الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس الكتّاب المسرحيين السوريين الشباب (2): الهروب والضياع والتشويش ... سمات المرحلة

مايا جاموس

2009 / 7 / 1
الادب والفن


يمكن لمن يقرأ نصوص الشباب المسرحية التي أصدرتها احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، بالتعاون مع دار ممدوح عدوان، والتي شملت عشرة كتّاب، إلى جانب نصَّي عدنان العودة (ثنائيات، خيل تايهة) نشر خاص، ونصَّي الفارس الذهبي (مولانا، ليلى والذئب) نشر دار ممدوح عدوان، أن يلحظ غياب موضوعات الشأن العام أو الهم السياسي عن تلك النصوص.
يقول الكاتب وائل قدور عن ذلك: (جيل الكتّاب الشباب عاصرَ فترةً في سورية تراجعَ فيها العمل السياسي لأسباب عديدة، منها حظر العمل السياسي، كما أن جيلنا لم يلمس بشكل واضح كم هو هام العمل السياسي ومؤثر ومحرك، لا يمكنه أن يدرك كيف هي الحياة بوجود عمل سياسي ولم يعشه. العمل السياسي هو كلمة من خارج قاموسه. ضمن الشرط السياسي الموجود في سورية منذ عشرات السنين، من المنطقي أن تغيب مثل موضوعات الحريات والهم السياسي. نحن جيل متشرّب بالخوف ربما لم نرَ مشاهد خوف أمامنا، بل سمعنا وقرأنا وحكوا لنا، لذلك وباعتباره لا مرئياً قد يكون مخيفاً أكثر. ويكبر حجمه في الرأس. وهذا شيء موجود ومؤثر في خياراتنا ككتّاب(.
وتقارن الكاتبة يم مشهدي جيل المسرحيين الشباب بجيل الستينيات:
(في مرحلة سعد الله ونوس لم يكن للتلفزيون هامش واسع في حياة الناس، كما كان هنالك ظرف سياسي وأحزاب وتيارات سياسية فكرية خدمت المسرحيين. كما أن الناس كانوا مسيَّسين إلى حد ما وليسوا مهمّشين. ذلك الجيل في الستينيات والخمسينيات نشأ في ظرف حرّ أكثر منا، والواقع السياسي في سورية لم يكن مضغوطاً بل كان هنالك حراك وحوار وهوامش قد تحدَّث عنها ونوس. السياسة تغيب لأنه لا يمكن الحديث رقابياً عن الكثير من المسائل. لقد عالج عمر أميرالاي بعض القضايا الحساسة في أفلامه لكنها مُنِعت، الشباب الآن ليسوا قادرين على أن تُمنع نصوصهم ونتاجاتهم الإبداعية. ليس بالإمكان أن نطالب الشباب بذلك. من الجيد أن يوجد شباب يكتبون للمسرح ويعملون فيه الآن. أما لماذا ابتعدوا عن السياسة؟ فربما لأنهم أحسوا أن هناك كذباً كبيراً على صعيد الأحزاب التي كانت موجودة، وعلى صعيد التغيير وعلى مستوى جيل قدَّم نفسه بصيغة معينة لكنه أصبح مرائياً. لذلك يتم الاتجاه نحو موضوعات إنسانية وجداني).
الفارس الذهبي يرى أن الجيل الجديد قد اختار تقديم موضوعات إنسانية، وتخلى عن القضايا المؤدلجة التي تغير الشعوب من باب أنه (قد اختار أن ينتمي إلى التجربة العالمية أكثر من انتمائه إلى التجربة المحلية، إضافةً إلى أن الشرط العام لا يسمح بتناول موضوعات الشأن العام. وإنَّ تناوُلَ الأمور اليومية الحياتية في نصوص الشباب هي درجة أولى في السلّم الطويل، فهذا الجيل تهمّه حريته الاجتماعية أكثر بكثير من السياسية، وإن موضوعات اجتماعية مثل (قضايا المرأة) أهم بكثير عنده من السياسة).
عدنان العودة يحيل هذا الغياب إلى دَوْر التلفزيون :(أنا أوارب في الكتابة، ولست أذهب مثل جيل السبعينيات مثل سعد الله وممدوح عدوان.. كان الحامل الفكري هو المحك للمسرحية، بالنسبة إليهم إن كانت المسرحية تحكي عن الطبقة العاملة وعلاقة الفرد بالمجتمع و.. فهي مسرحية جيدة، لكن إن كان فيها تسرب بورجوازي فالمسرحية فيها مشكلة. أنا هذا كله نسفته، لأنني أرى أن لدينا واقعاً اسمه التلفزيون، ويفرض سطوته كفنٍّ سحبَ البساط من تحت المسرح والسينما. وهذان الاثنان تاريخياً كانا يدّعيان أنهما يريدان تقديم الفائدة والفكر، وتخلَّيا عن أهم نقطة وهي المتعة، وتُرِكت للتلفزيون. المسلسلات التلفزيونية عرفت كيف تجعل الناس يتابعون، يجب عزل الدراما عن الفكر والتاريخ، وليست وظيفتها أن تلعب الدور التنويري، هذا حديث متخلّف برأيي. وبالنهاية لا يمكنك أن تناقشي أصلع عن تسريحات الشعر، لا يمكن للشباب أن يتحدثوا عما لا يعرفونه، هناك سقف في التفكير وهم يفكرون ما دونه، وكلنا نفكر ما دون هذا السقف).
بينما يرى الكاتب مضر الحجي أن الهم العام حاضر في نصوص الشباب، لكن بتجليات مختلفة عما عرفناه سابقاً: (لا يوجد تعارض أو تباعد بين اهتمامات الشباب والهم العام، بل على العكس الحرية بمفهومها الكبير هاجس بالنسبة للشباب، لكن الشرط السياسي يلعب دوراً في إعطاء أشكال أو أبعاد أخرى فنرى أن الديمقراطية قد تعالَج عند الكاتب الشاب من خلال بحث علاقة الابن بالأب أو التلميذ بالمعلم، هذا لا يرتبط فقط بالشرط السياسي بل بشروط أخرى منها تطور أشكال التعبير والاتصال والمفردات الجديدة التي سادت في المشهد الثقافي المعاصر. أعتقد أن الكاتب الشاب يميل دوماً إلى الكتابة عن اليومي المعيش المعني بالتفاصيل، وهو إذ يتطرق إلى القضايا الكبرى يتطرق إليها من خلال هذه التفاصيل التي قد تحمل حساسية أكبر، كما أن التعاطي معها مؤهل لينتج ما هو أكثر صدقاً، لأنه نابع من عالمه الخاص كمنتج للنص ويجد الكثير مما يتقاطع معه في عالم المتلقي. هذا لا يعني أن الكُتّاب الشباب قد انفصلوا عن القضايا الكبرى، لكن يمكن القول إن علاقتهم مع هذه القضايا قد اختلفت).

وبدلاً من موضوعات الشأن العام يتجه الشباب إلى موضوعات أو ملفات مفتوحة ومختَبَرة سابقاً وأقل حرجاً، مثل العلاقات الاجتماعية وتحديداً العلاقات العاطفية والجنس.
يقول وائل قدور: (لقد تراجعت الموضوعات السياسية لصالح أمور أخرى، مثل العاطفي كموضوع الحب).
وتشاركه الرأي يم مشهدي: (ربما يعالجون العقم السياسي العام من خلال الجنس. بالنسبة لي لا يمكن معالجة مسائل سياسية بشكل واضح، لذا نلجأ إلى معالجة قضايا أخرى بشكل واضح من بينها الجنس ومسائل اجتماعية. اليوم لا يمكن الحديث بحرية ووضوح وبشكل صريح عما يجري).
بينما لا يربط مضر الحجي بين تراجع موضوعات الشأن العام وحضور الجنس بكثرة في نصوص الشباب: (من الطبيعي أن يكتب الشاب عن الساخن والمحرج والممنوع، وربما كانت موضوعة الجنس هي الأكثر سخونة بالنسبة للشباب لأنهم يكتبون عما يفتقدونه، ولأنهم أبناء جيل عانى كثيراً الكبتَ والتناقضات والضياع بين مجتمع يسرف في الانغلاق والتزمت من جهة، وعالم يسرف في الانفتاح والجنون من جهة أخرى. هذه المعاناة أنتجت جيلاً واعياً من الكتّاب أدرك فداحة الآثار السلبية لثقافة الكبت، كما أنتجت في الوقت ذاته جيلاً يضج بأسئلة لا حدود لها مصدرها الأوحد رفض ما هو كائن والتطلع نحو الأفضل الذي يجب أن يكون).
ويأتي تناول الموضوعات في نصوص الشباب عموماً بشكل توصيفي، يغيب عنها التحليل أو مقاربة المسائل ضمن سياقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية. فنرى في النصوص التي تتناول الجنس كمشكلة اجتماعية وصفاً للكبت والبنية الاجتماعية المتخلفة والقمعية، يقول وائل قدور: (هنالك توصيف وغياب للتحليل بل تجنّب المشروع التحليلي، وأنا أوافق د. ماري إلياس حين تقول في مقدمة نصوصنا إن التوصيف جاء على حساب التحليل، وإن العالم الذي نعيشه على درجة من التشابك والتعقيد. قد لا يتعلق السبب بالرقابة، هنالك مسألة تتعلق بمقدار نضوج التجربة).
أما عدنان العودة فلا يرى في غياب التحليل مشكلةً: (لا أعتقد أنها مشكلة فأنا لا أرى وظيفة الدراما أن تقوم بالتحليل، بل طرح الأسئلة، وهناك من يسأل أسئلة بسيطة وهذا لا يعني أنها تافهة).
ويبدو أن الكتّاب عموماً يرون أن دور الرقابة هو الأكثر تأثيراً في المسرح من باقي الفنون والأنواع الأدبية. تقول يم مشهدي: (المسرح هو أكثر مكان يعاني من الرقابة، وهذا بسبب شرط العرض. ولو كان الأمر محصوراً بالنص الأدبي لكان أخف. لا أعتقد أن كاتب مسرحية لا يضع أمام عينيه شرط العرض وهاجس العرض، بينما في الرواية هذا غير موجود وهي عمل فردي. بينما المسرح هو عمل جماعي يُعرض أمام مجموع بشكل مباشر. ومفعول الرقابة وصل حتى إلى سعد الله ونوس فقد توقف عن الكتابة نحو 11 سنة، وأعتقد أن أحد أسباب عدم تمكّنه من الكتابة هو الشرط الرقابي. الهامش في السينما والتلفزيون أوسع، ويمكن اللعب. بينما المسرح أكثر مكان يخضع لشرط التلقي الجماعي المباشر، ولا أعتقد أن هنالك موضوعات يتجرأ المسرح على عرضها أكثر من التلفزيون).
يتفق وائل قدور مع يم مشهدي: (مُنعت مسرحيتي الأولى (الدحل) من النشر في وزارة الثقافة 2006 ولم يُوافق عليها رغم أنها كُتبت كمشروع تخرج، ووافقت عليه لجنة المعهد المشرفة وهي جهة حكومية وتخرجتُ من خلالها وعدلتُ عليها كثيراً، لكن لم تنشر، وتشجع العديد من الشباب لإخراجها لكن لم ينجح الأمر.
كلنا يعرف أن هنالك خطوطاً حمراء، وأن الرقابة كثيراً ما تعطل مشاريع هامة وعميقة، لكن بصراحة صادفت الكثير من الشباب يتحدثون عن الرقابة دون أن يجربوا، لأنهم لا يتجرؤون. وهذا قد عملَ هالة للرقابة جعلتها أكبر من الموجود. لا يمكن اختبار حدود الرقابة دون التجريب. وعدم الكتابة بحجة الرقابة هو كسل. وتاريخياً سقف الرقابة يرتفع لأن الناس تدفشه وتدفع به وتملأ ما تحته، وهذا سيتحقق إن كتب الناس وقدموا نصوصهم، وأنا على يقين أنه إن تقدّم إلى مديرية المسارح عدد من مشاريع العروض ورُفِضت وتكرر الأمر وصار هناك جدل، فسيرتفع السقف بالدفش، لكن عدم مناطحته والبقاء تحته يجعله لا يرتفع).
يختلف مع الرأي السابق عدنان العودة والفارس الذهبي، فيقول العودة: (الدراما التلفزيونية سبقت المسرح إلى عدد من الموضوعات، والمسألة ليس لها علاقة بالرقابة. فالسقف الرقابي للمسرح أوسع من التلفزيون، لكن مفهوم الصنعة والإنتاج والسوق هي السبب). ويقول الذهبي: (المسرح لا رقابة عليه أكثر من التلفاز بل هي نفسها، والرقابة بشكل عام هي من أسهل الأمور التحايل عليها ولا يمكنها أن تحدَّ من أي شكل فني أو أدبي، الموضوع التجاري هو ما قتل المسرح).
إلى أي حد تعبّر النصوص عن الشباب ومرحلتهم؟
ترى يم مشهدي أن نصوص الشباب تعبّر عن مرحلتهم وملامحهم: (أغلب النصوص يُلحظ فيها التهميش والضياع واللامبالاة، وكأنها تنويعات على (في انتظار غودو)، إنها تعبّر عنهم ولكن ليس بطريقة الأجيال السابقة إذ التعبير بشكل سياسي مباشر. على أمل أن نُعطى هوامش أوسع للتعبير بشكل أفضل)
يقول وائل قدور: (هذا الجيل مشوش ولا شك أن العقد الأول من الإنتاج سيلتقط هذا التشويش، كما أنه غير ناضج تماماً ومن الصعب أن يكون متوازناً، وقراراته غير واضحة، لأنه الابن الشرعي للوضع القائم، ونحن الكتّاب لم يتم إكسابنا صنعةً على صعيد الكتابة، ولم يعلمنا أحد كيف نعبّر عن آرائنا وكيف ننمّي هواياتنا. وبعضنا جوبِه بمقاومة لأنه درس المسرح أكاديمياً، واطلع على الفن المسرحي من خلال سورية وهي زاوية ضيقة. لولا المصادفات لم نشاهد عروضاً مسرحية هامة. هي مجموعة عوامل تجعل التشويش حاضراً على صعيد الصنعة وعلى صعيد شخصية الكاتب نفسه. كما أن الوضع الاجتماعي الاقتصادي السياسي السوري الراهن مرتبك ومتعثر ومرتجَل. من الجيد أن يوجد اليوم كتّاب للمسرح، وأن يضيِّع الكاتب شهوراً ليكتب ويقرأ من أجل أن يكتب وأن يشارك في ورشات كتابة ويشطب ويركض وراء المخرجين ووراء دور النشر. بالمقابل بإمكانه أن يكتب للتلفزيون لكنه يؤجل ويكابر، وذلك كله ضمن الماضي الشخصي له، إذ لا أهله ربّوه بشكل صحيح ولا مدرسته علمته بشكل صحيح ولا وسائل الإعلام أعطته مادة إعلامية صحيحة. هو شخص يحمل تخبطاً وعنفاً وتشوُّهاً وكبتاً، ويريد أن يكتب مسرحاً! أحياناً أتساءل ماذا أفعل؟ أعتقد أن خروج نصوص سورية متخبطة ومشوشة وسويّتها رديئة هو مخاض).
كما يقول عدنان العودة: (إنها نصوص واقعية راهنة، ضائعة مضموناً وشكلاً، وهناك دائماً شعور بنقص ما في النص، لأنه ليس هناك شيء ثابت، حتى مفهوم الصنعة المسرحية ليس ثابتاً فهي المرة الأولى في الكتابة غالباً). ويقول الفارس الذهبي: (الكتابات تعبّر كثيراً عن هموم هذه المرحلة، عدا السياسية منها، لكنّ المسرح لم يقدر على التعبير كما عبّرت الرواية والقصة(.
بذلك تأتي نصوص الشباب هاربةً من الأسئلة الأكثر إقلاقاًً وإحراجاً، مراعيةً معايير الرقيب، راميةً بالثقل كلِّه على كاهل المتلقي ليفترض السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأحداث.
مايا جاموس- النور 394 (24/6/2009)









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
زائر ( 2009 / 7 / 1 - 12:05 )
تحقيق جميل ومؤسف في نفس الوقت يدلل على استمرار القمع في سوريا وتأثيره في المبدعين المسرحيين.
الذين يشتكون في هذا التحقيق من الرقابة وغياب الحريات

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟