الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً مايكل جاكسون

هشام محمد

2009 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مهداة إلى سارة بهنام

عندما اتأمل أحوال أمة الإسلام، اتساءل: ما هو الشيء الذي يلون جدران قلب هذا الأمة في هذه الأزمنة بألوان قوس قزح؟ لا شيء في الأفق المنظور يتجلى. ما من فتوحات عسكرية، وما من قفزات علمية، وما من طفرات اقتصادية تبعث على الفخر والاعتزاز، وتملأ القلب بالحبور والسعادة. لا شيء يدخل الفرح إلى قلوب المسلمين في زمن النكبات والإحباطات غير ما يعتري "الآخر" من احزان وآلام، وما يلحق به من كوارث وموت وخراب.



هناك أمثلة أكثر من أن تتسع لها ضلوع مقالة صغيرة، لكني دعني اذكرك بأشياء لم تزل طازجة، ولم تفقد حرارتها بعد. عندما سحقت حياة خمسة الآف تحت انقاض برجي نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، كبّر رجال الأمة المجيدة، وزغردت نساءها، ورقص صغارها. اعرف جيداً، فليس كل منا طار في الهواء من الفرحة، ولكن أكثرنا سرّ بموت الأبرياء، وبانكسار الكبرياء الأمريكي.



وعندما اجتاح اعصار تسونامي بلدان شرق آسيا، تداعى العالم كافة على تطبيب جراحات تلك البلاد المنكوبة، ما عدا أبناء خير أمة اخرجت للناس الذين لم يستطيعوا أن يكتموا ضحكاتهم، وهم يرون ذاك الإله الساخط ينشب مخالبه المائية في لحم تلك الشطآن ليغسلها من ذنوب عباده العاصين.



وعندما أصيبت اقتصاديات دول الغرب آخر العام المنصرم بهزات عنيفة، وما اعقبها من تبخر السيولة النقدية، وتوقف دوران الآلات، وتسريح العمالة، وتساقط الشركات، حتى غمرت الفرحة وجوه اتباع دين الحق. سعد الكثير بما حلّ باقتصاديات دول العالم دون أن يعي أنه لا عاصم له اليوم في زمن العولمة من هذا الطوفان. لكن لا بأس لديه أن يجرفه هذا الاعصار، مادام أنه سيبرهن لنفسه وللعالم بأسره أن الاقتصاد الإسلامي – تلك الخرافة – هو طوق النجاة بعد أنهيار النظام الرأسمالي.



ثم جاء وباء انفلونزا الخنازير ليثير موجات متتالية من الهلع، وليمنح قلب العالم المتعب أصلاً هماً جديداً. دول العالم وشعوبه تعمل على سد الطرقات في وجه هذا الوباء الزاحف، وتبحث بجد عن حل لتطويقه والقضاء عليه. أما نحن، فأكثرنا قد فرح بما انتكس العالم من بلاء، مادام أن المتسبب به هو الخنزير، هذا الحيوان المحرم علينا كمسلمين. فبعد أن بين الله للعالم مدى فظاعة النظام الرأسمالي من خلال تسليطه لتلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ها هو الآن يبين لهم السر من وراء تحريمه لحم الخنزير، لكنهم قوم يجهلون، والحمد لله على نعمة الإسلام.



ومؤخراً، سرقت يد الموت اسطورة البوب، مايكل جاكسون. فكيف تعامل المسلمون عامة، والسعوديون خاصة مع هذا الخبر؟ نظرة عابرة على المنتديات والمواقع الإخبارية والجرائد الإلكترونية تكشف بجلاء أننا لا نقيم وزناً لمصاب الغير، ولا نحفل بمشاعره المجروحة. فبينما كان المعجبون والمعجبات في دول العالم يهدون روح الفقيد الزهور، ويشعلون من أجل روحه الشموع، كان أكثرنا يمطر الراحل لعنات السماء، ويشيعه بدعوات الخلود في نار جهنم!



ادعوك لجولة خاطفة بين 636 تعليقاً تذيلت خبر وفاة ملك البوب في جريدة الرياض الإلكترونية في السادس والعشرين من شهر يونيو لترى أي انحطاطٍ قد وصلناه. الاستهزاء...اللامبالاة...والتشفي...هي أبرز العناوين العريضة. حتماً، كانت هناك ردود لم تعدم من انسانيتها، إلا أنها كانت أصوات مخنوقة ومرتعشة وضائعة وسط بحر هادر من الكراهية السوداء. هناك من قال: إلى جهنم وبئس المصير. وهناك من قال: الله لا يرحمه. وهناك من قال: إن كان قد أسلم فرحمة الله عليه وإن لم يسلم فلا رحمة الله عليه. وهناك من قال: هل يجوز أن نترحم على روح كافر؟ كم يثير شفقتي هذا الوهابي المهووس الذي ينتظر فتوى من شيخه المتعفن ليخبره ما إذا كان يتوجب عليه أن يفرح أو يحزن! ألا بعداً لهؤلاء الذين يستفتون شيوخهم في كل شيء حتى في أسلمة مشاعرهم وتلقائيتهم.



هؤلاء، وهم كثرة وليسوا بقلة، مازالوا يسخرون إلى اليوم من الكنيسة التي كانت تبيع صكوك الغفران على السذج في العصور الوسطى، فيما هم الآن يحتكرون توزيع صكوك الجنة والنار على البشر، لكنهم لا يعون أنهم يسيرون في الدرب ذاته. هؤلاء، وهم كثرة وليسوا بقلة، مازالو يرددون كالببغانات أن الإسلام دين الرحمة وأنه دين السلام، وهم لو دانت لهم أسباب القوة لما بقي على ظهر الأرض من لا يدين بدينهم، باستثناء السبايا من النساء طبعاً!



هذا التوحش الديني دفع بالكاتب رجا المطيري في اليوم التالي لكتابة مقال في نفس الجريدة تحت عنوان: "مايكل جاكسون...كافر!" ينتقد فيه بشدة اللغة الهابطة والفكر الظلامي الذي ميز تعليقات الجمهور. وفي رأيي المتواضع، هؤلاء الجماهير بردود أفعالهم العفوية وتعليقاتهم غير الرسمية إنما يمثلون الحقيقة العارية كما هي، والوجه الحقيقي للمسلمين بعيداً عن مجاملات مؤتمرات الحوار الديني والمحاولات اليائسة التي تبذلها الحكومات، خاصة السعودية في تلميع صورة الإسلام وأنسنته.



ختاماً، اقول لك وداعاً يا مايك. تأكد أن عبقريتك الفنية ستبقى مثار اعجاب الأجيال اللاحقة، وأن موسيقاك ستظل شعلتها متقدة في قلوب محبيك، وأن رسائل الحب والسلام التي حملتها أغانيك ستبقى تطوف العالم بلا توقف. لو كنت أنا إلهاً يا مايك فسوف امنحك في جنتي مكاناً. فأنت لم تقتل أحداً، ولم تؤذِ أحداً، ولم تُفتِ بقتل أحدٍ. لقد أسعدت الناس دوماً بموسيقاك ورقصاتك وكلمات أغانيك. لو كنت أنا إلهاً يا مايك فسأجعل منك عصفوراً ملوناً لا يتوقف عن التحليق والتغريد في جنتي، فمثلك خلق للطيران والغناء. أنت أجمل يا مايك من كل شيوخ الإرهاب وأمراء الجماعات وعبدة الأسلاف. أنت من يستحق الجنة وليس هؤلاء المرضى. وداعاً مايك... ولتنم روحك الطيبة في سلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالتك جميلة يا هشام
قارئة ( 2009 / 7 / 2 - 19:52 )
شكرا جزيلا لكتابة هذه المقالة الجميلة و العميقة، لقد بذلت جهدا ممتازا بجمع تلك المواقف و التواريخ، انهم فعلا كارثة، لقد قرأت تعليقاتهم و اندهشت لهذا القدر من انعدام الانسانية، و لكن ها انت هنا، الوجه المشرق لهذا المجتمع الذي يتحكم به الوسخ الاسلامي


2 - مقالتين في ظرف يومين
شامل عبد العزيز ( 2009 / 7 / 2 - 21:26 )
سيدي الفاضل : سوف أقول لك الشيخ محمد صالح المنجد وبعد صلاة الفجر تحدث عن ( الفاسق) مايكل جاكسون وهذا الشيخ هو صاحب الفتوى بقتل الفار ميكي ماوس والرابط عندي في البريد الألكتروني وأعتقد سوف أكتب مقالة عن الموضوع . شكراً جزيلاً أستاذي العزيز
تحياتي


3 - اكثر من رائع
سارة ( 2009 / 7 / 2 - 22:48 )
كما عهدناك دومآ متألق, متميز و قريب للقلب.
شكرآ مع العلم أنها كلمة اقل من قليلة بحق كاتب و انسان مثقف و متحضر مثلك, على الرغم من اعتقادي بأنه ليس لك مثيل كونك شمعة مضية و مبعثة للامل بغد افضل بعيدآ عن هذا المجتمع الغارق بخرافة الأسلام.
مع الأعتراف بأني من اشد المعجبين بشخصيتك.
ساره
لندن


4 - انسان رائع يا هشام
سارة ( 2009 / 7 / 2 - 23:05 )
انا اكثر من فخورة لمعرفة انسان رائع مثلك يا هشام. وددت في هذا التعليق البسيط ان اقول لقرائك كم انت انسان و كم انت رائع لحد يفوق الخيال.
شكرآ جزيلآ للأهداء فهو اكثر مما استحق بكثير.
سارة بهنام
لندن


5 - وداعاً مايكل
محمد الخليفه ( 2009 / 7 / 3 - 08:46 )
أوافقك الرأي ياأخ هشام بأن المغني مايكل جاكسون كان طائراً ملائكيا فقدته جماهيره العريضة في كل مكان في الدنيا،وكنت أود لو ترجمت هذه التعليقات من الظلاميين في جريدة الرياض وغيرها من المواقع وعرضت على السيد أوباما ليرى بأم عينه مدى الحقد والكراهية التي يكنه إبناء أمة الاسلام للإنسان طالما لايدين بدين الاسلام فلربما راجع خطابه الذي ألقاه على أمة الاسلام


6 - ما هذا التألق
مايسترو ( 2009 / 7 / 3 - 09:54 )
أستاذ(هشام) اسمح لي في البداية أن أعبر عن شديد إعجابي بما تكتبه وتتحفنا به، ولا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن مدى الإعجاب الذي أكنه لكتاباتك التنويرية، وبعد لقد وضعت يدك على الجرح فيما يخص أتباع محمد وحقدهم الدفين على كل شيء جميل في هذا العالم الذي ابتلي بهم منذ أكثر من(1400) سنة، وأعتقد أنه لا يوجد أمل في تغيير هذه العقليات المهترأة، وفي النهاية لا يسعني سوى أن أشكرك كثير الشكر على كتايتك التي أعتبرها بمثابة قرآن لي،


7 - شكرا لكم أيها الأعزاء
هشام محمد ( 2009 / 7 / 3 - 11:53 )
شكرا لكل من مر من هنا وكتب تعليقا. مايسترو وشامل وساره انتم دوما تخجلونني بكلماتكم. اشكر ايضا القارئة والنماذج اكثر من أن تحصى لكن اخترت أقرب وأحدث الظواهر. استاذي الخليفة أنا قلق من أوباما وأشعر أنه يسير في الدرب الذي يريد له الأصوليون. اقرأ مقالة الهام مانع في آفاق حتى تتأكد لك مخاوفنا.


8 - احترامي مايكل جكسن يساوي اهانة نفسي و هويتيّ
حمادي بلخشين ( 2009 / 7 / 3 - 15:37 )

ايها السيد كيف تطلب مني إحترام خنفس شاذ مقرف صرح يوما بان العرب حشرات لا يمكن التعامل معها بغير الأحذية
كيف تطلب مني ان احترم مسخا صرّح يوما انه لو كان يدري ان العرب سيستمعون اليه ما غني أصلا ؟؟؟؟؟؟؟
مع تحياتي


9 - وسماعك كلام الآخرين امتهان لعقلك
هشام محمد ( 2009 / 7 / 3 - 16:09 )
السيد الفاضل حمادي: من قال لك أن مايكل صرح بهذا الشيء؟ هل سمعته بأذنك؟ هل قرأت كلام خطه بقلمه؟ كيف تبني موقفاً من انسان اعتمادا على رواية الأخرين؟ هل كان مايكل ليشغل نفسه بالعرب وهو في قمة مجده؟ أم أننا نريد أن نضع انفسنا في مركز الأحداث وكأن العالم لا هم له إلا نحن؟ تخيل أني نسبت كلاما مسيئاً على لسانك. هل ترى من العدل أن يعاملك الناس بناء على الكلام الذي نسبته لك؟ متى نستغل هذا العقل الذي منحناه الله ومتى نتصرف بشيء من الانسانية التي طالما ازعجنا الآخرين أنها رسالة ديننا الحنيف؟


10 - شكرا لمشاعرك النبيلة
جميل ( 2009 / 7 / 3 - 18:37 )
ياريت اخوتنا المسلمين يتبنون هذه المشاعر الجميلة
بعيدا عن قبح الفتاوى التى تصدر من الدجالين
تحية من القلب للجميع
وإلى جنة الله القريبة يا مايكل جاكسون

اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز