الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الغرابة في تدنِّي مكانة اللغة العربية؟!!

سالم جبران

2009 / 6 / 29
التربية والتعليم والبحث العلمي


قديماً قال العالم الاجتماعي العربي العظيم، عبد الرحمن بن خلدون:"لغة الأمة الغالبة غالبة ولغة الامة المغلوبة مغلوبة".
ليس هذا فذلكة كلامية بل هو تعبير، سياسي واجتماعي وثقافي وفلسفي في منتهى الموضوعية والقوة.
ولقد رأينا، كيف بعد الفتوحات العربية-الاسلامية وقيام دولة الامويين في دمشق وبعد ذلك دولة العباسيين في بغداد، ودولة العرب في الاندلس تحوَّلت العاصمة العربية، بغداد، الى العاصمة الاولى في الحضارة الانسانية، وكيف تطورت وازدهرت علوم الطب والفلك والبيولوجيا والمنطق والفلسفة، بالاضافة الى ازدهار الآداب، ولم تعد اللغة العربية عاجزة عن استيعاب أية معرفة انسانية بل وتطوير كل المعارف الانسانية.
أتذكر هذا الآن وأنا أقرأ خبراً مُقْلقاً عن اجتماع خبراء عرب من مصر والسودان وسورية والاردن وتونس والسعودية والجزائر وليبيا والمغرب في العاصمة التونسية، للتداول في معضلة "تدني تعليم اللغة العربية".
إن مكانة اللغة، اية لغة، مرتبطة أيضاً بمدى النهضة القومية والنهضة العلمية-الحضارية عند اية امة.
عندما ننظر حولنا ونرى حالة الجامعات في الدول العربية، ونرى عجز اكثر الجامعات عن تعليم العلوم كالفيزياء والبيولوجيا والطب باللغة العربية، أليس من حق الطلاب أن يظنوا أن اللغة العربية "عاجزة"؟ وعندما نرى النظام السياسي العربي نظاماً وراثياً (عند الجمهوريات والملكيات) ونرى نظام الحزب الواحد، وبالتالي نرى تخلُّف الصحافة وتراجع دور النشر وتراجع الحركة الادبية والثقافية، هل نستغرب بعد هذا أن اللغة على شاكلة حكام العرب، منفوخة وفارغة، عاجزة عن مجاراة عواصف العصر؟!!
هل رصدت الصحافة يوماً حركة نشر الكتب (العربية الاصيلة والمترجمة) في دور النشر العربية؟ هل هناك تواصل حقيقي بين حركة الثقافة العربية، ككل لا كافراد، مع حركة الثقافة العالمية؟ هل هناك، أصلاً، حرية حقيقية أو نصف حقيقية للمبدعين العرب لنشر إِبداعاتهم؟ كم مرة سمعنا عن زوابع"أصولية" ظلامية احتجاجاً على طباعة كتاب قرر الاوصياء الظلاميون على العقل أنه يتضمن "زندقة"؟!!
قبل عدة سنوات قررت دار المعارف في مصر طباعة كل مؤلفات الكاتب التنويري العظيم طه حسين عميد الأدب العربي، بمناسبة 150 سنة على ميلاده. وثارت الدنيا ولم تهدأ في مصر، غضباً واحتجاجاً من القوى الظلامية المتخلفة التي قالت ان طه حسين ليس كاتباً اصيلاً بل هو "متفرنج" وساجد للثقافة الفرنسية، الا نذكر الضجة المجنونة ضد كتاب "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدرالذي قرر "اوصياء" على الثقافة انه "كافر"؟!
هل نسينا ان المبدعين العرب جميعاً كانوا يطبعون كتبهم في بيروت، العاصمة الحقيقية للثقافة العربية لأن فيها مناخا طيباً للحرية الابداعية؟ لماذا هرب نزار قباني أغلب حياته الى بيروت ولندن؟ لماذا هرب ادونيس الى بيروت وبعد ذلك الى باريس؟ هل هناك مَن يعرف كم من مئات المبدعين والمبدعات العرب يعيشون في المنافي الغربية لان حرية الفكر والابداع مقموعة واحياناً ممنوعة كلياً في الاوطان العربية؟!
هل صدفة ان هذا التراجع في مكانة وهيبة وحيوية اللغة العربية يجري الآن في ظل تصدع الفكرة القومية والوعي القومي والالتزام القومي وتفشّي فطريات "الاصولية" الدينية الظلامية في أقطار العرب؟ هل صدفة ان الفضائيات العربية تتبنى لغة عامة ركيكة وتتهافت على استعمال اصطلاحات اجنبية، انجيليزية وفرنسية؟!
مع ان المشكلة هي مشكلة عربية عامة، فانني اقول إننا هنا أيضاً، نعاني من تراجع مكانة اللغة العربية وفتور الوعي بضرورة التمسك باللغة العربية والقواعد العربية والثقافة العربية. هناك معلمو لغة عربية يخافون أن يتكلموا بالفصحى، أمام طلابهم أو أمام حفل في المدرسة. ان "الجعجعة القومية" لا تكفي لحماية الهوية القومية، بل يجب التمسك باللغة القومية والاحترام للكتاب الاصيل والاحترام للتراث الثقافي القومي ونشر الحب للغناء العربي الاصيل والعمل لنشر الشعر والرواية والقصة والبحث في المدارس، وقيام المعلمين بجهد مبرمج لنشر المطالعة بين الطلاب مع حوافز (علامات) للذين يقرأون أدباً رفيعاً، وللذين يكتبون بلغة سليمة. للاسف فان الصحافة لا تخصص صفحات حقيقية للادب الراقي، كما ان الصحف مليئة بالأخطاء المعيبة، وهناك مستوى منخفض في التحرير يجعل بعض الصحف تنشر كل ما يصلها على الفاكس أو بالبريد الالكتروني كما لو كانت "حاوية نفايات". هل صدفة أن هناك تراجعاً مذهلاً في الندوات الادبية والثقافية، سواء في المدارس أو في النوادي أو تحت رعاية السلطات المحلية؟
اذا أدركنا أن القومية ليست صراخاً وجعجعة وليست تعصباً دينياً، بل هي انتماء للحضارة واللغة والتاريخ نعتز به وهو قومي وانساني معاً، فاننا سوف نعالج، بنجاح، مسألة ردّ الاعتبار والكرامة للغتنا القومية، التي وصفها مستشرق فرنسي شهير، جاك بيرك، بقوله:"انها لغة آسِرة، انها لغة معجزة في جماليتها وغِناها الحضاري".
سالم جبران – كاتب ومفكر ، رئيس تحرير جريدة " الأهالي "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا؟
مصرى ( 2009 / 6 / 28 - 21:34 )
تقول
مع ان المشكلة هي مشكلة عربية عامة، فانني اقول إننا هنا أيضاً، نعاني من تراجع مكانة اللغة العربية وفتور الوعي بضرورة التمسك باللغة العربية والقواعد العربية والثقافة العربية
أما أنا فأتسائل
ما هي الضروره؟ فلتذهب غير مأسوف عليها فهي فعلا لغه عرجاء عاجزه وكما قلت بنفسك لقد عجز (علمائها) عن ترجمه العلوم (لا أعنى هنا ما يسمى بعلوم الدين لانها ليست بعلوم) .أتذكر محاولات الستينيات فى مصر لترجمه علم الهستولوجى (الانسجه) فأتوا لنا قبل أن يعلنوا فشلهم بتحف مثل الانسجه المترقرقه السطحيه ترجمه للاصل superficial fascia
وحتى لو نجحوا فى الترجمه وتخرج جيل من الاطباء مثلا تعلموا بالعربيه هل يمكن لهم متابعه التقدم السريع فى الطب وهم فى انتظار من يقوم بترجمه المراجع والدوريات العديده فى كافه اوجه الطب ومجالاته؟ حالتنا الان فى التعليم العلمى يرثى لها فما بالكم عند ذلك؟


2 - فلتمت لغة التخلّف
المعلم الثاني ( 2009 / 6 / 29 - 00:32 )
أثناء قراءة المقال عزمت على كتابة تعليق لكنني وجدت أخي (مصري) قد سبق وكتب كل ما كان يجول بخاطري ...أضيف تعبير (الأسطوانيات الخرائية) للتعبير بلغة الضاض عن تلك الدودة Strongiloides Stercoralisوالتي طالما تندر أساتذتنا الكبار في كلية الطب عليها !

إلى الجحيم تلك اللغة ذات الألفاظ الفظة والأصوات المؤذية كما في حروف العين والصاد والضاض والخاء والظاء...فمن سمع متحدثين بالعربية ولم يكن يفهم تلك اللغة يثور في نفسه الاحساس بغلظة وهمجية الناطقين بها...فبعض اللغات توحي بطبائع أصحابها...أنظروا لعنف الألمانية وكم الشر في العبرية وقارنوهما بموسيقية الايطالية ونبل الإسبانية ورقة الفرنسية وكمال اليونانية و بساطة الانجليزية

أما عن كتابة تلك اللغة فحدّث بلا حرج...والمتابع لنشرات الاخبار يرى كم الجهد المبذول من المذيع لأن عليه قراءة وفهم كامل الجملة قبل النطق بها...ومع ذلك ومهما بلغ القارئ من مستوى فلا تخلو نشرة واحدة من الخطأ في القراءة...كتابة بدائية ليس الهدف منها أن يفهم القارئ بقدر ما هي حفظ لمومياء مقدسة دينيا في كتاب قميء

يسير العالم نحو (العولمة) التي أتمنى لكل من أحب من (العرب) أن تخلّصهم من وهم القومية والعقيدة الفاسدة فتعود إليهم حرية الابداع مثل باقي البشر في العالم


3 - لغة عجيبة
مصرى وبس ( 2009 / 6 / 29 - 06:45 )
أعتقد أن اللغة العربية فى طريقها للموات الأكيد حتى أن أحدا من أبناء يعرب لا يتكلم بها أبدا... فهل يصح أن يطلق على لغة ما لغة إن كانت فقط مكتوبة او ينطق بها فقط المتحذلقون وبتوع ثكلتك أمك؟

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية