الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدونيس بين التفكير والتكفير

هيثم حسين

2009 / 6 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



22 يونيو 2009
يستمرّ أدونيس في طرح رؤاه الجريئة، تلك التي لا تلتفت إلى تكفير أو تلفيق أو اتّهام، ذلك أنّه كشاعر إشكاليّ مجدّد من بين أهمّ شعراء العرب ممّن قرنوا الشعر بالفكر، فبدا مفكّراً ناقداً للتراث وللراهن سواء بسواء، رابطاً بينهما، غير متوانٍ عن تعرية الممارسات التي تتمّ علانيّة باسم الفكر أو الدين أو التسامح، وكلّها تندرج في إطار النيل والانتهاك، أي يكون هناك قلبٌ للمعايير وتلاعب بها، هذا ما يحرص أدونيس في مجمل كتاباته الفكريّة النقديّة على تعريته..
قد تبدو بعض الآراء التي يعيد أدونيس طرحها بين المناسبة والأخرى شائعة عنه ومستعادة بطريقة ما، لكنّ الحاجة إلى طرحها علاوة على راهنيّة الطرح ومستقبليّته في العالم العربيّ الذي لا يزال يعاني المشكلات نفسها التي كان يعاني منها في القرون السابقة، هو ما يدفع به إلى تجديدها وإعادة صياغتها.. ومن آخر ما انشغلت به كثير من الصحف ووسائل الإعلام العربيّة ما قاله أدونيس في زيارته إلى كردستان العراق من انقراض للحضارة العربيّة، ما أثار موجة من الاحتجاجات المناهضة، انبرى عدد من الكتّاب إلى الدفاع عن «الحضارة العربيّة» ضدّ الساعي إلى النيل منها أو القضاء عليها.. وهذا نفسه دعا أدونيس الذي وجد نفسه مضطرّاً إلى تبرير موقفه وتوضيح مقولته التي كان قد سبق وقالها أكثر من مرّة، لكن يبدو أنّ حساسيّة المكان بالنسبة لبعضٍ من مرضى القوميّة العربيّة الذين يرون في كردستان كياناً معادياً يهدّد مستقبل المنطقة، هو ما ضاعف من وزر أدونيس عندهم، فبادر أدونيس إلى تبديد الشائعات وتفنيد الاتّهامات، حيث كتب في مقاله «الزيارة» المنشور في صحيفة السفير اللبنانيّة في 6/5/2009 وفي الحياة اللندنيّة بتاريخ 7/5/، شارحاً وجهة نظره التي كان قد فصّل فيها سابقاً: «واضح لكل من يريد أن يرى حقاً، أنني لا أقصد من «الانقراض» انقراض العرب بوصفهم أعداداً بشرية، وإنما بوصفهم طاقة تسير في موكب الإنسانية الخلاقة، وبوصفهم نظاماً في بناء الإنسان، وفي إرساء قيم التقدم والانفتاح والمشاركة في بناء العالم، وفي خلق حضارة إنسانية، أكثر غنى، وأكثر عدالة، وأكثر إيغالاً في السيطرة على الكون، وفي كشف أسراره». ثمّ ختم مقالته بأسئلة تكشف زيف الممارسات الشائنة التي تتمّ، تدفع إليها القوى الظلاميّة التي تريد الإبقاء على التقييد الملازم للإنسان العربيّ، وتسعى إلى إبقائه رهين سياساتها وتوجّهاتها الرامية إلى المحافظة على سلطاتها فقط، ومن تلك الأسئلة التي يربك بها أدونيس مكفّريه ومنتقديه: «أودّ أخيراً أن أختم بهذه التساؤلات: إذا كان مبدأ النضال ضدّ السياسة الأميركية وصل عند بعضهم إلى هذه الدرجة العالية من «السحر» و«الانسحار»، فلماذا لا يطبّقونه إلاّ على «إقليم كردستان العراق»؟ لماذا لا يطبّقونه على أقاليم عربية كثيرة؟ ولماذا لا يطبقونه على «المتروبول» الأميركيّ ذاته ـ في العلاقات معه، سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً؟ هكذا أخلص إلى التساؤل: ألا يكشف السؤالان اللذان طرحتهما في بداية هذه المقالة عن رواسب «عنصرية» وسياسيّة ـ إيديولوجية من طبيعة دينية ـ مذهبية لدى هؤلاء المحتجين على زيارتي لكردستان العراق؟ وهي رواسب تذكّرنا بثقافة يبدو أنها لم تنقرض حقّاً، كما يبدو أنني أخطأت في التعميم، وأنها لا تزال حيّة وفعّالة؟…»
كان أدونيس قد تحدّث عن ثنائيّة «التفكير/ التكفير»، وحلّل آليّاتها، لا عبر إبدال لغويّ بين حرفين يكفلان بقلب المعنى برمّته، بل عبر الوسائل التي يتّبعها القيّمون على ترويج تلك البدائل غير المعاصرة وتأمين مقوّمات الاستمراريّة والديمومة لها، فنجده يركّز على قيم «التسامح، الحوار، التفكير..»، معيداً تعريفها تعريفاً غير مراضٍ أو محابٍ. في كتابه «الكتاب الخطاب الحجاب»الصادر عن دار الآداب 2009، يقول أدونيس: «أدّت ثقافة التكفير إلى ثقافة الامتناع عن التفكير. أو على ما يمكن أن نسمّيه بثقافة الاجتناب. اجتناب الأساسيّ في كلّ شيء: في الدين، في الفلسفة، في العلم، في الشعر، في السياسة، في الطبيعة، وفي ما وراءها. لا مجال للإنسان، في التفكير والمساءلة والكتابة إلاّ في ما «حُلِّل» وما «حُلِّل» ليس إلاّ جزءاً يسيراً من «جسد» العالم. هكذا لا يعود الجسد نفسه إلاّ مجرّد مادّة للنبذ والإقصاء والحَجب». ص10.
هنالك قوى يخيفها ما يطرحه أدونيس وما يدعو إليه من احترام لإنسانيّة الإنسان، التي يجب أن تكون فوق كلّ اعتبار.. لذلك فتستنفر كلّ طاقاتها وأتباعها لإجهاض مثل هذه المساعي الفكريّة، التي تقابلها بوسائل وآليّات قمعيّة، بعدما تفقد، أو هي لم تملك أصلاً، وسائل فكريّة تحاجج بها.. نقرأ محاكمات تغدو مماحكات هزليّة، لأنّ أصحابها ينطلقون من دواخلهم المسكونة بنظرية المؤامرة ومن عقليّة التكفير السائدة والمتحكّمة لا غير..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-