الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية الفهلوية المثقفة

صالح سليمان عبدالعظيم

2009 / 7 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الشخصية الفهلوية لا تمتلك الإمكانيات اللازمة من أجل القيام بمهام وظيفية معينة أو أدوار محددة، وبديلا عن ذلك فهي تقوم بأدوار أخرى تحاول من خلالها إقناع الآخرين بما تقوم به. فالشخصية الفهلوية تقوم بالجانب الاجتماعي من العمل دون الجانب الوظيفي الذي يتحقق من خلال الإنتاجية والعمل. يصبح البديل في ظل غيبة الكفاءة المطلوبة هو التركيز على شبكة العلاقات والتربيطات الاجتماعية التي تكفل للفهلوة عملها وتؤسس المناخ المناسب لازدهارها.
ويحيط بنا العديد من الشخصيات الفهلوية على كافة الأصعدة والمستويات. فهناك المثقف الفهلوي الذي يخطف كلمة من هنا ويسرق مقالا من هناك ويحاول أن يفرض نفسه على السياق الثقافي كمثقف واعد وحقيقي. والتاجر الذي يؤسس تجارته على بيع أي شيء وتحقيق أي مكسب دون فهم حقيقي لمفهوم التجارة وأهميتها المجتمعية. ورجل الأعمال الذي يسابق التاجر في فهلوته مؤسسا لصناعة وهمية من خلال التركيز على استيراد أي شيء وترويج أي بضاعة. والحرفي الذي يوهمك بإمكانياته التي يثبت فشلها بعد قيامه بالمطلوب منه. كما تذهب الفهلوة لما هو أبعد من ذلك وأخطر في مجالات مثل الصحة حيث يوهمنا بعض الأطباء بخبراتهم الواسعة، معتمدين على ضعفنا الإنساني أمامهم إلى أن ينتهي بنا الحال بين أيدي رب العباد، نشتكي له ما حدث بعد فوات الأوان. والغريب في الأمر أن الشخصيات الفهلوية غالبا ما تتواءم مع بعضها البعض وتتفق بغض النظر عن مجال تخصصها وطبيعة عملها؛ حيث يجمعها في النهاية خطاب الفهلوة بتفسيراته وتأويلاته الفضفاضة والعبثية في الوقت نفسه.
هناك مجموعة من العوامل تساعد على استشراء الشخصية الفهلوية يأتي في مقدمتها التساهل في تقدير الكفاءات وتقييم أوضاعها. ففي ظل نقص الكفاءات في عالمنا العربي يسهل وجود أشخاص غير أكفاء يعتمدون على بنية مجتمعية تقبل بذلك وتستفيد من وراءه؛ بحيث تصبح الكثير من المؤسسات في النهاية مرتعا للعديد من الشخصيات الفهلوية التي تحاول أن تثبت كفاءاتها بالعلاقات الاجتماعية أكثر من أي شيء آخر.
لا تقف الشخصية الفهلوية عند حدود ما هو اجتماعي فقط بقدر ما تتعدي ذلك لحرفية عالية في استدماج مجموعة من الألفاظ والكلمات المكرورة التي يجرى تداولها هنا وهناك. وتظهر الشخصية الفهلوية بين المثقفين على وجه الخصوص الذين يلوكون القصص والحكايات نفسها في كل مكان وكل حديث. أعرف مثقفا على سبيل المثال، إذا جازت التسمية، فهلويا بدرجة مخيفة ومقنعة في بعض الأوقات ولبعض الناس. تنبع فهلوته من محاولة الإقناع بثقافته وقدرته على صناعة الفكر التي يكتسبها من خلال الجلوس مع غيره من المثقفين والتقاط كلمة من هنا وكلمة من هناك بما يمكن أن نُطلق عليه المثقف بالسماع. بل إن بعض المثقفين يكمن رأسمالهم في اجترار عناوين بعض الكتب أو الحديث بشكل عام عن بعض أفكارها. وبسبب من تدهور الأوضاع الثقافية العربية بعامة تصبح حالة الفهلوة هي جوهر التفاعل الثقافي وواحدة من دعائمه الأساسية في ظل غيبة من يدقق أو يتابع أو يساءل.
لا يمكن للشخصية الفهلوية أن تستمر في الساحة بدون أن يكون لها إنتاج فعلي تمارس به وجودها وتحوز به على مساحة من الفضاء الثقافي بغض النظر عن مستواه أو جودته. كما أن الواقع الثقافي في مجتمعاتنا العربية يحتاج لمثل هذه الشخصيات التي يمكن استخدامها في الكثير من معارك النظم السياسية المختلفة أو تشكيلا لجبهة ضد أخرى. تنفع الشخصية الفهلوية في مثل هذا النوع من المعارك التي تتحول فيها الثقافة كأداة لممارسة السياسة. ومن اللافت للنظر أن الشخصية الفهلوية تقوم بأدوارها بشكل كبير وفاعل في حضن الايديولوجيا حيث لا توجد معايير حقيقية للتقييم سوى ثقافة الانتماء بأطرها الضيقة المخالفة لمتطلبات الموضوعية والفكر الرصين.
وتنتشر فهلوة الثقافة بشكل كبير في ضوء الإمكانات الهائلة التي وفرتها الإنترنت الآن، وسمحت من خلالها بالانفتاح على عوالم عديدة ومتسعة، سواء من خلال مواصلة ادعاء الاطلاع والمعرفة أو من خلال السطو السهل والمريح على آراء وأفكار ومنتجات الآخرين. يمكن للمثقف الفهلوي أن يخدع بعض الناس كل الوقت أو يخدع كل الناس بعض الوقت، لكن الواقع يثبت دائما وأبدا أنه لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلامتي من الفهلوة
مو... فهلوي ( 2009 / 7 / 6 - 17:58 )

شوف عنا شو في فهلويين وفهلويات، وبيطرحوا -قال يعني بعيد الشر- مشاريع ثقافية!!

اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد