الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمييز الديني في التعليم بين الواقع والإنكار

محمد منير مجاهد

2009 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يزعم المدافعين عن وجود آيات قرآنية في مقررات اللغة العربية أن الهدف هو زيادة درجة إتقان اللغة العربية نظرا لبلاغة النص القرآني، إلا أن دراسة هذه الظاهرة بشكل معمق توضح أن الأمر ديني صرف ولا علاقة له بإتقان اللغة العربية، ولو كان الأمر يقتصر على دوافع لغوية، فما أكثر النصوص التي تفي بهذا الغرض بدون اللجوء إلى الديني منها، ولا شك في أن مستوى إتقان العربية في جيل آبائنا وفي جيلنا - قبل إدخال المحتوى الديني - كان مقبولا بالفعل وكان أفضل بكثير من مستوى خريجي المدارس الآن، ولكننا سنسلم جدلا بصحة هذا التبرير، ولكن هل يقتصر الأمر على بعض الآيات القرآنية في دروس اللغة العربية أم أن الأمر أكثر من هذا ويدخل في باب "الإكراه في الدين" الذي يحرمه الإسلام نفسه ويحظره؟

انتهزت فرصة الإجازة الصيفية واستحوذت على كتب ابني في الصف الخامس الابتدائي وإليكم بعض ما وجدت في كتاب اللغة العربية "اللغة العربية – اقرأ وناقش" الفصل الدراسي الأول 2008/2009، وفي الوحدة الأولى بالصفحة الخامسة تحت عنوان "قواعد نحوية (أدوات الاستفهام)" يدور حوار بين عمر وأبيه يبدأه عمر بالسؤال "ما رأيك يا والدي في أن نزور شرم الشيخ؟ فيجيب الوالد "بعد أن ينتهي شهر رمضان ونحتفل بعيد الفطر المبارك"، فيسأل عمر "كم يوما نحتفل بعيد الفطر المبارك؟" فيجيب الأب "نحتفل به ثلاثة أيام"، فيسأل عمر " ومتى عيد الفطر؟" فيجيب الأب "بعد شهر رمضان"، فيسأل عمر "كيف نحتفل بهذا اليوم؟" فيجيب الأب "نصلي العيد، ... الخ"، بالطبع هذا درس في المناسك الإسلامية وليس له أي علاقة بالبلاغة وكان يمكن تدريب التلاميذ على أدوات الاستفهام باستخدام أي حوار آخر من تلك التي يمكن أن تدور في الحياة، والموضوع نفسه يبدو مقحما لأننا لا نعرف كيف سيذهب عمر إلى شرم الشيخ بعد انتهاء رمضان والعيد حيث سيكون عليه العودة للمدرسة، اللهم إلا إذا جاء رمضان في الصيف.

في الوحدة الأولى أيضا بصفحة 21 تحت عنوان "نصوص وتذوق" نجد حديثا نبويا حرص مؤلفو الكتاب على وضعه بمسنده – على الطريقة الأزهرية – وعلى جميع التلاميذ مسلمين وغير مسلمون أن يدرسوا "عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ... الخ"، فهل لهذا النص أي أهمية خاصة لغوية؟ بالطبع لا. وفي هذه الحالة قد يثور سؤال: ماذا يضير غير المسلم في دراسة ما يحض على الخير في الإسلام؟ والإجابة هي أن هذا في حد ذاته إجبارٌ كريه يتضمن أن الإسلام هو المرجعية الوحيدة للقيم والأخلاق، وبالتالي يوجه رسالة مباشرة لا لبس فيها بدونية المعتقدات الأخرى.

في الوحدة الثانية بصفحة 39 تحت عنوان "نصوص وتذوق" نجد الآيات من 261 إلى 263 من سورة البقرة التي تحث على الإنفاق في سبيل الله، ويتضمن العمود الأيسر من الصفحة 40 المعنون "معلومات وأنشطة إثرائية" توضيحا بأن سورة البقرة سورة مدنية وعدد آياتها 286 آية وهي معلومة لا تهم إلا المسلمين ولا تضيف شيئا بالنسبة للغة العربية، ثم يطلب في النهاية من التلاميذ (مسلمين وغير مسلمين) جمع آيات قرآنية أو أحاديث شريفة أو أقوالا مأثورة توضح قيمة وجزاء الإنفاق في سبيل الله.

تنتهي الوحدة الثالثة والكتاب بمقال في صفحة 65 بعنوان "الجليس الصالح" تدور حول حديث نبوي وضع أيضا بمسنده "عن أبي موسى (بدون رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ... الخ"

نفس الشيء في كتاب اللغة العربية للفصل الدراسي الثاني الذي يتضمن مقالة بعنوان "حق الطريق" تبدأ بـ "يحرص الإسلام على أن يكون سلوك الإنسان في الحياة سلوكا مهذبا ... الخ. وتنتهي بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوس في الطرقات ..الخ. وتبدأ الوحدة الثانية بقطعة بعنوان "الإيمان بالله مفتاح الخير" تقول الإيمان بالله هو مفتاح الخير في الدنيا والآخرة وتستشهد بالآية 56 من سورة الذاريات، ثم الآيات 107-110 من سورة الكهف، وتحت عنوان "نصوص وتذوق" في الوحدة الثالثة والأخيرة تطالعنا إحدى قطع المحفوظات تتضمن الآيتان 103 و104 من سورة آل عمران.

يتضمن المقرر أيضا قصة "مغامرات في أعماق البحار" وهي إحدى مغامرات (عقلة الإصبع) وفيها يواجه موقفا صعبا "ولكنة تذكر قول الله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (الشرح 5)"، وقال لنفسه ... لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف 87)، و امتدت نفس الممارسات إلى كراسات الخط العربي وهى كراسات للطلاب جميعا مسلمين وغير مسلمين، ولكنها أصبحت تنطلق أيضا من آيات القرآن الكريم والموروث الإسلامي بوجه عام.

كل الأمثلة السابقة إثبات على ما سبق قوله من أن هذه الدروس الدينية والتي قد تكون هامة لنا معشر المسلمين إلا أنها تمثل إجبار كريه بالنسبة لغير المسلمين، ولا أظن أن أحدنا سيحب أن يدرس أبنائه دروس دينية مسيحية أو يهودية أو غيرها حتى ولو كانت تحض على قيم لا نختلف عليها، وهو مخالفة صريحة لقول الله تعالى "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 256)" وقوله "كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (الصف 3)".
م
إذا كان هذا هو أسلوب تدريس اللغة العربية فكيف يتم تدريس الدين؟ يتضمن كتاب التربية الدينية الإسلامية للفصل الدراسي الثاني لعام 2008/2009 أربعة وحدات هي: "عقائد" و"جند الله" و"مهد الإسلام" و"المحافظة على البيئة"، ولننظر معا في الوحدة الثانية "جند الله" والذين نكتشف دون عناء أنهم الجنود المصريين في حرب 1973 وبالطبع فلا اعتراض على أن يعرف التلاميذ تاريخهم في مواجهة أطماع الصهيونية ودور هذه الحركة العنصرية في إعاقة تطور أمتنا، وقد كان سؤالي لماذا لا تدرس هذه الوحدة في "التربية الوطنية" أو حتى في اللغة العربية ففي النهاية هذا الصراع حكم مسيرة شعبنا لمدة تزيد على ستين عاما، ولكن بالطبع لم يتم تناول الأمر بهذه الطريقة ربما بسبب معاهدة السلام التي تحظر مهاجمة الصهيونية أو إسرائيل، بل أن الحكومة المصرية لعبت دورا هاما في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينص على أن الصهيونية حركة عنصرية، ولهذا لجأ المؤلفون إلى وضع الأمر بشكل ديني فجنودنا هم "جند الله"، والصهاينة هم اليهود، ومن ثم يكون أحد أهداف الدرس الأول كما كتبها المؤلفون هو أنه "يحذر من اليهود وغدرهم".

وفي متن الدرس نجد "ولقد نصرنا الله على اليهود كما نصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – عليهم في المدينة"، ويأتي على لسان الأب "نتعلم منها أن اليهود لا عهد لهم فقد خانوا الله ورسوله"، وتحت عنوان "معلومات وأنشطة إثرائية" توجيه لمدرس الدين "أطلب من تلاميذك استخدام الحاسب الآلي في تجميع الآيات التي تتحدث عن خيانة اليهود"، وفي الدرس الثاني المعنون "الله ينصر المؤمنين" الذي تزور فيه العائلة بقايا مستعمرة ياميت التي دمرتها إسرائيل قبل انسحابها منها ويعلق على هذا الأب قائلا: "هذا ما يفعله اليهود في كل مكان يتركونه حتى لا يستفيد أهله به تماما كما فعلوا في بيوتهم التي تركها بني النضير في المدينة" وتحت عنوان "معلومات وأنشطة إثرائية" توجيه لمدرس الدين "كلف بعض تلاميذك بإعداد كلمة للإذاعة المدرسية بعنوان يهود الأمس هم يهود اليوم"، ومنه يتضح أن الأهداف الحقيقية لهذه "الدروس" هي تحويل الصراع العربي الإسرائيلي من صراع بين قوى الاستعمار والصهيونية من ناحية والشعوب العربية وقوى التحرر الوطني من ناحية أخرى، إلى صراع مستمر بين المسلمين واليهود منذ أيام الرسول، وهي نفس نظرة بن لادن ومن لف لفه بأن صراعنا حاليا هو مع اليهود والصليبيين.

هذا هو حال تدريس اللغة العربية والدين لتلاميذ الصف الخامس الابتدائي وإذا بحثنا في بقية السنوات سنجد ما هو أكثر، وقد وقع في يدي مصادفة كتاب "أنت والعلوم" للفصل الدراسي الثاني لتلاميذ الصف الثاني الإعدادي للعام الدراسي 2007/2008، وفي الدرس الأول بعنوان "الفضاء الكوني القريب والبعيد" نجد المؤلفين (ليس بينهم مسيحي واحد) يحشرون دون أي مبرر الآية 16 من سورة الحجر "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ"، ويمهدون لذلك ببعض الخرافات التي تنتمي للتنجيم لا لعلم الفلك بقولهم "بالإمكان تقسيم النجوم في المجرة إلى مجموعات أصغر هي الكوكبات (الأبراج) وهي صور فلكية تعرف بأشكالها المحددة"، وفي الدرس الثاني المعنون "حركة القمر" يفتتح الدرس بالآية رقم (5) من سورة يونس "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ"، وفي منتصف الدرس الآية (39) من سورة يس "وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ"، وفي الدرس الثالث "حركة الشمس" يبدأ الدرس بالآية (38) من سورة يس "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"، أما الدرس الرابع المعنون "الكسوف والخسوف" فيبدأ بآيات لم أتبين شخصيا علاقتها بالدرس وهي الآيات 7-9 من سورة القيامة "فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9)"، وهكذا يجري خلط الدين بالعلم.

بعد كل ما سبق وما نلاحظه جميعا من تزايد الفرز الطائفي والتعصب الديني الذي يهدد بشق الوطن ألا يستحق الأمر مراجعة كافة المواد الدراسية لتنقيتها من كل ما يعمق التقسيم والفرز الطائفي بين المواطنين المصريين، والتأكد من أن تدريس الأديان يتم فقط في المقررات الدينية، حماية للوطن والمواطنين؟












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مكمن الخطر
متفرج ( 2009 / 7 / 8 - 20:58 )
ليس فقط مكمن الخطر فى التمييز الدينى ..ولكن مكمن الخطر فى ما رأيته فى كتاب العلوم ياسيدى فعندما يتم التدليس على عقل الطفل بمثل هذه الادعاءات الكاذبه فى بلاد تستورد كل شىء من الغرب الكافر و الجاهل بعلوم القران التى يذيعها أمثال زغلوله الفشار...بل ويلجأ للصين واليابان الملاحده ...كيف يمكن لمثل هذا الطفل التأقلم مع أساليب البحث العلمى الحديثه والتطوير المستمر...ناهيك عن الصدمه الحضاريه عندما تتبدى له الحقيقه بدون رتوش


2 - وهنا يكمن الخطر
Masry ( 2009 / 7 / 9 - 15:46 )
شكرا سيدى لفتح موضوع هام جدا وتحليل رائع وانا فى الحقيقه استغرب و اشعر ببعض من خيبه امل لشحاحه التعليقات على موضوعك الهام والجيد وعلى عدد القراء الذين قيموه, التقصير بالتأكيد ليس عندك, ولك الحق سيدى فنظام التعليم الذى يولى كل اهتمامه بغسل عقول ابناء الدوله لصالح عقيده ما على حساب غيرها وعلى حساب التعليم ذاته وتحصيل ابناء الدوله من العلوم المفروض ان رخاء المستقبل رهن عليها, هذا النظام سيلحق اضرارا بليغه ليس فقط بعقول الشباب بل بمستقبل المجتمع كله وثمار هذا الاتجاه بدأت بالفعل فى اتيان ثمارها فيكفى النظر الى حال جامعه القاهره وماضيها واين هى اليوم , وكما اشار الاخ متفرج بحق الى مكمن الخطر عندما يزورون العلم ليناسب العقيده هنا تكون الكارثه

اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم