الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر حول «الحالة الدينية - السياسية» في ايران

أدونيس

2009 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


-1-

لا أريد هنا أن أتحدث عن الجانب السياسي، بحصر المعنى، للانتخاب الرئاسي في ايران. أريد أن أتخذ منه مناسبة للتأمل في ما يتجاوز المسألة الانتخابية الى المسألة الدينية في كل ما يتصل بالعلاقة بين التشيّع والسياسة، في ضوء الواقع الكوني وفي ضوء الخبرة التاريخية.

وأجد الآن ضرورة شخصية للقيام بهذا التأمل، خصوصاً أنني انحزت بين كتّاب كثيرين عرب وأجانب، الى «الثورة الايرانية» التي قادها الإمام الخميني، بوصفها مجالاً يمكن أن يتيح مزيداً من الحراك السياسي والثقافي، مقارنة بنظام الشاه. غير أنني قَرَنت انحيازي هذا بتحذير مزدوج:

1- حذرت من بناء السلطة الثورية الجديدة على الدين.

2 - وحذرت من الفقيه العسكري: آلة اللقاء بين الديني من جهة والسياسي الاجتماعي، من جهة ثانية. بحيث يتحول الدين الى مجرد ايديولوجيا.

وقد أوضحت موقفي آنذاك في ثلاث مقالات:

الأولى بعنوان: «بين الثابت والمتحول: حول المعنى الحضاري للحركة الاسلامية الايرانية»،

الثانية بعنوان: «انطلاقاً من فرح النصر الأولي: شيء من القلق والخوف»،

الثالثة بعنوان: «من المثقف العسكري الى الفقيه العسكري».

وهي مقالات نشرت تباعاً في مجلة «النهار العربي والدولي»، التي كانت تصدر آنذاك في باريس:

العدد 93 (12 شباط 1979)،

العدد 95 (26 شباط، 1979)،

العدد 166 (12 تموز 1980).

وقد استعيدت هذه المقالات الثلاث في الجزء الثالث من كتاب «الثبات والتحول: بحث في الإبداع والاتباع عند العرب»، (دار الساقي، الطبعة الثامنة، 2002).

-3-

من الصعب، كما يبدو لي، فهم ما يجري الآن في ايران، بمعزل عن المسار التاريخي لممارسة التشيّع، فكرياً وسياسياً، منذ الخلافة الاسلامية الأولى.

ولقد نشأ التشيّع، انتصاراً للحق والعدالة، ورفضاً للطغيان السياسي. كان طريقة في التحرر من المؤسسة السياسية السلطوية التي كانت تفرض ارادتها باسم الاسلام، وتحكم كما تشاء وتقتل من يخالفها. (ومهما كان الرأي في الدين، فقد نشأ، في الأصل، هو نفسه بوصفه تحرراً).

هكذا مثّل التشيّع تاريخياً، الوجه الآخر غير السلطوي، للحياة الاسلامية العربية: الحرية، المخيّلة، التمرد، الشعر...الخ. وفي هذا ما يتيح لنا القول، بشيء من التبسيط، إن التاريخ العربي ينهض على دعامتين: فن بناء الدولة الذي شُغل به أهل السنّة، وفن بناء الثقافة الذي شغل به أهل التشيّع.

منذ 1979، أخذ التشيّع في ايران يتحول الى مؤسسة فقهية سياسية - اجتماعية. صار سياسة وسلطة. هكذا أخذت ايران تدخل في حالات من الصراع لا تنتج، على الصعيد الداخلي، إلا مزيداً من التفكك، سواء كان هذا الصراع ثقافياً أو إثنياً أو دينياً، ولا تنتج، على الصعيد الخارجي، إلا مزيداً من العداء. وحلّت العسكرة محل التنوع والتعدد. وأصبح التشيّع معجماً آخر للأمر والنهي. وخضع النظام لآلية الفقه العسكري.

واليوم، حين نسمع عبارة «ديموقراطية دينية»، يصدمنا التناقض الصارخ مع الدين ومع الديموقراطية في آن. فعندما يصبح التدين تأدلجاً، يتحول الى طغيان. فلا ديموقراطية في الممارسة الدينية السائدة. الدين فيها انحياز، والديموقراطية حوار لا بين مؤتلفين، بل بين مختلفين. أو لنقل، بتعبير آخر: هذه «الديموقراطية الدينية» قمع يسوغه الدين، ويأمر به التديّن. وهو إذاً قمع يزدري الانسان وحقوقه، لأنه لا ينظر اليه إلا بعين قربه الى الدين أو بعده عنه. ومن غير الانساني أن يختزل عالم الانسان في التدين. فالكائن الانساني أكثر من متدين، وأشمل وأغنى.

والفاجع الساخر هنا هو أننا نسمع، اليوم، في ايران، ونقرأ كلاماً ضد بعض الشيعة ليس إلا تنويعات على الخطاب الذي كان يكرر في الماضي، أموياً وعباسياً، ضد أهل التشيّع أنفسهم.

-5-

هل يصح، في هذا السياق، التعاطف مع «الأنظمة القمعية» بحجة أو بأخرى؟

لكن، ماذا تعني محاربة قمع خارجي في مجتمع يعيش تحت كابوس قمع داخلي؟ وهل هي ممكنة أو فعّالة؟

أليس القمع الداخلي حليفاً موضوعياً للقمع الخارجي؟ أليس القمع الداخلي نوعاً آخر من «الاستعمار»؟

لا يستطيع المجتمع أن يحارب أعداءه في الخارج إلا بتنوعه وتعدده وحريته. النظام، ولو كان قائماً بإرادة إلهية لا يقدر وحده على هذه المحاربة. النظام الذي «يقتل» من يعارضه في الداخل سيجد نفسه عاجلاً أو آجلاً «مقتولاً» بعجزه الخاص، وبالداخل السجين، «المقتول»، وبالخارج المتربص الذي يتحيّن الفرص للانقضاض.

-6-

الدولة التي تقوم على التأدلج الديني، مدعوماً بـ «الارادة الإلهية»، دولة محكومة بكونها نظاماً قمعياً. وماذا يعني مجتمع يديره مثل هذا النظام الذي يدير بشراً مستسلمين منقادين، طوعاً أو كرهاً؟ وقبل ذلك، ماذا يعني الانسان في هذا المجتمع المقيّد - عقلاً، وفكراً، جسداً ومعرفة؟

إنه نظام يقترن فيه الدين بالعنف اقتراناً عضوياً. الفقيه نفسه يصبح عسكرياً، وتتحول الدولة ومؤسساتها الى سجون يحرسها الطغيان.

-7-

أودّ أن اختتم بطرح هذه الأسئلة:

1- ألا يحق لنا اليوم أن نرى في الممارسة الدينية السائدة نفياً متواصلاً للدين نفسه بوصفه تحرراً في نشأته، ذلك انها ممارسة قائمة كلياً على القمع والعنف؟

2- ألا يحق لنا القول إن الممارسة الدينية السائدة ليست الا نوعاً آخر من تقويض الداخل الانساني، في كينونته ومعناها، من حيث أنها تقويض منظّم لعوالم الحرية؟

3- ألا يحق لنا الخوف من ان يهزم الدين نفسه بنفسه في هذا القرن، كمثل ما هزمت العروبة نفسها بنفسها في القرن الماضي؟ ذلك أنه، في الممارسة، كمثلها هي: لا ينتج إلا مجتمعاً مقيّداً، سطحياً، وآلياً.

4- ألا يصح القول: إن كنا نريد فعلاً أن نتحرر من استعمار الخارج، بجميع أشكاله ومستوياته، فذلك لن يتم اطلاقاً إلا بالتحرر من داخل، بجميع أشكاله ومستوياته؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صحيح جدا
د. ماجد الحيدر ( 2009 / 7 / 2 - 20:31 )
لا ديموقراطية في الممارسة الدينية السائدة. الدين فيها انحياز، والديموقراطية حوار لا بين مؤتلفين، بل بين مختلفين
وضعت يدك على جرح كبير


2 - تحية مسائية خافتة لـ.. أدونيس
أحـمـد بـسـمـار ( 2009 / 7 / 2 - 21:52 )
رغم الزمن, رغم تغير الإيديولوجيات, تبقى يا أدونيس من أفضل الأصوات التي ما زالت تنطق بالحقيقة الرهيبة والخطيرة. وبما أنك ما زلت تتكلم, ولو أن لا صوتك ولا صوتنا يسمع في وادي الطرشان, يتبقى لنا امل, ولو أنه هزيل جائع مخنوق. من يدري؟ تـابـع الكلمة على الشجر.. على الغيمات التي تذهب إلى الآفاق البعيدة.. علها تمر فوق ضيعتنا, ويراها هناك من تبقى من الأحياء... ولو أن أغلب الأحياء.. أنصاف أموات!!!...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الله الواسعة


3 - الدين إيديولوجية عابرة للزمن
مواطن يراقب ( 2009 / 7 / 3 - 01:19 )
تاريخ البشرية سلسلة دورات، فهل ستنتهي يوما دورة الدين؟ هل ستصل البشرية إلى اليوم الذي تقفز فيه على كل الإيديولجيات، لتتحول إلى المجتمع التقني، المبرمج، كل لغرض ولكل غرض مسار، بمعنى هل ستتخلص البشيرة من العبودية، كل أشكال العبودية، بالغيبيات تحكم قلة بدون خسائر كبيرة... إلى متى؟


4 - Oxygène
غـسـان صـابـور ( 2009 / 7 / 3 - 10:24 )
في عالم الصمت الحزين, عالم الصمت الإجباري ومنع التجول القهري. تبقى الكلمة, كلماتك يا أدونيس, مهما كانت قديمة, تبقى المرجع الوحيد للحقيقة. أن تعيد ترديدها اليوم, بعد أن نام العالم كله في فراش الصمت والعتمة والنسيان, أمل جديد, أمل يولد من جديد, بأننا ما زلنا أحياء. ولو أننا نموت قليلا كل صباح وكل مساء. لأن عتمة الجهل تمتد أكثر وأكثر. وأن سيف الرعب والإسكات وجهنم والنار والآخرة يكمم أفواهنا حتى لا يلفظ آخر نفس فينا.. آخـر كلمات الحقيقة.
أحييك يا أدونيس.. لأن كلماتك تجدد عندي ما أحتاجه من أوكسيجين...
غسان صابور ليون فرنسا


5 - صحيح عمو غسان بتعرف أدونيس؟
غـسـان صـابـور ( 2009 / 7 / 3 - 16:39 )
سألتني ابنة مغتربة سورية عمرها سنوات فليلة, صحيح عمو غسان بتعرف أدونيس؟ ترددت في الإجابة.. ترددت رغم معرفتي الشخصية لأدونيس من زمن طويل, ومرورنا معا في حقبة صعبة مشتركة, خرج هو منها وتابع دربه وشعره وفكره في بلد مجاور.. وبقيت أنا بلا أمل ولا متابعة.. أياما وأشهرا وسنينا... ثم غادرت البلد إلى فرنسا.. نهائيا.. وبعد سنين طويلة التقينا في ندوة شعرية له في فرنسا.. كأننا لم نفترق كل هذه السنين.. ورغم بياض شعره وشعري الذي ابيض من تجربتي الماضية.. التقينا وكأننا لم نفترق, وما زالت كلماته المشجعة أنني لم أتغير طيلة هذه السنين... نعم لقد تغيرت.. ونعم يا صديقتي الصغيرة إنني أعرف أدونيس.. وكلماته لم تتغير.. إنها نفس الكلمات الناعمة الطيبة الصادقة.. ما زالت تنفح العطر الأصيل والصدق والحياة.. وازدادت وتـلـونـت بشعره الأبيض...
نعم أعرف أدونيس.. ومن في الدنيا اليوم لا يعرف أدونيس؟؟؟
غسان صابور ليون فرنسا


6 - شموخ اودونيس
كريم الدهلكي ( 2009 / 7 / 3 - 19:24 )
في عام 2007 تم تكريم الشاعر الكبير اودونيس حضرت انا حفلة تكريمه بعد زيارتي القسريه الى سوريا عندما اشتد القتال الطائفي بالعراق تمتعت بهذه الحفله والحضور وبكيت وتالمت لمى يجري في بلدنا وما يجري في بلاد الجوار التي هي جزء من المشكله بل هي المشكله وما ان انتهى الحفل واثناء خروج الشاعر الكبير تقدمت نحوه وقبلته وقدمت له نفسي باني عراقي فرح فرحا لحضور العراقي هذا الحفل وبلده مشتعل فسئلته هلى مايجري في العراق سينتهي اجابني بكلمه واحده نعم وعما قريب لانشغاله ولكنني احسست مع نفسي على الرغم من الفارق بيني وبينه لمكانته الادبيه وبين محتفليه انه يريد ان يقول كلاما كثيرا عن العراق والعراقيين لكني احسست ان الوقت ليس بصالحي ولكن اجابات عينيه وتعاطفه معي اشعرني بقوة عراقيتي وصمودي فالف الف تحيه لمبدعنا الكبير اودنويس الرائع

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا