إحساسا ً كاذبا ً بالطمأنينة والاستقرار النفسي".
طبعا ً ... يتكلم علاء الدين الأسواني عن واقعه المعاش في مصر. إلا أني أعتقد أن هذا الواقع ينسحب على كل بلاد العرب من خليجها إلى محيطها. وأستطيع أن أضيف أن هذا الكلام ينطبق أيضا ً على مسلميها ومسيحييها معا ً. على الجميع! يستطيع أتباع هذا الدين القديم الجديد أن يناقشوك ساعات بمدى صحة دخول بيوت الأدب بالقدم اليمنى أم اليسرى ويستشهدون على ذلك بأحاديث وسير تعود لفجر الإسلام، يستطيعون أن يصلـّوا في الكنائس، صبح مساء، لتعم المحبة والتسامح قـلوب الناس وفي نفس الوقت يقتلون الابنة ويلعنوا الجارة لأنها تزوجت من مسلم. يستطيعون بمنتهى الثقة بالنفس المشاركة بمظاهرات تندد بالرسوم المسيئة لرسول الإسلام، يستطيعون التنديد بالحملة ضد الحجاب في فرنسا، وعن ضرورة لبس المرأة لهذا الحجاب... وتكفير من يقول بالعكس. يستطيعون فعل كل ذلك لكنهم لايهتمون أبدا ً لظاهرة توريث الحكم "الجمهوري"، لايهتمون للظلم الواقع على الناس من حولهم ولا لقمع الحريات وتطبيق قوانين الطوارئ الجائرة ويعتبرون أن لاشأن للدين بذلك البتة! لايجد هؤلاء أي تناقض بين حالة اللاديمقراطية واللاعدل التي يعيشونها وبين أن يستشهدوا، بتدين ٍ قدري ٍجادٍ وصادق ٍ، بعدل وديمقراطية الخليفة عمر ابن الخطاب أوالخليفة عمر ابن عبد العزيز.
يقول علاء الأســواني إن هذا " التدين البديل مرض ٌمحزن ٌ أصاب المصريين فأدى بهم إلى السلبية والغفلة وجعلهم قابلين للاستبداد والقمع". يقول " حتى نهاية السبعينات كان المصريون، مسلمين وأقباطا ً، أقل اهتماما ً بمظاهر الدين وأكثر تمسكا ً بمبادئه الحقيقية". ثم يصل في ختام مقاله إلى أن التدين البديل له أسبابه العديدة التي يأتي على رأسها ربما دعم النظام السعودي له ودفع مليارات الدولارات كي يصل الشارع العربي له ولممارسته ببراعة وتلقائية. إنه التدين السلفي الذي وصل إلى صيغته عباقرة علم الاجتماع والسياسة في أحدث معاهد العالم. طبعا ً...المتدين ُ بهذا الدين البديل هو المواطن المثالي في كل الدول التي تعتمد على قمع الحريات وسرقة الحقوق. فحقيقة الدين الثائرة على الظلم، التواقة لإحقاق العدل على الأرض ونصرة المستضعفين والفقراء غائبة كليا ً عنه. كل مايراه هو حجاب المرأة وإطالة اللحى وممارسة الشعائر!
أرجو أن يكون قد تبدى من كتابتي هذه أن محبتي واحترامي لعلاء الأسواني قد زادت عشرات المرات بعد أن قرأت هذه المقالة وبعد أن عرفت أنه من المؤيدين العلنيين لحركة الغضب والإضراب السلمية المصرية المسماة 6 أبريل. ثم زادت عشرات مضاعفة أيضا ً بعد أن عرفت أنه متفائل بالتغيير الإيجابي الحتمي القادم. فقد نضجت كل المعطيات للتغيير الكبير. وإن غــد لناظره قريب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متبرع من أصل مصري يهدد بايدن بورقة الناخبين اليهود


.. 111- Al-Baqarah




.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف