الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصدعات الهوية

كاظم الحسن

2009 / 6 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لغة التخاطب اليومي في المؤسسات والدوائرالحكومية وفي الشارع اوالجامعةاو الثكنة العسكرية لها انساق خاصة بها وتكشف فيها قيمة الانسان واهميتهومدىالاحثرام والتقدير والاعتزاز لادمية المواطن وضرورة معاملته بما هو كائن انساني بذاته.
ومن نافلة القول ان الحروب تجعل الانسان سلعة بائرة في اسواقها الدموية وتقتل الروح الانساني في دخيلته ولذالك لا عجب ان تنتشر مقولات تحط من كرامة البشرفي زمن النظام السابق من نوع ( ابن الملحة ، خريج مريج) وهنا تنوب الكلمة والفكرة الرخيصة مكان الرصاصة وتمهد لها .
لان ابن هذه المرأة المعذبة كائن في حكم المغدور به فالمرأة هي ماكنة تفريخ للحروب وهي عديمة المشاعر من خلال الوصف القبيح والسمج لها وفي المناسبات الرسمية يطلق عليها ( الماجدة) بذات الطريقة التي يتكلم فيها ا لطاغية عن حضارة العراق التي تمتد الى (خمسة الاف سنة) وبعدها يطعن الشعب ويوصمه بنعوت غير لائقة من نوع ( ان العراقيين كانوا حفاة قبل انقلاب 1968م) .
هذا التحقير والاستهانة بالفرد العراقي كانت البداية لقتله على مذبح الحروب حتى مقولة ( العراقي مشروع دائم للموت) السيئة الصيت عنوانا لعذابات ازلية لاتنتهي .
لا اتذكر اخر مرة سمعت فيها كلمة لطفا التي اختفت من قاموس حياتنا الاجتماعيةوكانها وردة نبتت بطريق الخطأ في صحراء حياتنا المجدبة حتى كأن كلماتنا التي نتخاطب بها لاتنتمي الى هذا العصر... ياحرمة، ابو الشباب ، ابو القميص ، يابنيةعمي ، خالي ، (هكذا حاف ) كما يقول المصريون لمن لايضع اعتبارا لهم .
في حين نرى في مصر ثمة تقديرا وتوقيرا واهتماما للفرد من خلال لغة التخاطب السائدة هناك... يافندم ، مدموزيل، ست هانم ...الخ .
احيانا يعاب على الفرد الشفاف المتحضر ويقال عنه( بزر نستلة ) وهذا في جزءكبير منه نابع من تغلغل قيم البداوة في حياتنا الاجتماعية التي ترفض الانصياع لقيم المدنية حسب قراءة الوردي لما اطلق عليه صراع البداوة والحضارة عكس ماكان يؤكده ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ، حيث ان المدينة تنتصر على البدوي بأن تزيل عنه مكامن قوته ،صبغته البدوية وتجعله واحدا منها ، انها تستخدم سلاحها الخفي ، الثروة ،نعيم العيش ، وبأزالة انياب العصبية تنزل المدينة عقابها بالبدوي وتفتح طريق دماره كحاكم وتبدأ دورة جديدة.
ولكن رؤية علي الوردي قد تصلح لتفسير السرعة التي انقادت فيها المدينة للترييف في زمن النظام السابق وبدات الدولة تتأكل من خلاله .
ومن جراء ذلك اخذت الشريحة المتعلمة تفقد مكانتها ودورها المهم في حياة الامم والشعوب ، وكانت بذلك تستسلم لواقع جديد يقوض المجتمع المدني ويحيله الى مجتمع عسكرتاري ، ومن ثم الدخول في متاهات حروب لانهاية لها في الافق ، ادت الى تدمير البنية التحتية وتغيير نمط حياة الفرد العراقي باتجاه سلبي ، وظهرت تداعيات ذلك الخراب ، على شكل مصطلحات تحط من قيمة العراقي مثل ( بوري ، تعبان ، بوخة ، ابن سوق ،قفاص ، علاس ، ... الخ ) .
بل ان انظرة العنصرية الى بعض المدن ووصفها باقذع النعوت ، كانت محاولة قاسية ، لفصل ثروات هذه المدن عن سكانها وتهميش استحقاقها عن طريق وصف سكان العمارة ( با لشروكية ) او محافظة الناصرية ( بالشجرة الخبيثة) وذلك اشبه بالنظرة الاستعمارية التي ترى الشعوب النامية متخلفة وغير ناضجة وبالتالي يحق لها القيمومة على ثرواتها !
وهذا الداء لاتخلو منه بعض الاوساط الثقافية والادبية ولكن بشكل اقل حدة حين لاينظر للانسان بماهو كائن في ذاته ، بل ان البعض يرى الاخر تافه وسطحي لمجرد ان معلوماته متواضعة او معرفته محدودة او لايجيد الحوار ، او ان نتاجاته الادبية غير متطابقة مع مخيلة البعض .
والنظرة تتحدد حسب مايشغله الاديب او الكاتب من مركز مهم في الدولة او في الاعلام المرئي او المكتوب ، فهؤلاء لهم النصيب الاكبر من الاحترام والتبجيل ، وعليه فان العلاقة محكومة بمدى الشخص منهم ، اي ان العالم جيد بقدر منافعه لهم والعكس صحيح ، والبعد الانساني تحصيل حاصل ،مفقود في اجواء كهذه.
وقد تكون الاقنعة التي يرتديها البعض ، في ضمور الشخص الحقيقي او ذاته الممزقة ولذلك لاتوجد علاقات تترفع عن الشأن الشخصي وتهتم بما هو موضوعي ومعرفي وثقافي وهذا الامر يطرح اسئلة كثيرة حول اهلية هؤلاء في الوسط الثقافي والادبي بل انك تجد بعض الاشخاص لايتوانى احدهم من الطعن بشخصه حين لايرى من يوجه اليه سهامه ، شبيه بما كان يحدث للشاعر الحطيئة ، حيث لم ير احدا يهجوه فنظر الى نفسه في البئر قائلا :
ارى لي وجها قبح الله خلقه فقبح من وجه وقبح حامله
يصف الباحث القدير كنعان مكية اصحاب الاقنعة في كتابه الشهير جمهورية الخوف: ان المرء في العرق مضطر للاخذ في الاعتبار المشكلة الخاصة بظهور نوع جديد من الفرد الحديث الذي يتوقف نموه ويصف ان مايعتور الانسان من هواجس في موقع العمل او عند التعامل مع المسؤولين او العلاقة مع الجيران او من داخل اسرته فهذا الهاجس اصبح منتشرا في العراق الى الحد الذي اصبح معه التمييز الضمني في التصرف الاصلي للخداع او التمويه غير واضح الرؤية واصبح القناع مناسبا تماما الى درجة لم يعد بعدها امرا يصرف النظر بسهولة وهكذا يذبل الناس كماتذبل القواقع في صدفاتها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا