الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة العوام و رياح التغيير

محمد نبيل الشيمي

2009 / 7 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتب الاستاذ / نبيل عبد الفتاح عن سلطة العوام وثقافتهم في مصر الآن مشيراً إلى ما تمثله الظاهرة كأحد أخطر أمراض الحياة العصرية المعاصرة والواقع أن هذه المقالة تمثل امتداد لنهج سار عليه الكاتب في إطار تعمقه في جذور الواقع المصري ومحاولاته الدائبة للتنبيه والتحذير من مستقبل مخيف يحيق بنا وبأجيالنا القادمة ... ويقول لنا انتبهوا قبل فوات الأوان.
وقبل الخوض فيما تضمنه هذا المقال (نشر بجريدة الأهرام)في 18/6/2009) أود أن أنوه إلى أن للكاتب أكثر من دراسة في هذا المجال أذكر منها الدراسة المنشورة في مجلة الديمقراطية العدد (12) الصادر في أكتوبر 2003 بعنوان الخطابات الدينية الإسلامية في إطار أزمة عولمية .
... أما كتابه الهام الذي أصدره بعنوان "سياسات الأديان الصراعات وضرورات الإصلاح فقد كان جريئاً وصادقاً عندما ذكر أن أزمة الخطاب الإصلاحي في مصر راجعة أساساً لعدم وجود طلب على الإصلاح الديني من قبل قوى اجتماعية ذات تأثير وفي تقديري أن هذه النتيجة التي توصل إليها صحيحة تماماً ذلك أن القوى الفاعلة في مصر الآن لا ترى في الإصلاح فائدة لها بل أن من مصلحتها تهميش الوعي وتزييف الأفكار ذلك أن توافر بيئة مهمشة عديمة الإرادة تعد تربة خصبة لهذه الفئة كي تحقق ما تريد من احتكار للسلطة واكتناز للأموال وزيادة في ترابطها العضوى بقوى رؤوس الأموال العالمية ومن يديرها ... فضلاً عن تراجع منظومة القيم الإيجابية في مصر التي أسدت لهذه الفئة خدمات جليلة كي تفعل ما يعن لها من هدم للثوابت الأخلاقية مقابل شيوع أفكار تقتل الإبداع والمبادرة ويشير الكاتب إلى وجود علاقة ترابط وتحالف بين التسلط في المجالين السياسي والديني وهذا الرأي بالقطع يأتي استكمالاً لرؤية الكاتب فيما يكتنف الواقع الحياتي في مصر فيؤكد على خطورة سطوة فكر وثقافة العوام حيث يؤدي ذلك إلى توجيه وإدارة بعض الخطابات الدينية بل ويمتد هذا إلى الأوضاع الاجتماعية والمهنية والطبية والعلمية ومن ثم التأثير على النخب والصفوة من إعلاميين وسياسيين وكتاب ورجال دين وبعدها يتم تحويل كافة القضايا والموضوعات التي تتناول السياسة والثقافة والفكر والاقتصاد إلى قدرات محددة في إطار الحلال والحرام من وجهة نظر الدين .
ينوه الكاتب إلى أن هناك نزعة غلابة لدى غالب العوام الذين تعج بهم بعض المؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية والأجهزة الحكومية لإدارة الشأن العام وفقاً لرؤيتهم وتعبيراً عن الأطر القانونية والدستورية وهنا يكون لهم القدرة على بث أفكارهم التي تتنافى مع المعرفة العلمية والاجتماعية المعاصرة والأدهى من ذلك وفقاً للكاتب قيام بعض المعلمين الدمج بين المقررات الدراسية ورؤيتهم الدينية المتزمتة ووفقاً لأغراضهم وأهوائهم ...
ويرى الكاتب أن هناك أسباباً ساهمت في زيادة سطوه ثقافة وسلطة العوام حدد بعضاً منها على سبيل المقال أذكر منها دون التزام بالنص الوارد /
- تدهور أنظمة التعليم والتدريب الوظيفي بكل أشكاله لصالح العشوائية والتجريب الشخصي .
- تراجع الثقافة الفكرية على كافة مستوياتها لصالح ثقافة الاستهلاك والتي يغذى الإعلان المرئي والمسموع جانباً رئيساً لها ويؤكد على سطوتها .
- اتساع دائرة الإفتاء من كل من هب ودب والخلط بين هذا وبين إبداء الرأي واستيلاء العوام على ذلك ومن ثم حصر الخطاب الديني في أمور لا تمس جوهر الدين أو حقوق الإنسان وغير ذلك من قضايا تهم المجتمع في الوقت الذي تنمو فيه قوى الفساد فردياً وجماعة لتزيد من القروح التي يعاني منها الجميع .
- تراجع دور النخب المهيمنة على توجيه الجماهير .
- ولكن ماذا أرى في الواقع المصري ؟.
لا شك أن العقود الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في منظومة القيم الإيجابية والثوابت لصالح قوى وافكار مضادة ، وذلك لارتباط بعض مكوناتها برأس المال المتمثل في بعض رجال الأعمال الذين طفوا على سطح الحياة السياسية والاقتصادية في مصر من خلال علاقات مشبوهة بدوائر السلطة ومنهم من أصبح يعتلي كرسياً في المجالس النيابية من خلاله وبما تضيفه عليه الحصانة أصبح مطلق اليد في فعل كل شيء بدون رقيب أو محاسب واحتكار للسلع ومن تهريب جمركي وغسيل أموال وغيرها كثير .
... أما رجال الفكر والثقافة فالمشهور فيهم هو الذي حاز على رضاء السلطة وتقديم أوراق الاعتماد من خلال التزلف والمداهنة والنفاق والسير في ركاب الحزب الحاكم الذي يحتكر العمل السياسي ويضيق على الأحزاب القائمة ويجند أجهزة الإعلام الحكومية للدعاية له ولكوادره .
إن سيادة ثقافة العوام وتسلطها تؤكد للنظم الاستبدادية ذلك أن السلطة المستبدة هي تلك التي تمارس حكم الناس دون أن تكون خاضعة للقانون وهذا أحد أنماط هذه الثقافة التي تهدر القانون ومشروعيته لصالح أفكارهم ومن ثم تسود مظاهر العنف والعنف المضاد والمشاهد الآن للحالة المصرية يرى ازدياد في معدل حوادث القتل والخطف والسلب كمحصلة لتردي الأوضاع المجتمعية .
ولا شك أن ثقافة العوام لها دور في تدمير روح المواطنين وبذر الشكوك في نفوسهم وتعجيزهم عن فعل أي شيء وتعويدهم على قبول ما تمليه السلطة عليهم من خلال القضاء أو تحجيم العقول الناضجة لحساب التافهين المتهاتفين المرتبطبين بقوى سلطوية وثقافة العوام من ملامحها مشايعة رغبات الحكام وأصفيائهم نفاقاً وبحثا عن مغانم رخيصة والأخطر أن من العوام من يحتكر الحقيقة لنفسه ... ومن يعارضهم أو حتى يناقش أفكارهم في نظرهم خارجون على الدين والإجماع والسنة .
إلا أنه يجب علينا أن نقر بأن القهر الذي تمارسه السلطة والفوارق الطبيعية من الأسباب التي ذكت روح الاستسلام والارتكان إلى ثقافة العوام خاصة فيما يتعلق بالجوانب الدينية وكما يقول الدكتور / عمار علي حسن في كتابه الصوفية والسياسة في مصر أن المصريين هربوا من قهر السلطة إلى رحاب الدين الفسيحة وفروا من أحكام الدين كنصوص إلى رحاب الممارسة الشعبية له والتي جنحت ببعضهم أحياناً إلى خارج الدين والتدين السليم ويمكن القول أن الصوفية كأحد مكونات ثقافة العوام اختزلت المعرفة عامة من كونها مجموعة من الخبرات والتجارب وأساليب تنظيمها إلى علم باطني كشفي لا يخضع لبرهان العقل ويرى أن مثل هذه الممارسات تعمل على تدعيم قيم التسلط نتيجة إغلاق العقول وتكريس التقوقع والانعزال والسخرية من أفكار الآخرين الذين تشغل السياسة جزءاً من اهتمامهم وتفكيرهم فضلاً عن تكريس قيم الخضوع والاستسلام للسلطة فليس هناك مجال للقيام بعمل جماعي ضدها وفي هذه الحالة يستند إلى ما يسمى بالحدس بعيداً تماماً عن سلطة العقل ومن تعود هذه الظاهرة إلى تقديس الأشخاص انطلاقاً من إحساس الصوفيين أنهم نخبة مميزة على ما عداها من البشر والصوفية يؤمنون بالأسطورة التي تخلق قيم مستندة تقوم على عقلية مغلقة تستبعد دائماً وبشكل مقصود العناصر الجديدة من بيئة عملها الداخلية أو الخارجية كما تحرص مثل هذه العقلية على استيعاب المتغيرات بشكل يقلص من فاعليتها في التنبؤ والتجديد (راجع الصفحات 42-51 من الكتاب المذكور)
لا شك أننا في حاجة ملحة لفحص سلوكنا وتطلعاتنا ونعيد قراءة موقعنا بين الأمم والشعوب فهناك حاجة للبحث المتجذر الجاد عن قدراتنا المعطلة وكيف نبعثها من جديد ... هناك حاجة لأن نبحث عن القوى المكتنزة في صدورنا المستمدة من تاريخنا وعقائدنا والإضافة عليها من تجارب شعوب أخرى تحرك بها الزمن وتطورت على كافة الصعد السياسية والاقتصادية الاجتماعية وهذا لن يتأتى إلا من خلال بناء فكر جديد بأسس عصرية ننبذ منها الخزافات والأوهام وكي يتم ذلك لابد من فتح الجسور أمام حرية الفكر وتحرير الثقافة وفك ارتباطها مع ثقافة السلطة .. ذلك أن نهوض أي شعب وخروجه من دائرة الانكسار لن يكون إلا من خلال نشر قيم الفكر الخلاق واستعاضة دور الكاتب والمفكر الملتزم بقضايا الأمة وذلك من خلال قيام مؤسسات فكرية وعلمية مستقلة بالقدر الذي يضمن لها حرية البحث العلمي وتغيير مناهج التعليم حتى يمكن أن تمد المجتمع بباحثين جادين وليس مجرد كتبه ليس لديهم ملكة البحث العلمى ، ويفتقدون إلإبداع والمبادرة والتفكير ذلك أن من الضروري أن تقوم المنظومة التعليمية على تنمية وعى الإنسان على حساب التلقين والحفظ فضلا عن زيادة المشاركة في تداول الأفكار والاختيار الحر وأن يمتد هذا إلى توفير المناخ الصحي للجامعات كي تكون بمثابة حاضنات للفكر والعلماء وذلك برفع وصايا الدولة عليها وتحريرها تماماً من الارتباط بالحزب الحاكم وأجهزة الأمن (بدءاً من تعيين المعيدين حتى رؤساء الجامعات) ... ورفع يد المؤسسة الدينية عن الأعمال الإبداعية وترك الأمور تحسم من خلال حرية الرأي والتعبير ونشر الثقافة الدينية من غير علة وتعصب أو كراهية للآخر وتحرير الدعاة من إملاءات الأجهزة الأمنية مع توسيع دور منظمات المجتمع المدني المستنيرة في إدارة الحياة الاجتماعية دون تدخل من السلطات فيما لا يتعارض مع النظام العام والآداب .
... إن المناخ الفكري في مصر في حاجة إلى هبوب رياح التغيير .. وإلا فإننا سنتعرض جميعاً للاختناق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية


.. 110-Al-Baqarah




.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل


.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة




.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س