الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى التسامح في الاسلام

مهدي النجار

2009 / 7 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" ما هو التسامح؟ إنه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، إننا جميعاً من نتاج الضعف، كلنا هشّون وميالون للخطأ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل"
فولتير(1694 – 1778)

لا ينبغي ان نزعم اننا اهل تسامح وبقية الناس ليسوا كذلك ومن هذا الباب نخاطب الناس سواء المختلفين معنا بالآراء او الديانات او العقائد بانهم ليسوا متسامحين وان ثقافتهم خاوية وخالية من مفهوم التسامح بمعناه المعاصر، وفوق ذلك نهزأ من تلك الثقافة ونطالبهم بأن يتخلوا عنها ويسلخوا عقولهم منها لانها ما عادت تتلائم مع مشروعات الحداثة، وهي عقبة كأداء في طريق النماء والتمدن، مثل هذا الحديث مُسرف في مغالاته ويُخرج الظواهر عن تاريخيتها وظروفها ويؤجج المشاعر بالبغضاء والضغينة بحيث تصدر ردود افعال متعنصرة ومضادة لمفهوم التسامح، بل والأزيد من ذلك تجعل من موضوعة التسامح موضوعة كريهة ومنبوذة. ان الامر الذي يجعل موضوعة التسامح مستساغة ومحببة في النفوس ويساعد على نشر التسامح في فعاليات الناس وانشطتهم هو البحث الدؤوب عن المكامن المضيئة التي تشعُ تسامحاً في ثقافة الآخرين، يستحيل ان تخلو ديانة او معتقد او فكر من تلك المكامن فهي كلها جاءت وتواجدت وانتشرت (حسبما يعتقد اصحابها ومعتنقيها على الاقل ) من اجل الارتقاء بالبشر ودفعهم نحو النور والتسامي والمصالحة والتعايش والتعقل والرشد، واذا كانت بعض الثقافات قد لبت حاجات الناس الروحية والفكرية في ظروف بيئية وتاريخية منصرمة واصابها التضعضع والوهن في وقتنا الحاضر فان جذورها ومرتكزاتها ما زالت عائشة في افئدة الناس وعقولهم بل وتزداد تجذراً يوماً بعد آخر اكثر مما مضى ونلاحظ انتشار جحافل من معتنقي تلك الثقافات ( خاصة الدينية ) على استعداد دائم لان يضحوا بانفسهم من اجل معتقداتهم ومذاهبهم وكذلك هم على استعداد لأن يجعلوا من ثقافتهم ذات مغزى تلبي حاجات حاضرهم ومستقبلهم لانهم لايستطيعون ان يعيشوا دون ذلك. ليس ثمة ما يشير الى ان الناس سيتخلون في يوم ما عن ثقافتهم (خاصة الدينية) وتزداد حاجتهم لذلك كلما عصفت بهم الاهوال والانكسارات والمظالم والتحديات فهم لا يبحثون عما هو جديد ومبتكر، بل العكس ينكفئون على تراثاتهم وماضيهم ليسَتقوُّا بهما وينقذوا أنفسهم من الهلع والمآسي والآلام.
لاريب هناك خلط كبير والتباس واضح بين ما نسميه التسامح في الثقافات التقليدية، ومنها الثقافة الاسلامية، فإن كلمة التسامح مشتقة حديثة العهد في اللغة العربية، مشتقة من السماحة أي الجود والمسامحة:المساهلة،وسمح بمعنى جاد أعطى عن كرم وسخاء (ابن منظور/ لسان العرب ). والتسامح في الثقافة الاسلامية هو عبارة عن منظومة قيم اخلاقية وسلوكية شرعها الدين الاسلامي من قبيل: غض النظر/ الرفق/الرحمة /العفو /المداراة /الاحسان /الألفة /الأمانة /... اما المفهوم المعاصر للتسامح فهو عبارة عن منظومة حقوق وواجبات نشأ بالتحديد في احضان الثقافة الغربية، وبالذات في احضان الثقافة الدينية (الكنيسية) وقد اجترح وتأسس نتيجة لحاجة وجودية ملحة للخروج بالمجتمعات الغربية من أتون حروب التعصب الديني التي دامت نحو قرن ونصف قرن، من القرن السادس عشر الى منتصف القرن السابع عشر، ونشرت الموت والخراب والمجاعات والأوبئة. إن مفهوم التسامح في الفرنسية والإنكليزية ( to lerance) بالمعنى الحديث للكلمة هو بالضبط ما يأتي: " الاعتراف للفرد – المواطن بحقه في ان يُعبر داخل الفضاء المدني عن كل الافكار الدينية أو السياسية أو الفلسفية التي يريدها ولا احد يستطيع أن يعاقبه عن آرائه إلا إذا حاول فرضها عن طريق القوة على الآخرين " ومع ظهور التسامح (القرن السابع عشر) ظهرت مجمل الموضوعات المتعلقة بحقوق الانسان التي اعلنتها الثورة الفرنسية. بمعنى " إن لكل انسان الحقوق ذاتها بصفته إنساناً فقط، بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو اصله وفصله... ".
من خلال ذلك يمكن استبعاد مفهوم التسامح عن مجمل التصورات التقليدية فهو:
- لا يعني كما في الدلالة اللغوية بالجود والكرم، أو نوع من الشفقة والإحسان. بمعنى شفقة طرف أعلى على طرف أدنى، شفقة الغني على الفقير، الأغلبية على الأقلية. من اللافت ان هذا النوع من التسامح لا يمكن ان يسير بأتجاه عكسي، فلا يمكن أن يشفق المملوك على المالك ولا الفقير على الغني إنما يجب الانصياع له واحترامه وطاعته.
- لا يعني التسامح مرحلة تكتيكية أو مؤقتة، بمعنى قبول الآخر والتغاضي عن وجود ثقافته لاسباب قاهرة أو اسباب مرحلية كأمر واقع ما ان تزول هذه الاسباب يتم إلغاءه والتنصل من حقه في الوجود أو تذويبه وأحتوائه. إن المفهوم الحديث للتسامح هو الاعتراف الكلي بالآخر كخيار وجودي في اطار ما نسميه بحق الاختيار وحقيقة التعددية البشرية.
- لا يعني التسامح تفضلاً ومِنةً من طرف على طرف أو اختياراً ذاتياً، بل هو كََسبَ عبر تأسيسه الفلسفي والثقافي الحديث قوة بلغت المجال القانوني المُلزم.
- لا يعني التسامح انتهازية تعايشية، أعطيك فرصة حتى تتحول الى ديني، تنصهر في قوميتي، تعتنق افكاري... هذه المناورة مُستبعدة كلياً في المفهوم المعاصر للتسامح الذي يعني تقبل الآخرين والتعايش معهم ومن حقهم ( كما من حقي ) أن يعتنقوا ما يشاؤون وينتموا الى ما يريدون.
وفق ذاك الموجز لمعنى التسامح بمفهومه الحديث ألا يمكن ان نتلمس نواة تأسيسية لمعناه في الاصول الاسلامية، خاصة في كتابه التأسيسي القرآن الكريم ؟ اجل. هنالك صف مجيد من الآيات القرآنية تمجد التسامح وتدعو إليه، تعتبر التسامح قضية وجودية لا ريب فيها من خلال إقرارها الفعلي بأختلاف الناس، اختلافهم بدياناتهم ومذاهبهم:
* " ولو شاءَ رَبُكَ لجعلَ الناس أمة ً واحدةً ولا يزالونَ مختلفين " [هود: 118]
* " ولو شاء اللهُ لجعلكمُ أمة ً واحدة ً " [النحل:93]
لذا فالمدخل لفهم التسامح في الاسلام ينبغي ان يتأكد من خلال الإقرار المبدئي باختلاف الامم والشعوب من حيث دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم وشرائعهم وهذه قضية متعلقة بالشأن الإلهي ولا ينبغي للبشر ان يرغموا الآخرين للتخلي عن معتقداتهم ودياناتهم وان يعتنقوا ديانات ومعتقدات اخرى، وهذا هو لب التسامح الاسلامي الذي يتوافق دون شك مع الفهم الحديث للتسامح:
* " لكلٍ جَعلنا منكمُ شِرعة ًومنهاجاً ولو شاء اللهُ لجعلكمُ أمة ً واحدة ً ولكن ليبلوَكم في ما أتاكم " [المائدة:48]
* " ولو شاءَ رَبُكَ لآمنَ مَن في الأرض ِ جميعاً أفأنت تُكرهُ الناس حتى يكونوا مؤمنينَ " [يونس:99]
* " وقُلِ الحقّ ُمِن ربكُم فَمنَ شاءَ فليؤمِن وَمن شاءَ فليكفرُ إنا أعتدنا للظالمينَ ناراً أحاط بهم سُرادقُها " [الكهف:29]
يتغافل المتشددون والمتعصبون في المجتمعات الاسلامية عن تلك الآيات التسامحية ويبذلون قصارى جهدهم لاقصائها من الخطاب الاسلامي المعاصر، فهم على العموم يتعلقون بآيات مضادة للتسامح، تدعو الى قتل الآخر ونبذه وإرغامه بالقوة على دخول الاسلام، فكل آرائهم المتشددة ومعتقداتهم المتعصبة تعتمد آيات العنف والقتل:
* " فإذا انسلخَ الأشُهر الحُرُمُ فأقتلوا المشركينَ حيثُ وجدتموهمُ وخذوهمُ وأحصروهمُ وأقعدوا لهُم كُل مَرصدٍ فإن تابوا فخلوا سبيلهم "[التوبة:5]
* " فإذا لقيتم الذين كفروا فَضربَ الرقابِ حتى إذا أثخنتموهم فَشدُوا الوثاقَ فإما مَناً بعدُ وإما فداءً حتى تضعُ الحربُ أوزارها "[محمد:4]
* " فلا تَهنوا وتدعوا الى السلمِ وأنتم الأعلونَ " [محمد:35 ]
بالتأكيد ان مثل تلك الآيات الإكراهية جاءت وفق ظروف تاريخية معينة إلا ان المتشددين يسحبونها على الظروف المعاصرة ويمارسون نشاطاتهم السياسية على ضوء ما جاء فيها من مفاهيم عنف وإجبار. لقد قام الوحي خلال فترة نزوله القصيرة بنسخ الكثير من الآيات واستبدالها بآيات اخرى حسب تغير الظروف والاحداث واستجابة لمتطلبات وحاجات الناس، وحين توقف منح للناس انفسهم ان يستخدموا عقولهم لاجتراح ما يناسب عصرهم وظروفهم من مفاهيم وثقافات، فما المانع، وقد مر َّعلى توقف الوحي اكثر من اربعة عشر قرن، ان ينسخوا آيات الإكره تلك ويستبدلوها بآيات الحب والتسامح والسلام التي يزدهر ويتسامى بها كتاب الله العزيز؟!
تلك قضية مُلحة تتطلب من المسلمين قفزة نوعية وشجاعة لكي يتصالحوا مع أنفسهم اولاً ومع العالم ثانياً وبغير ذلك لا نعتقد يستطيعوا الإندراج في مضامير الحداثة والتمدن ويتحاوروا مع الثقافات الإنسانية الاخرى ويلعبوا أدواراً اساسية في سياقات التاريخ الإنساني المعاصر.إذا تقاعس المسلمون عن غَربلة نصوص ثقافاتهم وفحصها ونقدها سيظلوا مُهمشين وغير فاعلين كأن العطب والرضوض قد أصابتهم الى أبد الآبدين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العكس هو الصحيح
مصرى وبس ( 2009 / 7 / 7 - 21:14 )
آيات التسامح هى التى أتت فى ظروف تاريخية معينة وهى ضعف المسلمين وقلتهم ومحاولة لجذب الناس للإسلام ولذلك ظل محمد يدعو الناس فى مكة سلميا للإسلام ثلاثة عشر عاما بما آمن به إلا أقل من مائة أغلبهم من العبيد! ثم جاءت الآيات الإجرامية الناسخة لما عداها فانتشر الإسلام بها ولازال يحاول الإنتشار بها فمن منهما -الآيات المسامحة أم العنفية- هى الأولى بالإتباع؟ وجهة نظر ومنطق القتلة الهمج أقوى عشرات المرات من منطق سيادتك وإن ظل لك شرف المحاولة.


2 - الامر محير
مصرى ( 2009 / 7 / 8 - 08:42 )
سيدى, الواضح انك انسان متفتح متدين ولك الشكر فى محاوله تجميل واصلاح الاسلام, ولكن الامر المحيير هو كيف لانسان ذكى ان يقتنع بأن الدين والشريعه المدعى لهما بالصلاحيه فى كل مكان وزمان تتغير وتناقض بعضها وتنسخ ايات منها الاخرى فى حقبه قصيره حوالى 23 عاما؟ وكيف لما فى لوح محفوظ ان يتغير ويتبدل حسب الظروف والاحوال؟ وايضا الاهواء(أسباب النزول!!! ) كما فى - فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكه-؟ او لضغط من امثال عمر بن الخطاب بتحريم الخمر (علما بأن محمد شربه وتوضأ به واسماه شرابا طهورا من قبل)؟ وكذا فى فرض الحجاب؟ حتى انه قال وافقنى ربي فى ثلاث (ربما أربع ), أو كما الحال في نكاح المتعه فهو أحل ثم حرم ثم احل ومات محمد وهو حلال !!!!!
ياساده أقل ما يمكن أن يقال هو كيف تكون العقيده والشريعه مجرد رد فعل لأحداث وظروف؟, فهل لو أن محمد لم يرى زينب عاريه لبقى التبنى بالاسلام؟ ولو لم يلخبط بعض السكارى فى الصلاه لما حرمت الخمر؟ وهل لو لم يسخر بعض اليهود من جهل محمد بقصص التوراه بجعله مريم أختا لهارون لكانوا اليوم أعز الاحباب وسمن على عسل؟
لا ياسيدى لا يمكن الا وصف هذه بأنها عقيده افتعلت واخترعت على الحافر او كما يقال بالانجليزيه
made up on the hoof

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال